Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 1-4)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ق } كان صلى الله عليه وسلم كثيرا ما كان يقرؤها فى الأولى من الفجر ، وفى الثانية { اقتربت الساعة } [ القمر : 1 ] قالت أم هشام بنت حارثة : ما أخذت { ق والقرآن المجيد } إلا من فى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقرؤ بها فى كل جمعة على المنبر فى الخطبة ، ومما قيل فى " ق " إنه فعل أمر ومفاعلة من قفا يقفو ، ويقال قافى يقافى قاف بكسر الفاء ، أى تابع باسكان العين ، أمره باتباع القرآن والعمل بما فيه ، أو افعل من وقف ، أى قف عند ما شرع الله عز وجل لا تجاوزه ، وقيل : اسم لله عز وجل ، وقيل : مفتاح كل اسم لله تعالى مبدوء بالقاف ، مثل قادر وقدير ، وقاهر وقريب ، وقابض وقدوس وقيوم . وشهر ان وراء البحر المحيط جبلا محيطا بالدنيا يقال له " ق " من زمرد أخضر ، عروقه فى الصخرة التى عليها الأرض ، إذا أراد الله زلزلة أرض حرك عرقا يليها ، ولم أر ذلك فى حديث مسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل وقف على التابعين وبعض الصحابة كابن عباس ، ولو روته جماعة يلتزمون تخريج الحديث الصحيح ، ومع ذلك فى القلب من صحته شىء ، والله قادر على أضعاف ما لا يحصى من ذلك ، وأما يرد ذلك بأن الناس قطعوا هذه الأرض برها وبحرها ولم يروه ، فلا يصح لأنه لا يوجد من قطع البحر المحيط عرضا لهول ما بعد منه ، ولو بسفن النار ، ولظلمته فانه لا تقطعه الشمس دبورا وشمالا ومشرقا ، فيكف الجنوب ، وأمر الزلزلة لا يتوقف على جبل " ق " وعرقه ، بل يزلزلها الله عز وجل بلا شىء ، وان زلزلها باحتقان بخار فيما صلب تحتها أو بغيره . { والقُرآن المَجِيد } قسم مستأنف ، أو عطف على الاقسام بقاف ، على أن قافا جبل أقسم به الله ، أو أنه السورة هذه أقسم الله بها ، والجواب محذوف تقديره : لتبعثن ، أو أنك جئتهم منذرا بالبعث ، أو انا أنزلناه لتنذر به ، أو انك لمنذر ، أو لا حجة لهم فى الرد عليك ، أو قوله : { ما تنقص الأرض } أو { ما يلفظ من قول } [ ق : 18 ] أو { إنَّ في ذلك لذكرى } [ ق : 37 ] أو { ما يُبدل القول لديَّ } [ ق : 29 ] حذفت اللام فى هذه الأربعة لطول الفصل أو هو قوله تعالى : { بلْ عَجبُوا أنْ جاءهم مُنذرٌ منْهُم } وفيه أن بل ولو لم تكن عاطفة لكنها للاضراب ، فلا تكون فى الجواب ، وهب أنها فيه لكن لا يجىء مثل ذلك فى كلام العرب ، فلا يخرج عليه القرآن ، والأولى أنها عاطفة على محذوف ، وأن الجواب أنك جئتهم منذرا بالبعث ، أو انك لمنذر ، أو انا أنزلناه لتنذر به ، وصورة العطف هكذا مثلا ، انا أنزلناه لتنذر به الناس فلم يؤمنوا به ، بل عجبوا ، أو فلم يقبلوا بل عجبوا ، أوفشكوا بل عجبوا ، لم يكتفوا بالشك بل جزموا بالتكذيب ، وجعلوه من الأمور التى يتعجب منها ، وقيل : الاضراب متعلق بقوله : " المجيد " أى بل عجبوا لجهلهم بمجد القرآن ، لا لانتهاء المجد عنه ، فانه مجيد ، والتعجب من الشىء يقتضى الجهل بسببه ، وهو تكلف لا يتبادر . ومعنى المجيد الشريف ، ومجده حسنة لفظا ومعنى ، فلا حاجة لوصفه للنسب أى ذى الشرف ، على أن المشهور فى النسب فاعل ، كتامر ولابن ، لا فعيل كقريب وعجيب ، ولو صح عن العرب ، ولا يخفى أن شرفه على سائر كتب الله ، لأنه أحسن لفظا ومعنى ، وأنه معجز وناسخ غير منسوخ ، ولأنه مشتمل على أسرار لم ينزلها الله تعالى فى غيره وغفلوا عن كون حسنه يوجب له اسم مجيد ، فأولوه بالنسب ليكون المعنى انه صاحب المجد المنسوب لله تعالى ، وأولوه بأنه من المجد الذى هو السعة فى الكرم فقالوا : معناه أنه مشتمل على ذكر مكارم كثيرة ، دنيوية ودينية وأخروية ، وأولوه بأنه وصف بصفة جاعله كما فى القرآن الحكيم بالاسناد المجازى العقلى ، أو تقدير مضاف أى المجيد منزله أو جاعله أو خالقه والقرآن مخلوق ، أو المجيد متبعه بالعمل به ، وأولوه بأنه فعيل من الثلاثى بمعنى اسم مفعول من أمجده بالهمزة ، أو مجده بالشد ، أى صيره مجيدا . قلت : لم يتخلص قائله من الاشكال مع ان استعمال الثلاثى بمعنى الأفعال أو التفعيل لا نسلم حسنه ولا جوازه ، وان قلنا به فى موضع فعلى طريق الحكاية ، وان جاءهم على تقدير اللام أو