Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 13-13)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَبِمَا نَقْضِهِمْ } ما صلة للتأْكيد أو نكرة تامة للتعظيم فبنقضهم بدلها والباءِ متعلق بلعن { ميِثَاقَهُمْ } عهدهم لله أَن لا يخالفوه وذلك أَنهم كذبوا الرسل بعد موسى وقتلوا الأَنبياءَ وغيروا التوراة وضيعوا الفرائض وكتموا صفات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . { لَعَنَّاهُمْ } أَبعدناهم عنا عقاباً بإِدخال النار والمسخ قردة وخنازير وضرب الجزية ، فاللعن بمعنى التحقير المطلق فشمل ذلك ، أَو من عموم المجاز فإِنه حقيقة فى الإِبعاد والإِبعاد ظاهر فى المسخ وقد فسره الحسن ومقاتل به ، وابن عباس بالجزية وعطاء بمطلق الإِبعاد عن الرحمة { وَجعَلْنَا } به أَى بالنقض وحذف للعلم به لا على التنازع لتقدم المعمول { قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } ممتنعة عن الإِيمان كما لا يتأَثر نحو الحجر بالغمز ، وفى ذلك تلويح إلى تشبيهها بما ليس فيه لين الذهب والفضة كالنحاس يقال درهم قسى أَى زيف فضته صلبة رديئة ليست لينة والمغشوش فيه يبس وصلابة ، وفسر الجعل بترك التوفيق وليست موفقه ثم سلب توفيقها ، بل كقولك أَفسدت سيفك إِذا لم يحدث له فساد ولكن ترك معاهدته بالصقل ، وكقولك جعلت أَظفارك سلاحك إِذا لم يقصها { يُحَرِّفُون الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ } هذا بعض ما تضمنه قسوة القلب بل هو أَشده فإِن محرف كلام الله مشرك كاثم ماح لدين الله ألبته كاذب عن الله عز وجل ، والكلام بعض التوراة غيروا ما فيها من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرها بالمحو تارة وبتبديلها بضدها أخرى ، وبتفسير بغير معناها ، والمواضع معانيها ومحالها من التوراة التى وضعها الله عليها ، والمضارع لحكاية الحال أَو للتجدد فإِنهم يحرفون أَيضاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الله عز وجل { ولا تزال تطلع } الخ { وَنَسَوُا } تركوا وحقيقته فى الزوال عن الحافظة ، وذلك مبالغة لأَن الذهاب عن الحافظة أَشد إِهمالا مما حضر فيها وأعرض عنه . { حَظًّا } نصيبا عظيماً مما أمروا به فيها وهو صفاته على الله عليه وسلم والإِيمان به وغير ذلك { مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ } أمروا به أَمراً يزيل الإِعراض والكسل لمن وفق ، ويجوز إِبقاءِ النسيان على حقيقته فإِنهم لما حرفوا التوراة زال منها عن حفظهم أَشياء منها لا يعرفونها مع أَنها فيها ، ولزوال أَسفار منها وفنائها بشؤم التحريف . قال ابن مسعود رضى الله عنه : قد ينسى المرءُ بعض العلم بالمعصية وتلا هذه الآية . وقال الشافعى : @ شكوت إِلى وكيع سـوء حفظـى فأَرشدنى إِلى تـرك المعـاصى وقال اعـلـم بـأَن الـعلم نـور ونـور الله لا يعطـى لعـاصى @@ { وَلاَ تَزَالُ } يا محمد { تطَّلِعُ } تظهر { عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ } على خيانة ، من المصادر التى على وزن فاعلة كما هو وجه فى لاغية وعاقبة وعافية ، أَو على طائفة خائنة اسم فاعل والتاء للتأْنيث ، أَو على إِنسان خائنة أَى كثير الخيانة أَو عظيمها فهو اسم فاعل والتاء للمبالغة كما يقال فلان راوية أَى كثير الرواية ، أَو فعله خائنة أَى ذات خيانة أَو نفس خائنة ، ومن خيانتهم نقض الميثاق ومظاهرتهم قريشاً على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب جهراً ويوم أُحد سرًا { إِلاَّ قلِيلاً } كعبد الله بن سلام { مِنْهُمْ } استثناء من الهاء فى منهم أَى إِلا قليلا لا نجد منهم خيانة وهذا واضح ، أَو إِلا قليلا لا نجد منهم طائفة خائنة ، فإِن صح هذا فقبيلة عبد الله بن سلام لا طائفة فيهم خائنة ولو بقوا على الكفر ، وأما على تفسير خائنة بإِنسان كثير الخيانة أَو ما بعده فالاستثناء منقطع ، أَو من هاء قلوبهم أَو واو يحرفون . { فَاعْفُ عَنْهُمْ } لا تعاقبهم { واصْفَحْ } لا تعاتبهم فقد بلغت إِليهم وأَمرتهم ونهيتهم ، وذلك إِن تابوا وعاهدوا بالجزية وإِلا فلا تعف ولا تصفح بل اقتلهم واذممهم ، أَو اعف واصفح فى حق نفسك واقتلهم وذمهم لحق الله فهو صلى الله عليه وسلم لا يأْخذ حقه لنفسه أَلا ترى أَنه عفا عمن سفه عليه ، وفيها أَبحاث ضمنتها شرح نونية المديح ، ويقال : لهذا نهى عن قتالهم ونسخ بآية السيف { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } [ التوبة : 29 ] وقيل الهاء للقليل وقيل الآية على ظاهرها إِلا أَنه نسخت بقوله تعالى : { وإِما تخافن من قوم خيانة فانبذ إِليهم على سواء } [ الأنفال : 58 ] { إِنَّ الله يُحِبُّ المُحْسِنِينَ } فى حق الكفرة فكيف فى حق المؤمنين .