Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 93-93)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَنْ أَظْلَمُ } استفهام إِنكار أَى لا أَظلم لنفسه وللخلق ولدين الله { مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله كَذِباً } مفعول به لافترى ، أَى اختلق كذباً وأَنشأَه ، ويضعف كونه مفعولا مطلقاً ، وكونه حالا مؤكدة ، أَى ذا كذب أَو كاذباً لأَن الافتراءَ أَخص من الكذب ، فليس كقولك قمت وقوفاً ، أَو قمت واقفاً ، ولا يتبادر المعنى هنا بالنصب على التعليل . وافتراء الكذب أَن يقول : أَنا نبى ، أَو أَنا رسول من الله ، أَو ذلك ودعوى الولد والشريك ، أَو ما أَنزل الله على بشر من شئ ، { أَو قَالَ أُوحِىَ } أَى أَوحى الوحى ، أَى ما من شأْنه أَن يوحى ، أَو النائب هو قوله { إِلىَّ } وهو أَولى لأَن الأَول يشير إِليه لفظ أوحى مع أَنه معمول لأَوحى ، ولا يتكرر قوله أوحى إِلىَّ مع قوله افترى على الله كذباً لاختلاف التلفظ ، إِذ افتراء التلفظ أَن يقول : أَنا نبى أَو رسول وهو غير لفظ أَوحى إِلىَّ ، وأَولى من ذلك أَن يقال : افترى على الله كذباً بمعنى أَرسل لله فلاناً أَو نباه وليس كذلك وغير ذلك ، وذلك كمسيلمة وسجاح امرأَته والأَسود العنسى ، فهم قالوا : أَنا نبى ، وأَقوامهم قالوا كذباً عليهم أَن هؤلاء أَنبياء ، وذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقتلوا فى خلافة الصديق ، أَو قال أَباح الله عبادة غيره ، أَو حرم البحيرة والسائبة والوصيلة والحامى ونحو ذلك من الافتراء فى دين الله عز وجل ، ولا يقال : العطف تفسير أَو تفصيل لأَن ذلك لا يكون بأَو { وَلَمْ يُوحَ إِليْهِ } الهاء للمفترى ، وقيل للنبى ، والكلام مَنْ للمفترى والواو للعطف أَو للحال { شَئٌ } الجملة حال من ضمير قال { وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ } من نفسى ، وقيل معناه أَنا قادر على الإِنزال { مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللهُ } عطف على من كعبد الله بن سعد بن أَبى سرح ، إِذ قال فتبارك الله أحسن الخالقين بعد كتابته ما قبلها ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اكتبها فإِنها نزلت كذلك " ، فارتد فقال : إِنى أوحى إِلى كما أوحى إِلى محمد ، وإِن كان محمد كاذباً فقد قلت ما يقول ، ومن لازم من أوحى إِليه فى الجملة أَن يوحى إِليه بعد أَو صرح بأَنه سيوحى إِلىَّ وأَسلم بعد ، وكان فتح أَكثر بلاد الغرب على يديه ، وككفار قريش إِذ قالوا : لو نشاء لقلنا مثل هذا ، على معنى لقلنا بالوحى من الله مثل ذلك ، وما قاله محمد إِلا ما سطره الأَولون من الوحى وليس موحى إِلى محمد وهم المستهزئون . { وَلَوْ تَرَى } يا محمد أَو يا من يصلح لأَن يرى ، أَى ولو ترى الظالمين إِذ هم فى غمرات الموت ، لكن لما حذف لزم الإِظهار وبطل الإِضمار ، فقال { إِذ } ظرف للرؤية { الظَّالِمُونَ } المذكورون بالافتراء على الله ، والقول أوحى إِلىَّ ، والقول سأُنزل مثل ما أَنزل الله ، ويجوز كون إِذ مفعولا لترى ، أَى ولو شهدت ذلك الوقت بما فيه { فِى غَمَراتِ المَوْتِ } شداته ، وكأَنهم تغمرهم سكراته ، كما يغمر الماءَ من فيه ، وجواب لو محذوف يقدر بعد تستكبرون ، لرأَيت أَمراً فظيعاً ، ويجوز أَن لو تمنية فلا جواب لها { وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيِهمْ } الجملة حال من ضمير قوله فى غمرات ، أَو عطف على الاسمية قبلها ، والمراد بسط الأَيدى بالعذاب بما قدروا عليه فى ضرب الوجوه والأَدبار بمقامع من حديد ، أَو بسطها بعصر الأَرواح كالغريم الملح على من عليه الحق لا يؤخره لحظة ، القائل لا أفارقك حتى أَنزع حقى من كبدك وحدقتك وقلبك { أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ } أَرواحكم إِلينا من أَبدانكم لنقبضها ، وهذا مجاز مركب ، إِذ لا قدرة لهم على إِخراج أَرواحهم إِلى الملائكة ، وإِنما المراد الإِيذاء والتغليظ ، كما أَن المراد التحسر لا ظاهر اللفظ كما فى قوله : @ هواى مع الركب اليمانين مصعد جنيب وجثمانى بمكة موثق @@ ويروى أَن أَرواح الكفار تأْبى الخروج فتضربهم الملائكة حتى تخرج ، أَوخلصوا أَبدانكم من أَيدينا ، أَو نحوها من عذابنا ، أَو الأَمر للتعجيز ، ويجوز كون ذلك استعارة مركبة للإلحاح والتشديد ، والحمل على الحقيقة أَولى وهى الأَصل ، والجملة محكية بحال محذوف ، أَى قائلين أَخرجوا أَنفسكم { الْيَوْمَ } وقت غمرات الموت ، أَو وقت الموت إِلى ما لا نهاية له متعلق بأَخرجوا ، وفى أَخرجوا أَرواحكم اليوم أَى فى الدنيا ، أَو خلصوا أَبدانكم من العذاب اليوم أَى فى الدنيا ، والمتبادر تعليقه بقوله { تُجْزَوْنَ } واليوم وقت غمرات الموت ، أَو يوم القيامة { عَذَابَ الْهُونِ } أَى الهوان ، عذاب الموت أَو ما بعده ، كقوله : { أَيمسكه على هون } [ النحل : 59 ] ، أَى على هوان ، وأُضيف العذاب للهون لأَصالته فى الهوان وتمكنه فيه ، وللتحرز عن عذاب يكون للتأديب والزجر كضرب الأَدب والحدود والنكال ، وكعذاب السعيد فى موته تطهيراً من الذنوب ، أَو بولغ بأَنه نفس الهون فاعتبر النعت به أَى العذاب بالهون كما فى آية أُخرى ، ثم أضيف إِليه { بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ } أَى بكونكم تقولون ، وتراهم يقدرون الخبر من مصدر خبر الكون زعما منهم أَن كان التى لها خبر لا مصدر لها وليس كذلك . فيقدرون بقولكم { غَيْرَ الْحَقِّ } كدعوى النبوءَة والإِيحاء لغير أَهلها ، وإِنزال مثل ما أَنزل الله ، ودعوى الولد والشريك ، وغير مفعول به لتقولون نصب المفرد لتضمن معنى ذكر ، أَو كأَنه فى معنى الجملة ، فإِن قول : أَنا نبى ، أَو لله ولد ، ونحو ذلك جملة أَو نعت مصدر محذوف ، أَى قولا غير الحق { وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ } عن تصديق آياته { تَسْتَكْبِرُونَ } تترفعونَ فلم تتأَملوا ، فلم تؤمنوا بها أَو بالله ، والمراد بالآيات النقلية أَو العقلية ، أَو كلتاهما .