Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 31-38)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ } يصب لهم من محله إِذا شاءوا ويصلهم فى مقدار لمحة ، فلهم ماء جار وماء غير جار ، وذلك تلذيذ لهم ، وقيل مصبوب فى الأَرض ، يدخلها ويخرج حيث شاءوا ولا يتغير بالأَرض ، لأَنها مسك وذهب ونحوهما ، وكان كثير من المسلمين ولا سيما أهل البدو يتعجبون من مياه وج وسدره وثماره ويتمنونها فنزل : وأصحاب اليمين الخ ، فيكون أثبت للسابقين أقصى ما يكون لأَهل المدن ، وهو كونهم على سرر ، تطوف عليهم الخدم بما يشتهون وأثبت لمن دونهم وهم أصحاب اليمين أقصى ما يرغب فيه البداة وهو الخصب والشجر وكثرة المياه فبين السابقين ما بين القروى والبدوى ، أو الآية لاستغراق الأَشجار بذكر أطرافها كرقة أوراق السدر وعظم أوراق الطلح على أنه الموز ، فإِنه أكبر الشجر ورقاً ، كذكرك الصبح والعشية تريد النهار كله والغرب والشرق تريد الدنيا كلها . { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ } كثر نوعها وأجناسها وأفرادها ومنها بطاطه وطماطم وما يحتاج إِلى الطبخ يخلق مطبوخاً ، وليس هذا استعمالا للكلمة فى معانيها لأَن المعنى مطلق الكثرة . هكذا الصادقة بذلك . { لاَ مَقْطُوعَةٍ } بأَن يكون لها وقت مخصوص كفاكهة الدنيا بعضها فى الصيف وبعضها فى الشتاء مثلا ، وبأَن تفقد بالجدب أو بما يصيبها من الآفات . { وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } بجبار أو سارق أو غلاء أو قلة . { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } فى موضع عال تتضع لولى الله إِلى الأَرض فيكون فيها فترتفع به ، وإِذا أراد النزول منها أو معها انخفضت حتى إِذا أراد ارتفعت به أو رفعها تركيب فراش على فراش ، وهى فى ذلك كله على السرر ، وروى أبو سعيد مرفوعاً أن ارتفاعها خمسمائة عام ، أى وتنخفض أو ترفع فى قدر لحظة . وعن الحسن ثمانين سنة ، وقيل المراد مرفوعة القدر وقيل الفرش كناية عن النساء كما يكنى عنهن باللباس ، ورفعهن على الأَسرة أو رفع قدر ويدل لإِرادة النساء قوله تعالى : { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً } إلخ ، برد الهاء إِليهن ، ولا بد إِذ لا مرجع ظاهر سوى فرش كنى به عنهن ، وهذا أولى من رد الضمير إِلى الفرش التى يُتكأ عليها على طريق الاستخدام بأَن يراد به النساء مع عوده لما يُتكأ عليه لأَن هذا الاستخدام بعيد ، وإِذا فسرنا الفرش بما يُتكأ عليه ولم نجعل ذلك من باب الاستخدام ، فإِنما صح عوده لهن لظهور المعنى بقوله أبكاراً ولو لم يجر لهن ذكر وكيف وقد جرى ذكر ما يدل عليهن وهو ما يفرش ، وقدر بعض وفرش مرفوعة ونساء أو حور عين إِنا أنشأَناهن أو وفرش مرفوعة لنسائهم إِنا أنشأَناهن ، ومعنى إِنشائهن خلقهن بمرة لا أطواراً كنساء الدنيا علقة ومضغة إِلخ . وعنه - صلى الله عليه وسلم - هن نساء الدنيا العجائز ، الرمص العمش ردهن الله على صفات الحور . رواه أنس عن الطبرى والترمذى ، وقيل المراد ثياب الدنيا وأبكارها . قالت عجوز : يا رسول الله ، ادع لى الله أن يدخلنى الجنة . فقال يا أم فلان ، العجوز لا تدخل الجنة . فولت تبكى . فقال : أخبروها أنها لا تدخلها وهى عجوز . إِن الله تعالى يقول : إِنا أنشأناهن إِنشاء فجعلناهن … الخ . فنساء الدنيا يجعلهن الله أبكارا عرباً قبل دخول الجنة . { فَجَعَلْنَاهُنَّ أبْكَارًا } جعلناهن أبكاراً من أول الأَمر لا بعد أن كن غير أبكار ، كقولك وسع البيت بمعنى ابنه واسعاً من أول لا بعد أن كان ضيقاً ، وهذا فى الحور العين ظاهر ولا يتم فى نساء الدنيا ، لأَن منهن أبكاراً فى الدنيا ، فالمراد تعميم أنهن أبكار هكذا نساء الدنيا والحور ، أو المعنى كما روى أبو سعيد أبكاراً كلما جامعوهن ولا ألم لهن فى ذلك . { عُرُبًا } جمع عروب بفتح العين بمعنى متحببات إِلى أزواجهن ، وقيل غنجات والغنج من أسباب الحب ، وعن زيد ابن أسلم : حسان الكلام ، وعن الحسن : عواشق . وهو مروى عن ابن عباس ومجاهد ولا دليل فى قول لبيد كما زعم بعض : @ وفى الخدور عروب غير فاحشة ريا الروادف يغشى دونها البصر @@ وعن مجاهد اللاتى يرغبن فى وطء أزواجهن ويشرن إليه ويدل له قوله - صلى الله عليه وسلم - : " خير نسائكم العفيفة الغلمة " رواه أنس وفى السند إِليه ضعف . والجمهور على الأَول من أنها المتحببة ، ويرجع إِليه القول الذى قبل هذا ، قول بعض أنها المشيرة إِلى زوجها بالوطء الممتنعة عن غيره { أَتْرَابًا } على صورة من استوى سنها وسن زوجها ، وزاد الحديث أنهما كأَبناء ثلاثين سنة أو ثلاث وثلاثين ، كما روى معاذ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً مكحلين أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين " وذلك وقت قوة الشباب الكاملة ، والترائب مأْخوذ من الترائب وهى ضلوع الصدر ، كأَنهن استوين معهم كضلوع الصدر . كذا قيل وفيه أن عظام الصدر غير مستوية أو مأخوذ من التراب كأَنهن وقعن فى التراب معهم فى وقت واحد . { لأَصْحَابِ الْيَمِينِ } متعلق بأَنشأنا أو بجعلنا ، وقيل اللام للتقوية متعلقة بأَترابا لتضمنه معنى مساويات ، ورد بأَنه ليس كبير فائدة . قلت : بل فيه وهى اللياقة بمساواة السن وما يلحق فى الدنيا على ذلك من إِذلال بعض على بعض ، لذلك لا يوجد فى الآخرة وقيل نعت لأَبكاراً وفيه أنه إِذا صير إِلى النعت فجعله نعتاً لأَتراباً بدون تأويل أتراب بمساويات أولى ، ولعله اختار ذلك لقرب أتراباً للتأْويل بالوصف ، قربا ليس فى أبكاراً ونعت الوصف لا يحسن بل ينعت موصوفه المحذوف إِن حذف ، أو المذكور وعلى كل حال وضع أصحاب اليمين موضع الضمير لبعد ذكره قبله وللتأْكيد .