Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 6-6)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَلَمْ يَرَوْا } أَى أَهل مكة فى سفرهم إِلى اليمن شتاء ، وإِلى الشام صيفا ، وإِلى غيرها للتجارة أَو غيرهما { كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ } إِلخ ، فإِنه إِهلاك فى الدنيا ، إِلا أَنه متتبع بعذاب الآخرة ، وللانتقام لدين الله عز وجل ، وكم خبرية للتكثير مفعول لأَهلكنا ، والجملة مفعول للرؤية البصرية ، علقتها كم لأَن معنى التعليق التعميد عن نصب مفرد أَو مفردين ، أَو مفرد وجملة ، سواء دخل المعلق على جملة اسمية أَو فعلية ، والقرن أَهل عصر فيهم نبى أَو فائق فى العلم ، ولو قلت المدة كما قال الزجاج ، ويحتاج سموا لاقترانهم مدة من الزمان ، أَو المقدار الأَوسط من أَعمار كل أهل عصر ، أَو ثمانون سنة ، أَو سبعون سنة ، أَو ستون أَو أَربعون أَو ثلاثون ، أَو تسعون ، أَو عشرون ، أَو خمسون أَو عشرة ، أَو ثمانية وعشرون ، أَو مائة وعشرون أَو مائة ، لقوله صلى الله عليه وسلم لصحابى : تعيش قرنا . فعاش مائة ، أَو القرن تلك الأَزمنة ، فيقدر مضاف أَى أَهل قرن ، ولفظ القرن من قرن الشئَ بالشئ ، واصحابى الذى قال له : تعيش قرنا فعاش مائة هو عبد الله بن بشر المازني ، ويجوز أَن الرؤية علمية ، وأَنهم عارفون ذلك برؤية الآثار ، وبسماع الأخبار ، والمراد من قبل زمانهم أَو من قبل خلقهم ، كقوم نوح وعاد وثمود ، وقوم لوط وقوم شعيب ، وفرعون وغيرهم ، وكأَنه قيل ما حالهم ، فقال عز وجل { مَكَّنَّاهُمْ فِى الأَرْضِ } كعاد وثمود { مَا لَمْ نُمَكّنْ لَكُمْ } أَو الجملة نعت ، والمراد ما لم نمكن لكم يا أَهل مكة من طول العمر وعظم الجسم والعدد وسعة الرزق والكثرة ، وما واقعة على التمكين فهى مفعول مطلق موصول أَو نكرة موصوفة ، وليس المراد أَنها نعت لمحذوف فضلا عن أَن يقال أَنها لا ينعت بما ، بل معناها التمكين الذى لم نمكنه ، أَو تمكين ما لم نمكن … إِلخ … ولا يجوز أَن تكون نعتا لمصدر محذوف ، أَى تمكينا ما إِلخ … ويجوز أَن يكون مفعولا ثانيا لمكنا لتضمنه معنى أَعطينا ، ومكن يتعدى بنفسه تارة وبالحرف أُخرى كنصحته ، ونصحت له ، وذكر أَبو عبيدة اللغوى أَنهما لغتان ، قيل واللام أَكثر . ومكناه فى كذا أَثبتناه فيه { ولقد مكناكم فيما إِن مكناكم فيه } ومكنا له جعلنا له مكانا . إِنا مكنا له فى الأَرض { أَو لم نمكن لهم حرما آمنا } . أَى جعلنا لهم حرماً آمنا مكناه ، ولكم خطاب التفت الكلام فيه عن الغيبة فى يروا وأَهلكناهم ، وإِنما قلت الخطاب لأَهل مكة لما فيه من الارتباط لما قبله ، ولو جاز كونه لجميع الناس ، وأَبعد من هذا كونه للمؤمنين { وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ } المطر كما روى عن ابن عباس ، وكل ما علاك فهو سماء ، أَو السحاب ، فإِنه علاك ، أَى أَرسلنا ماءَ السحاب ، أَو