Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 1-1)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يا أيُّها الَّذين آمنُوا لا تُقدِّمُوا بيْن يَدي الله ورسُولِه } بدأ السورة بالرحمة ترغيباً فيها ، وترجية للمذنبين ، ليتوبوا ، وبدأ بعد الرحمة بالنداء اشارة الى عظمة ما نودوا اليه ، ليزدادوا اعتناء به ، أن يجتهد فيما دعى الله ، عن ابن مسعود : كل { يا أيها الذين آمنوا } فى المدينة وكل : { يا أيُّها الناس } [ الحجرات : 13 ] فى مكة ، قلنا : قد يتخلف ذلك ، وتقدم متعد الى مفعول واحد بنفسه ، والى الآخر بعلى تقول : قدمت زيدا على عمر ، ولكن استعمل هنا على طريق عدم تعلق الغرض بالمفعول ، فنزل منزلة اللازم كقولك : الله يعطى ويمنع ، وينفع ويضر ، وقوله تعالى : { يُحيي ويُميت } [ الدخان : 8 ] فالمعنى لا تفعلوا التقديم ، ولا سبيل لكم اليه ، فهو سلب لحقيقة التقديم ، فيلزم منه أن لا مقدَّم ولا مقدَّم عليه بفتح الدالين أو هو متعد الى مفعول به مقصود حذف للعموم ، أى لا تقدموا أمرا ما من الأمور على الآخر ، وهذا أكثر استعمالا ، وفيه السلامة من تنزيل المتعدى منزلة اللازم الذى هو خلاف الأصل لكل فيه الحذف الذى هو خلاف الأصل . وعندي الأول وهو تنزيله منزلة اللازم أولى وهو كثير ، ولو كان الثانى أكثر وهو الحذف لأن أبلغية الكلام بسلب التقديم البتة أقوى من أبلغيته بحذف المفعول على طريق قصده للعموم ، والوجهان من معنى التقديم ، ويجوز أن يكون من معنى التقدم بضم الدال وهو لازم كقولك : مقدمة الجيش ، ومقدمة جناحى الطائر ، ويدل له قراءة ابن عباس ، وأبى حيوة ، والضحاك ، ويعقوب وابن مقسم بفتح التاء والدال ، والأصل عليه لا تتقدموا فحذفت احدى التاءين ، ولفظ ، بين مجاز مرسل أصلى ، لأن حقيقته ما بين اليد اليمنى واليسرى ، واستعمل فى معنى ما امر الله تعالى به ، وما أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويجوز أن يكون الكلام استعارة تمثيلية ، شبه اثبات الحكم من غير اقتداء بالله ورسوله ، لجامع البشاعة بتقدم الخادم بين يدى سيده فى السير بلا أمر منه ، حيث لا مصلحة أى لا تجزموا بأمر قبل حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فيه ، وذلك تشبيه للمقول بالمحسوس . ويجوز أن يكون المراد بين يدى الرسول ، وذكر لفظ الجلالة قبل الرسول تعظيما له صلى الله عليه وسلم ولشأنه ، بأن مقوله مقول الله عز وجل ، فكيف يعرض عنه ، قال ابن عباس : لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة ، وعنه : نهوا أن تكلموا بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمروا أن يصغوا فهذا فى التلفظ وما مرّ فى اثبات الأحكام بدون الله ورسوله كما قال مجاهد لا تفتئتوا على الله ورسوله حتى يقضى الله ، وروى حتى يقصه الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وسواء فى ذلك قراءة التقديم وقراءة التقدم ، أو قراءة التقدم على التشبيه لجعلتهم فى الحكم ، أو التلفظ بعجلة المسافر من سفره بجامع الرغبة ، وقدر رغبوا فى الحكم أو القول . والآية على عموم لفظها ولو خص سببب النزول كما أخرج البخارى ، عن عبد الله بن الزبير : قدم وفد من تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر رضى الله عنه : أمر القعقاع بن معبد بن زرارة ، وقال عمر رضى الله عنه : بل أمر الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر رضى الله عنه : ما أردت الا خلافى ، فقال عمر رضى الله عنه : ما أردت خلافك ، فتماريا حتى علت أصواتهما ، فأنزل الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا } الآية . وعن جابر بن عبد الله : الآية فى قوم ذبحوا الضحايا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهوا عن ذلك وأمروا أن يعيدوا ، وفى الترمذى ، عن البراء بن عازب : خطبنا النبى صلى الله عليه وسلم يوم النحر وقال : " إنَّ أول ما نبدأ فى يومنا هذا أن نُصلي ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح قبل أن يصلي فإنَّما هو لحم عجله لأهله " وليس من النسك فى شىء ، وكذا فى البخارى ومسلم إلا أنهما لم يذكرا قوله : خطبنا النبى صلى الله عليه وسلم يوم النحر ، وفى أبى داود والترمذى ، عن عمار بن ياسر : من صام فى اليوم يشك فيه فقد عصى أبا القاسم . وأخرج الطبرى ، عن الحسن : ذبح ناس قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر ، فأمرهم النبى صلى الله عليه وسلم أن يعيدوا ذبحا ، فأنزل الله تعالى : { يا أيها الذين أمنوا لا تقدموا } الآية أى تصديا له فى الأمر باعادة الذبح ، ومراد الحسن ، أنه نزل : { بسم الله الرحمن الرحيم * يا أيُّها الذين آمنوا لا تقدموا } وكذا فى حديث البخارى ، وما يأتى وغيره اذ اذكر الراوى ما هو أول السورة بعد البسملة أنه نزل فى كذا ، ولم يذكر البسملة ، أو قال نزلت السورة وذكرها بأولها لا باسم السورة ، ولم يذكر البسلمة ، فالمراد أنه نزل : لبسم الرحمن الرحيم وما بعده ، ولكن لم يذكروها لاشتراك السور فيها ، وفى رواية ذبحوا قبل الصلاة ، فأمرهم الخ . والذبح قبل الصلاة ذبح قبله صلى الله عليه وسلم ، كما فى الرواية الأولى ، لا يذبح قبلها ، فهى ذبيحة لا تجزى عندنا ، وعند أبى حنيفة كما تراه فى الحديثين ، وكما روى البخارى ومسلم والترمذى ، وأبو داود والنسائى ، عن البراء : " ذبح بردة بن دينار قبل الصلاة ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " ابدلها " قال : يا رسول الله ليس عندى إلا جذعة ، فقال صلى الله عليه وسلم : " اجعلها مكانها ولن تجزي عن أحد بعدك " وعنه صلى الله عليه وسلم : " من ذبح قبل الصلاة فقد خالف سنتنا ، وإنما ذبيحته جزورة قدمها لأهله " . وعن الحسن ، كثرت الوفود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأكثروا السؤال يعنى يقولون : أيجوز كذا ، أيجوز كذا لو أنزل الوحى فى كذا لكان كذا ، فنزلت الآية لا تبتدءوا بالسؤال ، وظاهر كلام الحسن هذا مع ما تقدم عنه أن الآية نزلت فى جميع ما يروى أو يأتى بعد وقوعه ، ومجموعه سبب النزول لا خصوص ما يذكر رواة الحديث . كما روى أنه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية سبعين رجلا الى تهامة ، وأمَّر عليهم المنذر بن عمرو الساعدى ، فقتلهم بنو عامر ، وعليهم عامر بن الطفيل الا ثلاثة نجوا فلقوا رجلين من بنى سليم قرب المدنية فانتسبا لهم الى بنى عامر ، لأنهم أعز من سليم فقتولهم فسلبوهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بئسما صنعتم الرجلان من سليم كانا من أهل العهد وما سلبتم عنهم من ثياب هو ما كسوتهما " فأعطى صلى الله عليه وسلم ورثتهما ديتهما ، ونزلت الآية . وعن عائشة رضى الله عنهما : كان قوم يصومون قبله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت ، أى يصومون يوم الشك من شعبان ، أو يومين من آخره ، أو مثل ذلك قبل رجب ، أو قبل شعبان ، اذ رأوه يصوم فيهما ، ودخل مسروق على عائشة يوم الشك آخر شعبان ، فأمرت جارية أن تسقيه عسلا فقال : إنى صائم ، فقالت رضى الله عنها ، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم هذا اليوم ، وفيه نزل : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا } الآية أى فيه وفى غيره ، أو أرادت لا يخرج عن الآية ، أو هذا مثل قول ابن مسعود للتى قالت له : قرأت القرآن وما وجدت فيه ما قلت من لعن الواشمة ان قرأته فقد وجدته ، ألا ترين قوله تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه } [ الحشر : 7 ] الخ . وأدخل بعض فى الآية المشى قدامه صلى الله عليه وسلم ، ويلتحق بما قال رسول الله ما يقول المجتهد المتأهل للاجتهاد ، وقد أمر عبد المؤمن بتحريق كتب الفروع ، ورد الناس الى قراءة كتب الحديث ، واستنباط الأحكام منها ، وكتب بذلك ، وهو فى المغرب الأقصى الى جميع طلبة العلم من بلاد أندلس والعدوة ، قلت : ذلك حسن لولا أنه لا يقدر الطلبة كلهم على الاستنباط ، وليس يوجد فى كل قطر طالب يستنبط فقد يتعطل أمر العامة بذلك ، وليس يوجد فى كل موطن مجتهد ، وكذا أمر بنوه من بعده الناس بأن تؤخذ الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة مباشرة على طريق الاجتهاد المطلق ، وحرقوا كثيراً من كتب الفروع الحادثة ، واستحسنه بعض علماء عصرهم ، ومنهم ابن العربى استحسنه . { إنَّ اللَّهَ سَميعٌ } لأقوالكم وأقوال غيركم { عليمٌ } بكل شىء من الأفعال والاعتقادات ، فاحذروه فيما تقولون وما تفعلون .