الباء ، أى لمجىء منذر منهم ، او بمجىء منذر منهم ، أى من جنس قريش ، أو من جنس العرب ، أو جنس البشر ، والأول أشد عيبا عليهم ، ويليه الثانى ، إذ لم يقبلوا ما هو شرف لهم ، والثالث أنسب بقولهم : كيف يكون النبى بشرا ، وكذا واو عجبوا لقريش أو العرب أو للناس . { فقال الكافرون هذا شيءٌ عجيبٌ } تفسير وتفصيل لعجبهم ، والفاء لذلك ، أو عطف لتعجبهم من البعث على تعجبهم من ارساله صلى الله عليه وسلم ، والاشارة لى كونه منذرا ، أو الى البعث المدلول عليه بقوله تعالى : { أئذا مِتْنا وكنَّا تراباً } مقررا للتعجب ، ومؤكذا للانكار ، ومبينا لموقع تعجبهم ، وهو بعثهم بعد أن كانوا ترابا ، والفاء لكون تعجبه بالبعث بعد تعجبهم بالارسال اذا جعلنا الاشارة للبعث ، ومعلوم أن البعث يذكر بعد الرسالة ، وانكار أحدهما انكار للآخر ، ومقتضى الظاهر فقالوا وأظهر ليصفهم بما فيهم من قبل من الكفر ، فذلك كالعهد الذكرى ، وليحل على أن تعجبهم من البعث أقبح من تعجبهم من ارسال البشر لتضمن انكار البعث نسبة الله تعالى إلى العجز عنه ، مع معاينتهم ما يدل له ، وما هو أقوى منه ، واذا متعلق بمحذوف يقدر قبله على خروجها عن الصدر ، أى الحى إذا كنا تراباً ، أو إذا كنا تراباً نحيا كما يقول محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك كما يدل له قوله تعالى : { ذلكَ } الاحياء ، أو ذلك البعث ، أو ذلك الرجع { رجْعٌ } رد من موت الى حياة مصدر رجع المتعدى ، والهمزة للانكار { بَعيدٌ } من الأوهام والعادة والامكان ، وذلك من كلامهم . ويجوز على ضعف أن يكون الرجع بمعنى رد المشركين لمخبرهم بالبعث ، فتكون الاشارة الى انكارهم البعث فى قولهم : " أئذا متنا " الخ أو الى قولهم هذا أو الى جوابهم النبى صلى الله عليه وسلم بالانكار ، فيكون قوله تعالى : " رجع بعيد " من كلام الله تعالى ، أى بيعد عن الحق ، أجابوا به منذرهم صلى الله عليه وسلم ، ولا يلزم فى هذا الوجه أن يكون رجع بمَعنى مرجوع كما قيل ، أى جواب مرجوع ، ووجه انكارهم البعث تفتت الجسم وفناؤه ، فرد الله تعالى عليهم بأنه عالم بما تفتت وما فنى منهم فى الأرض فقال : { قَد علمنَا ما تنقص الأرضُ } وغيرها اقتصر عليها لأنها أكثر فى ذلك ومعناه تفنى وتأكل ، وهو أولى من تفسره بتغييب الميت فيها ، فينقص من عدد الأحياء { مِنْهم } من شعورهم وجلودهم ولحومهم وعظامهم وأظفارهم { وعِنْدنا } وحدنا { كتابٌ حَفيظٌ } زيادة تعميم فى عمله بكل شىء ، وانتفاء عجزه ، وذلك كناية عن الضبط والاحاطة بكل شىء علما بأعمالهم ، واجزاء الموتى ، وان قلنا اللوح المحفوظ فذلك بيان لما ذكر ، وتقدير له ، ولا ينسى شيئاً ولا يحتاج الى اللوح المحفوظ ، ولا يخفى أن القادر على خلق شىء من غير شىء ، قادر على اعادة ما فنى ولم يبق منه بعض ولا أثر ، نقول : هذا تقليدا لكمال قدرته ، والا فالمعدوم كيف يرجع بنفسه ، فأنه اذا تصورت وجوده فامَّا أن الموجود شىء آخر مثله كما قال به بعض ، وهو مخالف للصواب ، لأن الله عز وجل يقول : أبعثكم ولم يقل أبعث أمثالكم ، اما أن يكون هو الأول فأين كان حتى رجع والغرض أنه عدم ، وأما صفته أشكاله فلا اشكال كما يبقى عندك وصف الشىء وشكله ، ووصف الفعل بعد العدم . وانما قلت ذلك خلاف الصواب ، لأن فيه نسبة العجز الى الله ، وتعريض أجسام لم تعص على صورة العذاب ، الخصم يقول : لا بأس فى ذلك ، وله أن يفعل ما يشاء ، مع أن العذاب مطلقا ليس للجسم ، وانما هو للروح ، والروح باق ، وقد أذعنت قلوبنا الى أنه قادر على ايجاد ما فنى ، كما قدر على خلق شىء من غير شىء ، بل نقول : ولا بأس تغنى الأرواح التى فى صور اسرافيل ، ويخلقها الله ، أو تبقى وهى كالجماد ولا بأس ، ويحيى الله تعالى بها الموتى ، وان قلنا : هى احياء فى الصور فلا بد من موتها ، ثم احيائها ، قال أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم : " ليس من الإنسان شىء لا يبلى إلاَّ عظم واحد وهو عجب الذنب ، منه يركب الخلق يوم القيامة " رواه البخارى وغيره ، ولا بأس فان المعنى أن حكمة الله ابقاءه لا أن الله يعجز عن البعث بدونه وهو أول ما يخلق ، وآخر ما يخلق ، فالله سبحانه وتعالى يحيى من الميت ما بقى ، ويرد ما فنى ويحيه .