السماء الدنيا أَى أَرسلنا ماء السماءَ الدنيا { عليهم مدرارا } وجه إِرسال السحاب أَو السماءِ الدنيا مدرارا ، إِرسال مائها على حذف مضاف ، كما رأَيت أَو كأنها أَرسلت هى لأَن إِرسال المطر منها ، والله قادر أَن يبلغ الماءَ من السماءِ الدنيا فى أَقل من لحظة ، أَو جعله الله مستمر النزول في الأَزمنة المتطاولة إِلى مواقعه ، ومدرار متتابع أَو كثير مأْخوذ من درت الناقة مثلا تتابع لبنها للحالب لكثرته ، أَو كثر ، حال من السماءِ ، وذكر ، ولو جعلنا السماءَ بمعنى السماء الدنيا أَو السحاب مع أَنهما مؤنثان لأَن مفعالا وفعولا وفعالا فى المبالغة يستوى فيهن المذكر والمؤنث ، وتفسير السماءِ بالسحاب أَو المطر أَولى لشمول الماءِ النازل من السماءِ الدنيا والمنعقد من البحار والعيون والبخار { وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ } صيرناها أَو أَوجدناها { تَجْرِى مِنْ تَحْتِهِمْ } قيل من فى مثل هذا زائدة فى الإِثبات والتعريف ، وقيل بمعنى فى ، ويجوز أَن تكون ابتدائية فإِنها ولو جرت متطاولة إِلا أَن كل مسكن مبدأ لما بعده ، والمعنى من تحت مساكنهم ، أَو تحت أَبدانهم ، فإن الماءَ الجارى يعلوه القائم والقاعد { فأَهْلَكْنَاهُمْ } استأْصلناهم والفاء للتعقيب ، أَو عاطفة على محذوف أَى كفروا فأَهلكناهم بلا فاء فى المقدر أَو بها { بذنوبهم } أَى بسبب ذنوبهم من شرك ، ومعاصيهم ، ولم يمنعهم ثمار أَشجارهم ، وحب حرثهم الكثير العظيم المتولد من الأَنهار والمطر ولا كثرة عددهم ولا قوة أَجسامهم وآلاتهم . فخافوا يا أَهل مكة أَن ينزل بكم الإِهلاك كما نزل بهم ، وقد كفرتم كما كفروا بتكذيب الأَنبياءِ والكتب وسائر معاصيهم ، وهذا محط قوله : أَلم يروا إِلخ { وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ } بعد إِهلاكهم { قَرْناً آخَرِينَ } بدلهم ، يعمرون البلاد ، وهذا بيان لكمال قدرته ، فلا ينقص إِهلاكه تلك القرون من ملكه شيئا ، بل كلما أَهلك أَمة أَحدث بعدها أُخرى . فخافوا يا أَهل مكة أَن يبدلكم بغيركم ، والجمهور على أَن القرن مائة سنة ، للحديث المذكور ، والقول بأَنه مائة وعشرون هو قول إِياس بن معاوية بن زرارة بن أَبى أَوفى ، والقول بالثمانين لابن عباس ، رواه عنه تلميذه صالح ، والقول بالسبعين للفراءِ ، واحتج القائل بالسبعين بقوله صلى الله عليه وسلم " معترك المنايا ما بين الستين إِلى السبعين " ورفع ابن سيرين إِلى النبى صلى الله عليه وسلم أَن القرن أَربعون ، وعن أَبى عبيدة أَنهم يرون ما بين القرنين ثلاثين سنة ، والقول بالعشرين قول الحسن البصرى ، واستحسن بعض أَن القرن المقدار الوسط من أَعمار أَهل ذلك الزمان ، لأَنهم يعيون أَربعائة وأَلفا ، وأَقل وأَكثر ، واختاروا أَن القرن حقيقة فى الناس لغلبة إِطلاقه عليهم لا على الزمان ، وقيل هو حقيقة فى الزمان ، وقيل مشترك حقيقة فيهما ، والمجاز أَولى من الاشتراك .