Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 68, Ayat: 51-51)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا } إِن مخففة { لَيُزْلقُونَكَ } يصرعونك واللام للفرق بين الإِثبات المراد والنفى وقيل إِن نافية خفيفة واللام للاستثناء ، يكادون يزلقونك فى الأَرض كالزلق فى سبخة مبتلة لشدة عداوتهم . { بِأَبْصَارِهِمْ } ينظرون إِليه نظراً شديداً نظر بغض ، وذلك مبالغة فى وصف بغضهم له - صلى الله عليه وسلم - لأَن النظر ولو اشتد ببغض لا يصرع أحداً فحاصله لو أمكن أن يزلقوه بأَبصارهم لأَزلقوه كأَنه سرت عداوتهم له - صلى الله عليه وسلم - من قلوبهم إِلى عيونهم ، والزلق على ظاهره ويكاد مجاز عن الشدة لأَن شدة بغضهم ونظرهم يزلق ولا يقرب من الإِزلاق ، وفى كلام الغرب والعجم ذلك يقال نظر إِلى نظراً يكاد يصرعنى ويكاد يأْكلنى وذكر ذلك بلا لفظ القرب من قال : @ يتقارضون إِذا التقوا فى موطن نظراً يزل مواطئ الأَقدام @@ وقيل يكاد على حقيقته والإِزلاق مجاز عن الإِهلاك وأنه كان فى بنى أسد عيانون فأَراد بعض منهم أن يعين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونجاه الله عز وجل فنزلت الآية ، وكان رجل من العرب يمكث يومين أو ثلاثة فيرفع جانب الخمار ، فيقول : لم ار كاليوم إِبلاً ولا غنماً أحسن من هذه فتسقط طائفة منها وتموت ، طلبه الكفار أن يعين رسول الله - صلى الله صلى الله عليه وسلم - فأَجابهم وشرع فى ذلك بأَن قال : @ قد كان قومك يحسبونك سيداً وأخال أنك سيد معيون @@ لم يؤثر فيه شئ ، فأَنزل الله تعالى الآية . وقالت قيش ليعينوه ما رأينا مثله ولا مثل حججه ولم يؤثر فيه ، وقراءة هذه الآية تدفع ضرر العين بإِذن الله تعالى والعين حق كما قال - صلى الله عليه وسلم - " العين حق لو كان شيء يسبق القدر لقلت العين " وقال - صلى الله عليه وسلم - " لا تزال العين بالجمل حتى تورده القدر ولا بالنخلة حتى توردها التنور " ، وأمر المعيان أن يغتسل وتصب غسالته على المعين ، وقال - صلى الله عليه وسلم - " " إِن العين لتولع بالرجل بإِذن الله تعالى حتى يصعد حالقاً ثم يتردى منه " . فقالت أسماء بنت عميس : يا رسول الله إِن ولد جعفر تسرع إِليهم العين فهل أسترقي لهم . قال : " نعم . ولو كان شئ سابق القدر لسبقته العين " " ، وفى ذلك أحاديث كثيرة . قال الحسن دواء من أصابته العين أن تقرأ عليه هذه الآية ، ولا يختص العين بالنفس الخبيثة وقد يكون من النفوس الزكية ، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأْمر الصحابة بالتحرز عن العين بذكر الله ، ويمكن أن يكون العين مختصاً بالنفس الخبيثة أصالة حتى أن النفس الزكية يصدر منها بحسب خبثها الأَصلى عين ولا يختص العين بمن يبغض بل يكون ايضاً فيمن يحب ، ولا يختص أن يكون فى الأَمر الحسن بل يكون أيضاً فى القبيح ، وقيل يختص بالمستحسن ونسب هذا إِلى الشهرة ، ويعارضه أخبار الناس أنه وقع فى المستقبح والمستحسن وفى غير ذلك ، فالكفار يبغضون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وارادوا أن يعينوه ، ولا دليل على عدم اختصاص العين بما يستحسن فى ذلك لأَنهم قد استحسنوا منه أشياء مع كفرهم وبغضهم كبلاغته وجماله وصدقه فى سائر كلامه وأحواله ، وما يذكر من القرآن والقرآن بليغ كما قال الله تعالى : { لما سمعوا الذكر } وأيضاً قد يتعاطون عينه ولو لم يستحسنوا منه شيئاً ، ويحبس العائن لئلا يضر الناس فإِن لم يكن له مال فنفقته من بيت المال . ومن قال العين تستقل عن الله فى التأثير أشرك كإِشراك من قال باستقلال النوء بالمطر ، ومن قال تضر بإِذن الله تعالى فلا كفر ، ولو قال : تنبعث قوة سمية من عين المعيان إِلى من ينظر إِليه ، ولكن يكون العين أيضاً بلا نظر إِلى شئ ، وروى أن سليمان بن عبد الملك أعجبه جماله فى المرآة فقال : كان محمد نبينا - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر صديقاً ، وعمر فاروقاً ، وعثمان حبيباً ، ومعاوية حليماً ، ويزيد صبوراً ، وعبد الملك سائساً ، والوليد جباراً ، وأنا الملك الشاب ، وأنا الملك الشاب فمات قبل تمام الشهر ، فلعله عان نفسه ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - " إِذا رأى أحدكم ما يعجبه من نفسه ، فليقل : ما شاء الله ، لا قوة إِلاَّ بالله " { لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ } القرآن لشدة بغضهم وحسدهم ، ولما ظرف لا يتصرف متعلق بيكاد أو بيزلق ، ومن قال لما الوجودية حرف . قال : يقدر جوابها بعد لدلالة ما قبل وأقول بل أغنى ما قبلها عن جوابها . { وَيَقُولُونَ } لشدة حسدهم على بلاغة القرآن وبدائعه ولحيرتهم ولتنفير الناس عنه - صلى الله عليه وسلم - { إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } مع أنه ليس من شأن الجنون البلاغة والصدق دائماً وحسن السيرة وملازمة الصواب ، وجملة يقولون معطوفة على يكاد لا على يزلقونك لأَنهم قالوا لا قربوا من القول بلا فعل .