Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 152-152)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلاَ تَقْرَبُوا } أَيها الأَوصياءُ والأَولياء وغيرهم { مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } إِلا بالفعلة أَو القربة أَو الخصلة التى هى أَحسن وأَفضل مما تفعلون بأَموالكم من الحفظ وتنميته بنحو التجر والسقى ، ولا تكتفوا بالحسن . كما يجوز فى أَموالكم الاكتفاء بالحسن عن الأَحسن ثم إِنه لا يخفى أَن لا تقربوا أَوكد من لا تباشروا على حد ما مر فى لا تقربوا الفواحش ، وخص ذكر اليتيم مع أَن مال ذى الأَب والبالغ كذلك ، لحق الإِسلام والقرابة لأَن الطمع فى مال اليتيم أَكثر لضعفه ولأَن إِثمه أَعظم { حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } فهو الذى يقرب مال نفسه ويحوطه وليس المراد أَنه إِذا بلغ أَشده فاقربوه بما ليس أَحسن ، فقد قال { فإِن ءَانستم منهم رشدا فادفعوا إِليهم أَموالهم } [ النساء : 6 ] فالأَشد : القوة ببلوغ الحلم وإِيناس الرشد وهو مفرد كآنك بهمزة وأَلف فنون مضمومة أَو اسم جمع بمعنى القوات أَو جمع شدة بكسر عند سيبويه كنعمة وأَنعم ، وقيل أَنعم جمع نعمة بضم النون أَو جمع شد بالفتح ككلب وأَكلب أَو جمع شد بالكسر كذئب وأَذؤب ، أَو جمع شد بضمها كضر وأَضر وأَصله أَشدد باسكان الشين وضم الدال الأُولى ، نقلت الضمة إِلى الشين وأدغمت الدال ، ولما كان زيادة الأَشد ينتهى إِلى ثلاث وثلاثين ولا يزيد بعد ، جاز إِطلاق الأَشد عليها تسمية بآخرها { وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ } مصدر كالميعاد بمعنى الوعد فوافق الكيل فى المصدرية ، فهما مصدران بمعنى مفعول أَى المكيل والموزون ، أَو باقيان على المعنى المصدرى والمعنى صحيح ، أَو الميزان اسم آلة فتجعل للكيل بمعنى الآلة بمعنى المكيال أَو بقدر مضاف ، أَى مكيل الكيل وموزون الميزان { بِالقِسْطِ } بالعدل حال من وأَوفوا ولا يتكرر مع الإِبقاء لأَن الإِيفاء ترك النقص فى حق من عليه الحق ، والقسط ترك الزيادة فى حق من له الحق ، إِلا أَنه خوطب بهما معا من عليه الحق أَى عليكم أَن لا تنقصوا ولكم أَن لا تزيدوا وعبارة بعض أَمر الله تعالى المعطى بايفاءِ ذى الحق حقه من غير نقصان ، وأَمر صاحب الحق بأَخذ حقه من غير طلب الزيادة { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } أَى لا نكلفها بأَقل من وسعها فى أداءِ حق الخلق ، وكذا فى أَداءِ حق الخالق بلا مشقة عظيمة وعسر شديد ، ولا عقاب عليكم فيما أَخطأَتم فيه بعد استعمال قواكم ، ولكن إِذا علمتم فعليكم التخلص وإِلا تتخلصوا عوقبتم ، وإِن لم تعلموا حتى متم نقص من حسناتكم ، وذكر تكليف النفس بوسعها بعد الكيل والميزان لشدة الوقوف على استيفائهما فعليكم وسعكم ووراءَه العفو ، وقد قيل لا يوصل إِلى حقيقة الكيل والميزان ، وأَول وقت الصلاة والخوف والرجاء