Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 2-2)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللهِ } مناسك الحج ودينه الذى حد لعباده وفرضه ، وأَما الذى لم يفرضه وهو النفل فلا يحرم إحلاله لأَنه يحل تركه إِلا أَن يقال إِحلاله اعتقاد أَنه ليس من الدين ، كما أَن تحريم المحرمات من الدين وفعلها إِحلال لها واعتقاد حلها إِحلال لها ، ويجب إتمام النفل بعد الدخول فيه ، وعن ابن عباس : الشعائر المناسك كان المشركون يحجون ويهدون فأَراد المسلمون أَن يغيروا عليهم فنهاهم الله عن ذلك ، وعنه " إِحلال الشعائر أَن تصيد وأَنت محرم " ويقال : الشعائر الهدايا المشعر بالطعن فى أَسنمتها ، قال الله تعالى : { والبُدْنَ جَعَلْنَاها لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ } [ الحج : 36 ] وقال : { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله } [ الحج : 32 ] فى دينه ، والمفرد شعيرة بمعنى مشعرة فعيلة بمعنى مفعلة أَى معلمة ، كما يستعمل سميع بمعنى مسمع ، أَو الشعيرة اسم لما جعل علامة وأَعمال الحج ومواقفه وعلاماته ، ودين الله أَعلام قدرته وأَلوهته ، وإِحلال دين الله مخالفته وإِحلال الهدى صده وسلبه عن مشرك جاءَ به ، والصيد فى الإِحرام ، ويقال : شعائر الله الإحرام والطواف والسعى والحلق والنحر وإضافتها لله تعالى تعظيم لها وتهويل للخطب فى إحلالها ، وقيل : ما نصب فرقاً بين الحل والحرم ، وحلها نزعها أَو مجاوزتها بلا إحرام إلى مكة ، وقيل الصفا والمروة والهدى ، فالشعور يوقع على تلك المواضع يعلم أَنها مواضع الحج ، وعلى الحاج يعلم الناس بها أنه حاج ، هكذا الأَفعال وإِحلاله سرقته أَو غصبه أَو منعه أَن يصل محله ، كل ذلك حرام ، { وَلاَ الشَّهرَ الحَرَامَ } بالقتال فيه والسبى ، ذا القعدة وذا الحجة والمحرم ورجبا ، وهو أَكمل الأَشهر الحرم فى هذه الصفة ، وأل للجنس ، وقيل المراد رجب لما مر أَنه أَكمل ، وقيل ذو القعدة ، وعليه عكرمة وقيل الإِحلال فى ذلك النسيىء والأَنسب بالمؤمنين غيره . { وَلاَ الهَدْىَ } ما أهدى إلى الكعبة من بعير أَو بقرة أَو شاة ، وغير ذلك مما يتقرب به إلى الله عز وجل ، لا تتعرضوا لذلك والمفرد هدية بإِسكان الدال . { وَلاَ القَلاَئِدَ } الأَنعام ذوات القلائد المهداة ، خصها بالذكر بعد لعموم مزيتها أَو نفس القلادات من لحاءِ شجر ونعال فإذا كان لا يتعرض لما قلدت به الأنعام بالأخذ أَو بالإِلغاءِ أَو بالإِفساد ، فأَولى أَن لا يتعرض لهذه الأَنعام التى قلدت كقوله تعالى : { ولا يبدين زينتهن } [ النور : 31 ] فأَولى مواضع الزينة من أَبدانهن ، وتعليق القلادة يكون بالعنق ويكون أيضاً بغير لحاءِ الشجر والنعال ، وذلك ليعلم أَنه هدى فلا يتعرض له ، واللحاءِ بالقصر والمد قشر الشجر ، فيجب التصدق به إِن كانت له قيمة ، كما يحب التصدق بما جعل على الهدى من نحو ثوب أَو وطاء ، ويجوز أَن يكون القلائد ما يقلده الجاهلية على أنفسهم وإبلهم من لحاءِ الشجر من الحرم ليأمنوا على أَنفسهم وإبلهم ، وقيل كان أَهل الحرم يقلدون أنفسهم بلحاءِ شجر الحرم ، وغيرهم بالصوف والشعر وغيرهما ، فنهاهم الله عن قطع ذلك من شجر الحرم ، أَو نهى عن التعرض لمن تقلد بذلك ، وهذا ضعيف لأنه يوهم إِبقاءَهم على جواز قطع ذلك وجعله قلادة لهم ولإِبلهم . { وَلاَ آمِّينَ } قاصدين { البَيْتَ الحَرَامَ } زيارة البيت الحرام مسلمين أَو مشركين ، روى أَن الحكم خلف خيله خارج المدينة فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " إلام تدعو ؟ فقال : إِلى شهادة أَن لا إِله إِلا الله وإِقام الصلاة وإِيتاءِ الزكاة . فقال : حسن ، ألا إِن لى أُمراء لا أَقطع أَمراً دونهم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : يدخل عليكم رجل يتكلم بلسان شيطان ، ولما خرج قال صلى الله عليه وسلم : دخل بوجه كافر وخرج بعقبى غادر ، وما هو بمسلم " فأَغار على سرح المدينة فأَسرع ولم يلحقوه فجاءَ به هدياً من قابل عام عمرة القضاءِ من اليمامة ، فأَرادوا الإِغارة عليه فنزلت الآية : لا تتعرضوا لهم بمنعهم عن الزيارة أَو بأَذاهم أَو بما يفسد إِحرامهم أَو بقتلهم ، وقدر بعض قتال آمين أَو أَذى أَمين ، ونصب آمين المفعول به لأَنه للحال . { يَبْتَغْونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً } حال من الضمير المستتر فى آمين ، والفضل الرزق ، والرضوان ثواب الآخرة . روى أن الآية نزلت عام القضية فى حجاج اليمامة لما همَّ المسلمون أَن يتعرضوا لهم بسبب أَنه كان فيهم الحكم بن ضبيعة ، وكان قد أستاق سرح المدينة ، فالآية منسوخة والمراد عام عمرة القضاءِ ويروى أن الحكم ابن ضبيعة أتى النبى صلى الله عليه وسلم من اليمامة إِلى المدينة فعرض عليه صلى الله عليه وسلم الإِسلام فلم يسلم ، فلما خرج من عنده مر بسرح أَهل المدينة فساقها وانتهى إِلى اليمامة ، ثم خرج من هناك نحو مكة وقد قلد ما نهب من سرح المدينة وأَهداه إِلى الكعبة ومعه تجارة عظيمة ، فهم أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أَن يغيروا على أَمواله ، فنزل قوله تعالى : { ولا آمين … إلخ } أَى لا تحلوها بالإِغارة عليها ، وقيل المراد بالآمين المشركون ، والفضل ربح التجر ، والفضل ما فى زعمهم ويناسبه ما قيل من نزول الآية فى الحكم المذكور ، وهو من بنى ربيعة ويقال الحكم بن هند ، وما قيل أَنها نزلت فى فوارس مشركين يهلون بعمرة ، فقال المسلمون : هؤلاءِ مشركون نغير عليهم كما أَغار الحكم علينا ، وهذا يوم فتح مكة ونسخ بقوله تعالى : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] وقوله تعالى : { فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } [ التوبة : 28 ] وعن ابن جريج لا نسخ لجواز أَن يبتدى المشركون فى الأَشهر الحرم بالقتال ، وقيل لم ينسخ من الآية إلا القلائد . { وإِذا حَلَلْتُمْ } من الإِحرام المذكور بقوله وأَنتم حرم { فَاصْطَادُوا } إِن شئتم ، فالأَمر للاباحة بعد الحظر كقوله تعالى : { فإِذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأَرْض } [ الجمعة : 10 ] فإِن علة حرمة الاصطياد وترك البيع معللة بالإحرام والاشتغال بأُمورالصلاة وبالصلاة ، فوجب أَن تنتهى الحرمة بانتهاءِ علتها ، فيرجع الحكم إِلى أَصله من الإِباحة ، أَنه قيل : فقد أبحت لكم الصيد ، وهذا مذهبنا