Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 91-91)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ } ما جعلوا لله قدرا يليق به ، أَى وصفا ، لكن لا يمكن الوصول إِلى غاية ذلك ، وهذا أَولى من أَن يقال : المراد قدره فى الرحمة لعباده وفى السخط على الكفار وشدة البطش حين جسروا على قول السوءِ ، فإِنه لا يناسب قوله { إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَئٍ } فإِن هذا يناسب أَن يراد بالقدر العظمة ومنها التوحيد المنافى لإِنكار الإِنزال على بشر ، ومن معانى القدر العظمة ، أَى ما عظموه حتى عظمته ، ويقال : ما عرفوا الله حق معرفته ، والأَصل : وما قدروا الله قدره الحق ، فأُضيفت الصفة للموصوف ، ولا يلزم هذا ، بل المتبادر أَن المراد شأن قدره ، أَو رتبة قدره ، متعلق بقدروا أَو بقدره . وقيل : حرف تعليل ، قلت : هى ظرفية والتعليل مستفاد من مدخولها ، والواو لليهود فنحاص بن عازوراءَ ومالك بن الصيف ومن رضى بقولهما ، وهم نفر يسافرون لمكة عناداً ، أَو أُريد واحد عظم فى السوء كعظم جماعة فى الشر ، خاصم النبى صلى الله عليه وسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم : " أَنشدك الله الذى أَنزل التوراة هل تجد فيها أَن الله يبغض الحبر السمين - وكان مالك كذلك - فقال : نعم . - وكان يحب إِخفاء ذلك لكن أَقر لإِقسام النبى صلى الله عليه وسلم - فقال النبى صلى الله عليه وسلم : أَنت حبر سمين ، سمنت من أَكلتك التى تطعمك اليهود " ، فضحك القوم ، وخجل مالك بن الصيف ، أَى فيكون مبغوضاً ، فغضب ، والتفت إِلى عمر رضى الله عنه ، وقال : ما أَنزل الله على بشر منشئ ، فقال أَصحابه : ويحك ، ولا على موسى ؟ فقال : والله ما أَنزل الله على بشر من شئ . فلما سمعت اليهود بذلك وقالوا : أَليس الله أَنزل التوراة على موسى فلم قلت هذا ؟ قال : أَغضبنى محمد فقلته . فقالوا : وأَنت إِذا غضبت تقول على الله غير الحق ، فعزلوه من الحبرية وجعلوا مكانه كعب بن الأَشرف لعنهما الله ، وفى ذلك نزل : { وما قدروا الله حق قدره } وأَنت خبير بأَن القائلين سافروا إِلى مكة ، فلا يعترض بأَن السورة مكية ، وأَن القصة مدنية ، وأَيضاً نزلت السورة مرتين فيما قيل ، والآية على ظاهرها من نفى الأَنبياء كلهم وكتبهم كلها لثوران الغضب ، والمراد بالذات نفى النبى صلى الله عليه وسلم والقرآن ، ولكن حمله الغضب على نفى كل نبى وكل كتاب مبالغة فى نفى النبى صلى الله عليه وسلم والقرآن ، ليكون كنفى بحجة ، وأَنت خبير أَن الله عز وجل أَنزل الآية مجازاة على لفظ لسانه المجاهر بالسوء ولو كان فى قلبه ثبوت التوراة كما صرح به عن نفسه ، وفى ذلك أَن الغضبان المتعمد مؤاخذ بما قال أَو بما فعل ، كالسكران بمحرم عمداً ، وقال بعض على طريق الشكل الثالث : موسى بشر ، موسى أنزل عليه كتاب ، وهاتان قضيتان شخصيتان فى حكم الكليتين ، والأُولى من قوة الآية ، والثانية من صريحها ، ينتج أَن بعض البشر أنزل عليه كتاب ، وهذه النتيجة موجبة جزئية تكذب السالبة الكلية اليهودية ، وهى لا شئَ من البشر أنزل عليه كتاب ، وأَجاب الله بأَن إِنزال القرآن من الجائز كما أَنزل التوراة على موسى ، فقال { قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الكِتَابَ الَّذِى جَاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثيراً } منها وهو ما صعب عليهم ، وصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن إِخفائه ما صعب عليهم إِخفاء آية الرجم ، وآية : إِن الله يبغض الحبر السمين { وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ } وهذا نص فى أَن الآية فى اليهود لا كما قيل فى مشركى قريش ، فإِن مشركى قريش لم يقرأُوا التوراة ، ولم يجعلوا قراطيس يبدونها ويخفون كثيراً ، ولا علموا ما لم يعلموا ولا آباؤهم إِلا أَن لهم بعض إِذعان لتوراة موسى ، وشهرت عندهم ، وكانوا يخالطونهم ويسأَلونهم عما فى التوراة . قال الله تعالى : { أَن تقولوا إِنما أنزل الكتاب على طائفتين } [ الأنعام : 156 ] . { أَو تقولوا لو أَنا أنزل علينا الكتاب لكنا أَهدى منهم } [ الأنعام : 157 ] . وإِلا أَن يراد علمتم بالقرآن ما لم تعلموا أَنتم ولا آباؤكم ، ووقع ذلك فى المدينة ، والسورة نزلت فى مكة ، ونزلت فى المدينة مرة ثانية والقصة فى المدينة ، وقبل نزلت فى مكة إِلا هذه ففى المدينة ، ويروى أَن مالك بن الصيف كان يخرج مع نفر إِلى مكة معاندين . والمراد : وعلمتم أيها اليهود على لسان محمد صلى الله عليه وسلم مما أوحى إِليه بياناً لما التبس أَو أَخفاه من تقدم ، وزيادة على التوراة أَن هذا القرآن يقص على بنى إِسرائيل أَكثر الذى هم فيه يختلفون ، وقيل : الخطاب فى علمتم إِلخ لمن آمن من قريش ، ونوراً حال من الهاء ، أَو من الكتاب ، هو فى نفسه نوراً ، أَى ظاهر كالضوء اللامع وهدى … وتجعلونه إِلخ حال من الكتاب أَو من الهاء ، ومعنى جعلها قراطيس جعلها فى قراطيس بحذف الجار ، أَو بقدر تجعلونه ذا قراطيس ، أَو تجعلون ظروفه قراطيس ، وإِذا كان الخطاب كله لليهود فالمراد علمتم أَيها اليهود بالتوراة ، أَو علمكم الله بالقرآن ما لم تعلموا زيادة وأَنكرتموه ، كما قال : { قد جاءَكم رسولنا يبين لكن كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب } [ المائدة : 15 ] ، أَو من إِخفاء ما أَرادوا أَو إِنكاره أَو محوه أَو تبديله ، وقيل ذلك الكثير لم يكتبوه فى القراطيس إِخفاء له والناس بنو إِسرائيل وغيرهم { قُلِ اللهُ } أَنزله الله ، أَو الله أَنزله ، أَو منزله الله ، والأَول أَولى لورود الجواب بالفعلية فى قوله { خلقهن العزيز العليم } [ الزخرف : 9 ] ووجه الأَوجُهِ الأَوجَهِ بعده أَن السؤال بالاسمية فليكن الجواب بها ، أَما كان لا بد أَن يقروا بأَن الله أَنزله أَمره أَن يقوله ، أَو كأَنهم دهشوا لافتضاحهم حتى لا يقدروا على رد الجواب فأَمره صلى الله عليه وسلم برد الجواب تنبيهاً على حيرتهم ، أَو أَمره لأَنهم لا يقولون عناداً { ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ } باطلهم متعلق بذر ، أَو بقوله { يَلْعَبُونَ } أَو بمحذوف حال من الهاء أَو من واو يلعبون ، ويلعبون حال من هاء ذرهم ، أَو من هاء خوضهم ولو كان مضافاً إِليه لأَن المضاف صالح لعمل الرفع والنصب لأَنه مصدر ، وإِنما فى خوضهم حالا من الهاء جاز أَن يكون يلعبون حالا من المستتر ، والأَمر بالجواب والإِعراض عنهم بعد الجواب يصح قبل نزول القتال وبعده فلا نسخ فلا تهم ، ويلعبون يستهزئون .