وأَول البلوغ . أَو ذلك امتنان بأَنى كلفتكم ما تطيقونه بلا مشقة ومن زاد فى الكيل والوزن فقد وفى بالحق وله ثواب الزيادة { وإِذا قُلْتُمْ } تكلمتم فى قضاء أَو إِفتاء أَو وعظ أَو أَمر أَو نهى أَو حكاية أَو أَداء شهادة وتأدية أَحكام الشرع ، ولتضمن القول هنا معنى التكلم لم يكن له مفعول به ، أَو لم يذكر لعدم تعلق المقام به فصار كاللازم ، والفعل كالقول هكذا أَو إِذا قلتم أَو فعلتم ، أَو يراد بالقول ما يشمل الفعل مجازا { فَاعْدِلُوا } فى ذلك القول أَو لفعل ، لا تجوروا فى القضاء ولا تزيغوا فى الإِفتاء أَو الوعظ ، ولا تزيدوا أَو تخلطوا فى حكاية قصة ولا تأمروا بمنكر أَو تنهوا عن المعروف ، ولا تنقصوا أَو تزيدوا فى الشهادة فإِن ذلك كله غير عدل { وَلَوْ كَانَ } أَى المقول له أَو عليه أَو المفعول له أَو عليه { ذَا قُرْبَى } فتدعوكم أَنفسكم إِلى فعل أَو قول له ، أَو إِزاحة ضر لازم له أَو فعل كذلك مع أَنه ليس ذلك حقا له ، لا تتركوا حقا ضاراً له أَو بعضه ولا فعلا ضارا له أَو بعضه وهو حق عليه . ولم يذكر الفعل لأَنه يفهم بالأُولى لأَنه أَقوى من حيث الإِنجاز ولو كان دون القول من حيث إِثبات الأَحكام الشرعية { وَبِعَهْدِ اللهِ } قدم على متعلقة وهو قوله { أَوْفُوا } على طريق الاهتمام ، وإِضافة عهد إِلى الله إِضافة مصدر للفاعل أَى أَوفوا بمقتضى عهده إِليكم بتقدير مضاف كما رأَيت ، أَو بمعنى مفعول أَى بمعهود الله أَى الذى عهده الله إِليكم ، أَو إِضافة مصدر لمنصوب على العظمة ، أَى بمقتضى عهدكم الله أَو بمعهودكم الله . وعهد الله إِليهم فعل ما أَلزمه إِياهم وما استحبه وترك ما حرمه أَو كرهه ، وعهدهم إِلى الله ما وعدوا الله من نذر ويمين وطاعة ، وما من شأنه أَن يفعل الله أَو يترك فإِن ذلك قامت به الحجة ولو كفروا ، أَو كأَنهم آمنوا أَو أَلزموه أَنفسهم أَو المراد العهد يوم أَلست بربكم { ذَلِكُمْ } أَى العهد المذكور أَو الإِيفاء به { وَصَّاكُمْ بِهِ } تأَكيداً فإِن الإِيصاءَ بالشئ أَوثق من الأَمر به لأَنه أضمر وطلب محافظة ، ومعنى الإِيصاء بالنهى أَو المنهى عنه الإِيصاء بمراعاته للاجتناب { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } تتعظون وتعملون بمقتضاه ، فتمت الآية بتعقلون لأَنهم استمروا على ما فيها من الإِشراك وما بعده ولم يعقلوا قبح ذلك ، وذكر فيها حق الوالدين لأَنه أَعظم الحقوق بعد التوحيد ، فكفرانه يلى كفر الشرك ، خلقه الله وقاما به حين كان لا يقدر على شئ . وأَما ما فى الثانية من حفظ مال اليتيم وما بعده فقد يقومون ويفتخرون به فأَمرهم بتذكره لئلا ينسوه ، أَو ما فى الأُولى ظاهر فأَمرهم بتعقله ، وما فى الثانية خفى فأَمرهم بالتفكر فيه . أَو ما فى الأُولى بالمنع والنهى ، وأَحب شئ إِلى الإِنسان ما منع ، فكانت بالعقل الذى فيه معنى الحبس وما فى الثانية بالأَمر فكانت بما يدل على التفكر فلا ينسى .