ومذهب أَكثر الفقهاءِ وأَكثر المتكلمين لقرينة سبق الحظر ، وقيل ؛ للوجوب ونسبه الاسفرايينى إِلى الفقهاء كلهم وأَكثر الشافعية وأَكثر المتكلمين وهو غلط ، إِذ لم يتفق عليه الفقهاءِ ؛ ووجه الوجوب فى هذا القول إِما المبالغة فى صحة المباح حتى كأَنه واجب ، وإِما وجوب اعتقاد الحل فيكون التجوز فى مادة الاصطياد ، كأَنه قيل : اعتقدوا حل الصيد ، وهو ضعيف إلا أَن يئول إلى معنى وجوب اعتقاد تمام الواجب والفراغ منه ، ووقف إمام الحرمين فى ذلك . { وَلاَ يَجَرِمَنَّكُمْ } لا يحملنكم فيقدر على فى قوله أَن تعتدوا أَو لا يكسبنكم فيكون أن تعتدوا مفعولا ثانياً كما إِن كسب الثلاثى يجوز أَن يتعدى لاثنين . { شَنَآنُ } بغض { قَوْمٍ } مشركين أَى إبغاضكم قوماً ، وهذا أَولى من تفسيره بإِبغاض قوم لكم وهو فعلان بالفتح مصدر ، أَو قل فى المصدر فعلان بالإِسكان كلواه وليان فى الصفة كعدوان بفتح الدال بمعنى شديد العداوة وتيس عدوان أَى كثير السير وحمار قطوان عسير السير والمراد هنا المصدر ، وقرىء بالإسكان وأَجازوا فى كل من الإسكان والفتح الوصف والمصدر . { أَنْ صَدُّوكُمْ } أَى لأَن صدوكم أَى لأَجل صدهم إِياكم عام الحديبية ، وهذا مما يقوى أَن المعنى شنئانكم قوماً لأَنه يصح أَنكم أَبغضتم القوم لأَن القوم صدوكم ، لا أَبغضكم القوم لأَنهم صدوكم ، إِلا تكلف أَن المعنى أَنه ظهر إِبغاضهم إِياكم بصدهم ، والمنهى لفظاً الشنئان وفى الحقيقة المخاطبون ، ووجهه أَنه نهى عن أَن يؤثر فيهم الشنئان الموصل إِلى الاعتداءِ وهو أَبلغ من النهى عن الاعتداء . { عَنِ الْمَسجِدِ الحَرامِ } عن أن تدخلوا الحرم فتطوفوا بالكعبة وتسعوا بين الصفا والمروة للعمرة . { أَن تَعْتَدوا } عليهم بالقتل وغيره انتقاماً ، وهذا غير منسوخ ولو كان فى قوم مشركين حربيين لأَن المعنى لا تقتلوهم وتضروهم لحظوظ أَنفسكم ، فافعلوا ذلك لله عز وجل ، أَو نهوا عن التعرض لهم من حيث عقد الصلح الذى وقع فى الحديبية ، والآية نزلت قبل الفتح لأَن مكة بعد الفتح فى أَيدى المسلمين لا يصدهم المشركون عنها . وإِن نزلت بعد الفتح فالمعنى لصدهم إِياكم إِن صدوكم . { وَتَعَاوَنُوا } فعل أَمر وفاعل . { عَلَى الْبِرِّ } فعل ما أَمرتم به والعفو والإغضاء . { وَالتَّقْوَى } ترك ما نهيتم عنه ومجانبة الهوى . ودخل فيها مناسك الحج كما قال الله عز وجل : { فَإِنَّهَا من تَقْوَى القُلُوب } [ الحج : 32 ] . { وَلاَ تَعَاوَنُوا } لا تتعاونوا . { عَلَى الإِثْمِ } المعاصى بينكم وبين الله . { وَالْعُدْوَانِ } المعاصى بينكم وبين الخلق ابتداء أًو انتقاماً حيث لا يجوز . ودخل فى ذلك النهى عن التعاون على الاعتداءِ والانتقام . وعن ابن عباس وأَبى العالية ، الإِثم ترك ما أَمرهم به وارتكاب ما نهاهم عنه ، والعدوان مجاوزة ما حده الله تعالى لعباده فى دينهم وفرضه عليهم فى أَنفسهم ، قدم التحلية وهى المعاونة على البر والتقوى على التخلية وهى الإِثم والعدوان مسارعة إِلى ذكر ما هو المقصود بالذات . { وَاتَّقُوا اللهَ } خافوه إِجلالاً وللعقاب على المعاصى . { إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقابِ } على العصاة .