Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 68-69)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِى آياتِنَا } يتكلمون فيها بسوء كتكذيب بها واستهزاء وطعن ، كقولهم أَساطير الأَولين وسحر وتعليم بشر ، وقيل : المراد أَهل الكتاب ، ولا بأْس بالتفسير بكل ذلك ، وأَصل الخوض فى الشىء مطلق الشروع خيراً أَو شراً ، وقيل : أَصله فى الماء ، وقيل أَصله أَن يكون على وجه العبث واللعب { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } بالقيام عنهم حتى لا تسمعهم ، أَو بالذهاب عنهم إِن لم تقعد بدليل فلا تقعد بعد الذكرى { حَتَّى يَخُوضُوا } حتى يشرعوا { فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ } ما فيه لعب ولهو ولا سوء بدليل أَن الإِعراض عنهم لأَجل السوء ونحوه ، فهذا الخوض الأَخير جىءَ به على أَصل اللغة ، والأَول على مستعمل الشرع فى الخوض ، أَو عبر به للمشاكلة ، والهاء فى غيره للآيات لأَنها بمعنى القرآن أَو الوحى أَو الحديث ، والقرآن يطلق على البعض كما يطلق على الكل ، والآية تعم أَن القعود مع أَهل السوء فى حال عمل السوء لا يجوز ولو مع نهيهم ، وإِذا خرجوا عن السوء إِلى شىء غير سوء جاز القعود معهم ، ولو لم يتوبوا إِلا إِن كان القعود لضرورة لا بد منها فيجوز القعود حال السوء حتى يقضى حاجته ، فيقوم وينهى عن ذلك ، إِن قدر ولا دليل للحشوية فى الآية على منع الاستدلال فى ذات الله وصفاته ، ولا لمن منع القياس لأنها فى منع الخوض بالسوء ، بل هى دليل على الجواز لقوله { حتى يخوضوا فى حديث غيره } فلو خاضوا بغير سوء لجاز السماع إِليهم ، وأَيضاً قعد صلى الله عليه وسلم إِلى قوم يتذاكرون فى التوحيد ، وقال : بهذا أَمرنى ربى ، وتذاكرهم لا يخلو عن استدلال ومناظرة { وَإِمَّا } إِن الشرطية وما التأكيدية { يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ } يشعلك بوسوسته حتى تنسى أَنك مأْمور بالإِعراض ويضيق صدرك ، أَو قعدت معهم ، فالإِنساء عبارة عن ملزومه أَو سببه ، وهذا كقوله : { وما أَنسانيه إِلا الشيطان } [ الكهف : 63 ] . وقوله : { فأَنساه الشيطان } [ يوسف : 42 ] ، وفى الكلام حذف ، أَى وإِما ينسينك الشيطان فى حال القعود معهم ابتداء أَو بقاء حال الخوض بالسوء إِنك مأْمور بالقيام عنهم { فَلاَ تَقْعُدْ } معهم أَى لا تلبث معهم قائماً ولا قاعداً ولا مضطجعاً ، فالقعود مقيد استعمل فى المطلق { بَعْدَ الذِّكْرَى } أَى التذكر للأمر بالإِعراض { مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمينَ } مقتضى الظاهر معهم لكن ذكرهم بخصوص أَنهم فريق ظالمون تشنيعاً عليهم بوضع التكذيب فى موضع التصديق والاستهزاء فى موضع الاستعظام ، عبر أَولا بإِذا لأَنه صلى الله عليه وسلم معترف بأَنه يراهم يخوضون وثانياً بأَن لأَنه يشك أَن ينسى ، والخطاب فى رأَيت وينسينك ، وأَعرض ، وتقعد ، له صلى الله عليه وسلم لصحة تلك الرؤية منه ، وإِمكان الإِنساء وقيل له والمراد غيره ، وقيل لمن يصلح لذلك ، والرؤية بصرية والحال محذوف ، أَى إِذا رأَيت الذين يخوضون خائضين ولا يغنى عنها ذكر الذين يخوضون لأَنك قد ترى ذات الخائض ولا تدرى أَنه يخوض لبعدك أَو غفلتك ، والمراد تراه بعنوان أَنه يخوض ، ويضعف أَن تكون علمية حذف ثانيها للعلم ، أَى : وإِذا علمتهم خائضين فى وقت حضرته معهم فأَعرض عنهم فيه ، ويضعف أَن يكون المعنى إِن أَنساك