Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 146-146)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَعَلى الَّذِينَ هَادُوا } لا على غيرهم ممن قبلهم ومن بعدهم ، فهذا رد عليهم إِذ قالوا : أَلسنا بأَول من حرمت عليهم وأَنها كانت محرمة على نوح وإِبراهيم وما بينهما ومن بعد إِبراهيم حتى وصل الأَمر إِلينا ، وقدم على قوله { حَرَّمْنَا } لحصر أَى ما رحمنا إِلا عليهم { كُلَّ ذِى ظُفُرٍ } ما له أَصبع ، فحل لهم ذوات الأَظلاف وهى البقر والغنم والظباء ، لأَنه لا أصبع لها ، وحرم عليهم ما له أصبع منفرجة كأَنواع السباع والكلاب والسنانير ، أَو غير منفرجة كالإِبل والنعام والأَوز والبط . وعن عبد الله بن مسلم : ذو الظفر كل ذى مخلب من الطير وكل ذى حافر من الدواب ، وتسمية الحافر ظفرا استعارة ، ولا يخفى أَنه لا يحسن حمل الظفر على الحافر ، والحافر لا يكاد يسمى ظفرا فالظفر المخلب ولا يخفى أَنه ليس معنى الآية : حرم الله عليهم كل حيوان له حافر . فالآية تدل أَن البقر والغنم يحلان لهم ، وأَغرب منه قال : المراد تحريم الإِبل ، وعبارة بعض : ذو الظفر ما لم يكن مشقوق الأَصابع من البهائم والسطير كالإِبل والنعام والوز والبط ، وكان بعض ذوات الظفر حلالا لهم فلما ظلموا حرم عليهم ، وبحث فى ذلك بأَن الأَصل الحقيقة والحافر لا يسمى ظفراً إِلا مجازاً ، أَو بأَنه لو كان الأَمر كذلك لوجب أَنه تعالى حرم عليهم كل ذى حافر وليس كذلك ، فإِن الآية تدل على إِباحة البقر والغنم مع أَن لها حافراً فالأُولى حمل الظفر على مخالب الطير وبراثن السباع { وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ } متعلق بقوله تعالى { حَرَّمْنَا } على أَن من للابتداء ، أَو حال من قوله { عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا } واجبة التقديم ، ولو أخرت لعاد الضمير إِلى متأخر لفظاً ورتبة { إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَو الْحَوَايَا } جمع حوية بكسر الواو وشد الياء كوصية ووصايا على القياس ، وقيل أَو جمع حاوياءَ كقاصعاءَ أَو حاوية كزاوية وزوايا ، وعلى الأَول أَصله حوائيى بوزن فعائل فتحت الهمزة تخفيفاً وقلبت الياء بعدها أَلفاً ، وعلى الثانى وزنه فواعل حذفت أَلف التأْنيث وهمزته اللتان فى المفرد ، وكذا الثالث قلب الواو الذى هو عين الكلمة همزة والهمزة ياء وفتحت ، والباء الأَخيرة أَلفاً أَى ما حملت الحوايا من الشحم وهى الأَمعاء ، وهى المصارين والمباعر ، والعطف على ظهور ، أَو يقدر مضاف فالعطف على ما ، أَى شحوم الحوايا ، قال بعض المتقدمين : العطف على شحوم فتكون الحوايا محرمة . روى عن ابن عباس أَن الحوايا غير شحم وأَنه المباعر . وقيل المرابض ، وهى بنات اللبن ، وقيل المصارين والأَمعاء ، أَو بمعنى الواو ، وكذا فى قوله { أَو مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } من الشحم ، وسائر الشحم حرام عليهم ، وهو شحم الفؤاد وشحم الكليتين والشحم الذى يغشى الكرش والأَمعاء ، وأَو بمعنى الواو ، ويجوز أَن تكون للتنويع ، وشحم الحوايا حلال وباقيها لحم حلال ، وقيل عطف الحوايا على ما ، وليس كما قيل أَن الحوايا وما اختلط معطوفان على شحوم وأَنهما محرمان وهو خطأ { ذَلِكَ } التحريم مفعول ثان لقوله { جَزَيْنَاهُمْ } أَى جزيناهم ذلك التحريم لأَن جزى يتعدى لاثنين تارة وبالباء أخرى ، كما يجوز أَن يجعل مبتدأ أَو الرابط محذوف ، أَى ذلك التحريم جزيناهم به ، وهذه الباء للتعدية والتى فى قوله تعالى { بِبَغْيِهِمْ } للسببية ، أَى بسبب ظلمهم ، كما قال الله جل وعلا { فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله } [ النساء : 155 ] إِلى قوله { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات } [ النساء : 160 ] كلما عصوا معصية مما هو مخصوص إِلا أَنه إِنما يحث على عدم الحذف ما وجد وإِنما ذكر مثل هذا تبعا لهم وغفلة عوقبوا بتحريم بعض ما أَحل لهم ، وزعموا أَنه حرم قبلهم ويجوز أَن يكون ذلك مفعولا مطلقاً أَى جزيناهم ذلك الجزاء ببغيهم إِلا أَن الغالب فى مثل ذلك أَن يتبع المصدر نحو قمت ذلك القيام { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } فى إِخبارنا ووعدنا ووعيدنا ، وقولنا أَنها حرمت عليهم لبغيهم ، وذلك تعريض بكذبهم فى قولهم حرمت قلنا وفى قولهم حرمها إِسرائيل على نفسه ، وقيل بغيهم على فقرائهم . كان ملوكهم يمنعون فقراءَهم من أَكل لحوم الطير والشحوم فعوقبوا بالتحريم .