Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 56-56)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كيف يكفر قومك بى ، وما خلقتهم والجن وسائر الناس الا للعبادة ، واستدل بعض بالآية على أن الاشتغال بالعبادة والتفرغ اليها أفضل من الكسب للمال ولو على وجه الانتفاع للآخرة ، وكذا قال صلى الله عليه وسلم : " ما أوحى الله تعالى إليَّ بأن أجمع المال ، أو أكون من التاجرين ، ولكنه أوحى إليَّ أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين ، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " ولا شك أن قدر الكفاية يجب والزائد مباح ، وقيل ترك الكسب هو الأولى ، فيشتغل بالعبادة حتى اذا احتاج كسب وما تقدم أولى . قال صلى الله عليه وسلم : " تبايعوا بالبزِّ إنَّ أباكم إبراهيم كان بزازاً " قال الله عز وجل : { فإذا قضيت الصلاة } [ الجمعة : 10 ] الخ ، ويقال : لا ذو الفقر إذا خالطه الكسل ، ولا للمرض إذا خالطه الهرم ، ولا للعداوة إذا خالطها الحسد ، ومن أفضل العبادة الصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم اذا سمع ذكره فى قراءة الجماعة للقرآن ، يصلى عليه كل واحد ، لأنه سمعه من أصحابه ومن نفسه اذا قرأه وأهل نفوسة وجربة إذا قرءوه صلوا عليه وسلموا ، ومسحوا وجوههم وقالوا : هذا قديم عندنا ، وقد يكون من زمان الشيخ عامر أو قبله أو بعده ، وسواء ذلك كله لأنه حق يقبل متى قيل به ، ومن أى قائل ، وكتابتها فى أول لوح القرآن أو غيره جائزة ، وقد اعتيدت بعد كتابة البسملة ليفصل بين البسلمة وما يكتب فيه من القرآن ، وفى شرح دلائل الخيرات الاجماع على كتابة الصلاة والسلام والبسملة أول الكتاب . وقدم الجن لتقدمهم خلقه على الانس ، وللمبالغة فى ايجاب العبادة بالتأكيد والتعميم أمرت الجن بالعبادة فكيف أنتم وأنتم أنسب وأقوى لها ، ولم يأمر الملائكة لأن المشركين سلموا أن الملائكة تعبد الله سبحانه وتعالى ، ولأنهم لا يصدر منهم العصيان ، والكلام مع أهل التكذيب ، وفى شأن من يصدر منه الذنب ، ولأنهم مستغنون عن التذكير والوعظ إذ طبعوا على أن لا يعصوا ، لكن يعبدون الله عز وجل اختيارا ، وأما ما قيل لأنه صلى الله عليه وسلم لم يبعث اليهم ، فلا نص لأنه مبعوث اليهم والى كل أحد ، بل قيل الى كل ذى روح ، قيل والى الجمادات ، نعم بعث اليهم بمعنى ايجاب الايمان به صلى الله عليه وسلم عليهم ، وقد آمنوا به ، ومضوا فى سبيلهم ، ولم يبعث اليهم من يأمرهم وينهاهم ، ولا يعارض بما وقع من هذا شاذا فصح أن يقال بهذا الاعتبار ، أنهم لم يذكروا ، لأنه لم يبعث اليهم ، وقيل دخلوا فى لفظ الجن ، لأن مادة الجن للاستتار ، وهم كالجن مستترون ، وهو غير متبادر ، وأل فى الجن والانس للجنس ، فلا يشكل بمن لم يكلف كالأطفال ، ومن لم يميز ، وكالمجنون ومن لا عقل له ، وشهر أنها للاستغراق ، وعليه فالمراد بالانس والجن والمكلفون ، لأن المقام لمن عذر له . وقيل أل للعهد ، والمراد المؤمنون ، ويدل له : { فإن الذكرى تنفع المؤمنين } [ الذاريات : 55 ] وما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قرأ : وما خلفت الجن والانس من المؤمنين إلا ليعبدون ، وهو قراءة لابن عباس مروية عنه ، والمشهور أن أفعال الله لا تعلل بالأغراض ، والحق جواز تعللها بالأغراض ، مع بقاء الغنى الذاتى وعلى المنع ، فمعنى التعليل باللام أنه خلقهم على وجه يتوصل به من كلف منهم الىعبادته ، وتكون غاية لذلك الوجه ، وليس المراد أنه أراد منهم كلهم العبادة ، أعنى المكلفين لأن لو أرادها لم تتخلف ، وعبدوه كلهم ، والموجود غير ذلك { ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس } [ الأعراف : 179 ] وانما الذى يمكن تخلفه أمره ونهيه ، بمعنى أنه أمرهم فلم يأتمروا كلهم ، ونهاهم ولم ينتهوا كلهم ، بل بعضهم ، لمجاورة تعليل أفعاله بالأغراض قيل : اللام للعاقبة تقول : خلق البقر للحرث وليست كلها تحرث ، وزعم بعض العبادة ، التذلل أى ليذلوا لى ، فكل ما سوى الله قد عبده بمعنى خضع له ، أى لم نتعاص عنه ، أو العبادة الدلالة عليه تعالى : @ وفى كل معبود سواك دلائل من الصنع تنبى أنه لك عابد وهل فى التى طاعوا لها وتعبدوا لأمرك عاص أو لحقك جاحد @@ وقد قيل : العبادة التوحيد ، عن ابن عباس : كل عبادة فى القرآن توحيد ، وكلهم وحدوا إلا أن المؤمن يوحد فى الرخاء والشدة والمشرك فى الشدة اذا ركبوا السفينة قالوا : أخلصوا ، يوم القيامة يقولون : { والله ربنا ما كنا مشركين } [ الأنعام : 23 ] وتفسير الآية بذلك خلاف الظاهر ، وعن على وابن عباس : المراد ما خلقهم الا لأمرهم بالعبادة ، فعبر عن المسبب أو اللازم وهو العبادة عن السبب ، أو الملزوم ، وهو المعرفة ، وروى أنه تعالى قال : " كنت كنزاً فخلقت الخلق لأعرف وقد عرفوه يوم الست " وكل مولود يولد عن الفطرة ولا يعرف قوله : " كنت كنزا " إلخ حديثا .