الشيطان قبح مجالستهم حال الخوض لأَنه مما يعلم بالعقل قبل نزول تحريمها ، فلا تقعد معهم حال الخوض بعد التذكير منا بالتحريم ، فهو تأْكيد لما قبله من قوله : وإِذا رأَيت ، ونحن لا نقول بالحسن والقبح العقليين بل المعتزلة ، ولكن يعلمه من سائر الآيات فى مجانبة كفر الكافرين بواسطة العقل ، ويجوز الجلوس معهم حال الخوض للتعليم والنهى ، والنبى صلى الله عليه وسلم ينسى فى أَمر الدنيا ولا ينسى أَمر الدين قبل تبليغه إِجماعاً ، فيما قيل . وقيل : لا إِجماع . وقيل : الكلام فى الجواز ، ولم يقع ، ولعل هذا مراد الإِجماع ، وينسى بعده نسياناً لا يستمر ، كما سلم من ركعتين ، والممنوع منه أَن ينسى ما أُوحى اشتغالا بغيره ، وأَما بدون ذلك فأَجازه بعض ، وشرط التنبيه قبل الفوت ، وأَجازه إِمام الحرمين مدة حياته ، ومنعه بعض مطلقاً ، وادعى بعض الإِجماع على منعه فيما هو قول ، وأَما فى أَمر الدنيا فلا يلزم أَن يصيب فى كلامه ، كما أَمرهم بترك تأبير النخل فلم تصلح ثماره ، ثم قال : " أَنتم أَعلم بأَحوال دنياكم ، فأَبروها " ، والصواب عدم تكليف الناسى والساهى والنائم والسكران بلا حرام ، وأَما بحرام كخمر وجوزه فمكلف بكل ما فعل فى سكره مما يوجب طلاقاً أَو حدا أَو نحوها ، وقيل فى نحو الساهى والناسى : مكلف بمعنى ثبوت الفعل بذمته ، ولا يتم ذلك لأَنه لا يعاقب ، فإِن كان حق مخلوق خرج من حسناته . ولما نزلت الآية قال المسلمون : قد تضطرنا حاجة إِلى الكون معهم حال الخوض كالطواف والجلوس فى المسجد أَو مبايعة فى سوق أَو غيره ، فنزلت . { وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ } الله أَن يشركوا به أَو يعصوه ، ومن ذلك تركهم الخوض { مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَىءٍ } مثل ما مر ، والهاء للخائفين ، أَى لا إِثم عليهم فى ذلك للضرورة ، أَو جالسوهم للنهى فإِذا لم ينتهوا قاموا ، وذكر المجالسة فى قوله { وَلَكِنْ ذِكْرَى } أَى عليهم ذكرى ، أَى على الذين يتقون تذكيرهم بالوعظ ، أَو ليذكروهم ذكرى بلام الأَمر ، أَو ذكروهم ذكرى بالخطاب على طريق الالتفات ، أَو عليكم ذكرى كذلك ، وقدر بعضهم نذكرهم ذكرى بالنون ، ويجوز عند بعض تقدير ولكن يذكرونهم ذكرى ، أَو تذكرونهم ذكرى ، أَو الذى يأمرونهم به ذكرى ، أَى ذكر لدين الله ، وعلى كل حال المراد إِظهار كراهة قبائحهم ، ولا يعطف ذكرى على حسابهم لأَن من حسابهم قيد فى شىء لأَنه حال منه ، وليس ذكرى قيداً فيه ، والعطف عليه يقتضى أَن يكون قيداً فيه ، فإِنك إن قلت أَكرم الله زيداً يوم الجمعة وعمراً فإِن يوم الجمعة قيد فى عمرو كما فى زيد ، ولا يعطف على شىء لأَنه مثبت بلكن فلا تدخل عليه من الزائدة ، فلا يعطف على ما هى فيه ، وقد نصوا على أَن القيود المعتبرة فى المعطوف عليه معتبرة فى المعطوف نحو : ما جاءَ يوم الجمعة ، أَو فى الدار أَو راكباً ، أَو من هؤلاء القوم رجل ولكن امرأَةـ ، فالمرأَة من القوم ، أَو جاءَت يوم الجمعة ، أَو جاءَت راكبة { لَعَلَّهُمْْ } أَى الخائفين { يَتَّقُونَ } للحياء ، أَو لكراهة مساءَتهم الخوض فى الفضول ، أَو لعل الذين يتقون المذكورين فى قوله " وما على الذين يتقون " إِلخ ، يتقون أَى يثبتون على التقوى ، أَو يزدادون منها بتذكيرهم الخائفين ، ولا تنثلم تقواهم بمجالسة الخائفين ، وعلى كل حال الآية رخصة للذين يتقون فى مجالستهم حال الخوض بشرط التذكير والنهى عن الخوض .