Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 104-105)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } لهؤلاء الكفرة المفترين على الله الكذب وللأَكثر الذين لا يعقلون { تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ } يخبرنا بما أَنزل الله ويبينه لنا وبما نفعل وما نترك { قَالُوا حَسْبُنَا } كافينا ، مبتدأ كما دخلت عليه أَن فى قوله تعالى فإِن حسبك الله { مَا وَجَدْنَا } من الدين { عَلَيْهِ آبَاءَنَا } لا سند لهم غير التقليد لآبائهم بالغوا فيه { أَوَ لَوْ كَانَ } أَحسبهم ما وجدوا عليه آباءَهم ولو كان { آباؤُهُمْ } أَو يقولون ذلك ولو كان آباؤهم { لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً } من الدين { وَلاَ يَهْتَدُونَ } إِلى الصواب ، وهم ضالون لا يعرفون شيئاً من دين الله بعنوان أَنه دين الله ولا يهتدون إِلى الحق ولو بلا علم أَنه من الله ، هنا ما وجدنا وفى البقرة ما أَلفينا ، وهنا لا يعلمون وفى البقرة لا يعقلون ، لارتكاب فنون في التعبير ، أَو أَحسبهم ذلك أَو أيقولون ذلك ولو لم يكن آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون ، ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون ، والاستفهام إِنكار لصحة ذلك عقلاً وشرعاً ، وكان المؤمنون يتحسرون على عدم إِيمان الكفرة ، ويتمنون إِيمانهم وكان الرجل إِذا أَسلم قالوا : سفهت آباءَك وعنفوه ، فنزل قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } الزموا أَنفسكم واحفظوها ، ولفظ عليكم جار ومجرور والجار في المحل وهو اسم فعل { لاَ يَضُرُّكُمْ } قيل مجزوم فى جواب الأَمر ، والمشهور أَن لا يجزم ولا ينصب فى جواب اسم الفعل ، إِلا أَن قراءَة لا يضر بضم الضاد وقراءَة كسرها وإِسكان الراء فيهما تدلان على الجزم في جوابه ، وتحمل عليه قراءَة الضم والشد ، فالضم للتخلص من الساكنين أَو الجزم فى ذلك كله على النهى أَو الرفع استئناف أَو تعليل { مَنْ ضَلَّ } أَى لا يضركم ضلال من ضل من عصاة المؤمنين ، أَو من أَهل الكتاب { إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } بمجانبة الضلال والإصرار ، ومنها أَن ينكر المنكر بحسب طاقته فانتفاء الضر بالنهى منكم عن الضلال فلا يقبل ، أَو المعنى لا تهلك حسرة على كفر الكفرة ، أَولا أَمر ولا نهى عليك إِذا كان فيهما فساد . أَو اثبت على الإِيمان ولا تبال بقول الكفرة لمن أَسلم سفهت آباءَك ، واحفظوا أَهل دينكم وانصروهم ، ومرجع معصية الكافر عليه لا عليكم ، أَو ذلك كله ، وقد قيل : إِذا اهتديتم بالأَمر والنهى ، وسأَل رجل ابن مسعود رضى الله عنه عن الآية ، فقال : هى فيما إِذا أَمرت : أَو نهيت فعل بك كذا وكذا أَو لم يقبل منك ، وسئل ابن عمر فقال : ليست فيكم إِنما هى لمن بعدكم إِذا لم يقبل عنهم فإِن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليبلغ الشاهد الغائب فنحن الشهود وأَنتم الغيب " ، قال صلى الله عليه وسلم : " من رأَى منكم منكراً واستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده فإِن لم يستطع فبلسانه ، وإِن لم يستطع فبقلبه " ، وكأَنه قيل لا يضركم من ضل إِذا أَمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر يفد أَمركم ونهيكم ، روى الحاكم عن أَبى ثعلبة الخشنى سأَلت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآية فقال " ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إِذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإِعجاب كل ذى رأى برأيه فعليك نفسك " ، وقال لمعاذ مثل ذلك ، وزاد " فإِن من ورائكم أَيام صبر المتمسك فيها بدينه مثل القابض على الجمر فللعامل منهم يومئذ مثل عمل أَحدكم كأَجر خمسين منكم فقال : خمسين منهم ، فقال : بل منكم أَنتم فإِنكم تجدون على الخير أَعوانا ولا يجدونهم " ، وليست الآية مبيحة لترك الأَمر والنهى إِلا لمن اهتدى ، ومنه الآمر والناهى ، قال أَبو بكر رضى الله عنه : تعدونها رخصة والله ما نزلت آية أَشد منها ، وإِنما المراد لا يضركم من ضل من أَهل الكتاب ، وقد أَمرتموهم ونهيتموهم . كما جاءَ عن مجاهد وابن جبير : هى فى اليهود والنصارى خذوا منهم الجزية واتركوهم بعد أَن أَمرتموهم بالتوحيد فأبوا ، وقال أبو بكر رضى الله عنه على المنبر : يا أَيها الناس إِنكم تقرأُون هذه الآية وتضعونها غير موضعها ولا تدرون ما هى ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إِن الناس إِذا رأَوا منكراً فلم يغيروه عمهم الله بعقاب ، فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، أَو ليستعملن الله عليكاً أشراركم فيسومونكم سوءَ العذاب ثم يدعوا أَخياركم فلا يستجاب لهم " ، وعنه صلى الله عليه وسلم : " ما من قوم عمل فيهم منكر وسن فيهم قبيح فلم يغيروه ولم ينكروه إِلا وحق على الله أَن يعمهم بالعقوبة جميعاً ثم لا يستجاب لهم " { إِلَى اللهِ } لا إِلى غيره { مَرْجِعُكُمْ } أَى رجوعكم { جَمِيعاً } أَيها المؤمنون ، مرجع الضالين فحذف ، أَومرجعكم أَيها الناس مؤمنكم وكافركم ، وهذا أَنسب ، فيجازى كلا بعمله كما قال { فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } ولا يؤاخذ أَحداً بذنب غيره ، وذلك وعد ووعيد .