Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 116-116)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذْ قَالَ } أَى يقول والماضى للتحقق كأَنه وقع ، والعطف على إِذ قال الحواريون ، وقيل : قال ذلك حين رفع إِلى السماء { اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلَّناسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّى } لم يقل ومريم ليوبخهم أَيضاً بأَنهم جعلوا من هو مولود ومن هى والدة إِلهين مع أَن الإِله لا يلد ولا يولد { إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ } لما نزلت الآية أَنكر النصارى القول بأَن مريم إِله خجلا ، أَو كان قوم منهم قبلهم يقولون ذلك ولم يدروا بهم ، كما حكى بعض الشيعة عن بعض النصارى أَى طائفة منهم فيما مضى تسمى المريمية يعتقدون أُلوهيتها ، كما أَن فى أَسلاف اليهود قوماً يقولون عزير ابن الله تعالى ، وذلك أَولى من أَن يقال عظموها تعظيم الله سبحانه فكأَنهم جعلوها إِلهاً كقوله تعالى { اتخذوا أَحبارهم } [ التوبة : 31 ] إِلخ ، وأَولى من أَن يقال لما جعلوا عيسى إِلها لزم أَن أمه إِله لأَن الولد من جنس من ولده توبيخ للنصارى بإِقرار عيسى ومريم بعبوديتها لله عز وجل ، وبكذبهم على قولهم بألوهية عيسى وأمه عليهما السلام وأَن عيسى قائل لهم اتخذوني إِلخ ، ولهذا قال أَأَنت قلت ولم يقل أَقلت ، ولا يصح ما قيل أَنه لو قال أَقلت لكان المستفهم عنه وقوع الاتخاذ وهو معلوم الوقوع لا يستفهم عنه ، لأَنا نقول المستفهم عنه القول لا الاتخاذ ، ومعنى الاتخاذ من دون الله استلها مهما بالله توصلا بهما إِليه تعالى كقول عبدة الأصنام : تقربنا إِلى الله زلفى ، ويقال لم ينف الله نصرانى بل يعبدون الله وإياهم ، قالوا لعنهم الله : الله كالشمس وهم كشعاعها ، ومن فعل ذلك لم يكن عابداً إِلا لغير الله لأَن الله أَغنى الشركاء عن الشركة ، أَو معنى الاتخاذ من دون الله الاقتصار على عبادتها ولو عبدوه أَيضاً لبطلان عبادته بالشركة ، والأُلوهية لا تتعدد ولا تتجزأ ، ولو كان معتقدهم اجتماع عبادته وعبادتهما أَو أنهما الإِلهان لا الله حتى قالوا أَنه هو خالق معجزاته لا الله ، ولا قائل الآن من النصارى أَن عيسى وأُمه خلقا تلك المعجزات { قَالَ } مرتعدا مقشعرا منفجرة من أَصل كل شعرة عين دم { سُبْحَانَكَ } أَسبحك عن الإِنكار والشركة وصفات الخلق ، وقدر بعض سبحانك أَن أَقول ذلك أَو يقال ، وبعض سبحانك أَن يكون لك شريك فضلا عن أَن تنفى الأُلوهة عنك وتثبت لغيرك ، وبعض سبحانك أَن تبعث رسولا يدعى الأُلوهة لنفسه أَو غيره ويدعو إِليها ويكفر نعمتك { مَا يَكُونُ } لا يليق ولا يثبت { لِى أَنْ أَقْولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍّ } من إِثبات الأُلوهية لى ولأَمى والأَمر باتخاذها لغيرك ، وحق خبر ليس ولى متعلق بليس أَو بحق أَو حال منه أَو بيان ، أَى أَعنى لى أَو الخبر لى فتكون الباء غير صلة بل تعلق بلى أَو باستقراره ، أَو حال من ضمير الاستقرار ، ولا إِشكال في نصب القول المفرد الذى معناه جملة فإِن ما فى الآية بمعنى اتخذونى وأُمى إِلهين من دون الله ، كما تقول قال شعراً ، وإِنما يؤول بالذكر لو نصب مفردا ليس في معنى الجملة نحو قلت الله ، أَى ذكرت هذا اللفظ { إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } صح الماضى المتصرف خبَراً لكان لأَنه فى مقام الشرط والشرط أَبداً مستقبل كالجواب وهو هنا كذلك لأَن المعنى إِن صح أَنى قلته والصحة منتظرة الوقوع ، وفى معناه قول الفارسى إِن المعنى إِن كنت الآن قد قلته فيما مضى لأَن كونه الآن متصفاً بأَنه قاله فى الماضى منتظراً لصحته ، وكذا علمته أَى فقد تبين الآن علمكه ، فكان كغيرها للاستقبال بعد أَداة الشرط ، والآية من انتفاء الملزوم بانتفاء اللازم فإِن كون عيسى قائلا بذلك يستلزم علم الله تعالى بكونه قال ، فإِذا انتفى علم الله به فهو لم يكن { تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى } أَجاز بعض كون العلم بمعنى المعرفة ولم يشرط للمعرفة تقدم الجهل فله مفعول واحد ، ومن شرط ذلك قدر تعلم ما فى نفسى ثابتاً ، والنفس الذات أَو القلب { وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ } ما فى معلوماتك التى لم تطلعنا عليها أَو ما عندك ، وعبر بالنفس للمشاكلة لأَنه جل وعلا لا يتصف بالقلب ، وكذا لا يقال لا أَعلم ما فى ذاتك لأَنه تعالى لا يكون ظرفاً ، وإِن فسرنا النفس بالذات فالمشاكلة بلفظ فى نفسى جناس ، ومن هذا المعنى { كتب ربكم على نفسه الرحمة } [ الأنعام : 54 ] { واصطنعتك لنفسى } [ طه : 41 ] { ويحذركم الله نفسه } [ آل عمران : 28 ، 30 ] وقوله صلى الله عليه وسلم : " أَقسم ربى على نفسه أَن لا يشرب عبد خمراً ولم يتب إِلى الله تعالى منه إِلا سقاه من طينة الخبال " ، وقوله صلى الله عليه وسلم " ليس أَحد أَحب إِليه المدح من الله عز وجل ، ولذلك مدح نفسه " ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " سبحان الله عدد خلقه ورضا نفسه " ، أَو نفسك بمعنى غيبك وأَجيز أَن النفس الثانية نفس عيسى أَيضاً أضافها إِلى الله تعالى لأَنه سبحانه خالقها ومالكها { إِنَّكَ أَنْتَ } لا أَنا ولا غيرى { عَلاَّمُ الغُيُوبِ } تقرير بمنطوقه لقوله : تعلم ما فى نفسى ، وتقرير بمفهومه لقوله : لا أَعلم ما فى نفسك .