Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 126-128)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَا تُنْقِمُ مِنَّا } ما تكره منا كراهة شديدة أَو ما تنكر منا أَو ما تعيب علينا ، أَو ما تطعن علينا { إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا } ومصدر آمنا مفعول به لتنقم أَو مفعول لأَجله ، أَى إِلا إِيماننا ولا خير إِلا فيه ، وكل ضر فى خلافه فلسنا نرجع عنه فاقض ما أَنت قاض ، فلسنا نهاب الموت بالقطع والتصليب ، والاية من تأكيد المدح بما يشبه الذم ، قال السعد : ولكن ليس من قبيل قوله : @ ولا عيب فيهم غير أَن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب @@ بل من ضرب آخر وهو أَن يؤتى بالمستثنى مفرغاً إِليه ، والعامل مما فيه الذم ، والمستثنى مما فيه المدح ، قلت : هما من باب واحد . ومرادهم بالآيات العصا تعظيماً لها ، أَو العصا وما قد شاهدوه معها كاليد البيضاء ، أَو انقلاب العصا ثعباناً وكونه عظيماً ، وبلعه ما صنعوا وعدم عظمه بما بلع ، أَو عدم رجوع ما صنعوا وعدم بقاء أَثره كروث ورماد ، ورجوعه عصا كما كان ، والسابق يلائم العصا وأَحوالها ، وأَما غيرها فلو كان لا يلائم المقام لكن لا مانع من حضور الإيمان بشئ فى غير وقته السابق { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } حتى لا نرجع للكفر بعد الإِيمان بفعل فرعون . وإِفراغ الإِناء صب ما فيه وهو تصييره فارغاً فاستعمل فى إِلقاء الصبر عليهم تشبيها بإِلقاء ما فى الإِناء ، أَو المعنى ربنا آتنا صبراً واسعاً بحيث يغمرنا ويحيط بنا كما يحيط الماء ، فالإِفراغ مستعار للإِفاضة المستعارة لإِلقاء الصبر ، أَو شبه الصبر فى الكثرة وغمره بالماء الذى يحيط ، ورمز إِليه بالإِفراغ ، أَو شبه الصبر بالماء بجامع التطهير كما أَن الماءَ يطهر الدنس فإِن الصبر على فعل فرعون يطهر الذنوب ، وذلك استعارة { وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } غير مفتونين عن دين الإِسلام ، فقيل أَنه صلبهم وقطعهم ، وقيل لم يفعل ذلك ، ولم يقدر عليه لقوله تعالى " أنتما ومن اتبعكما الغالبون " والمشهور الأَول ، والغلبة لا تتعين بعدم فعل ذلك ، فإِنها بالحجة وإِنها بالإِغراق ، وأَن ابن عباس قال : صلبهم وقطعهم من خلاف ، ولا يدل طلب التوفى على الإِسلام على عدم فعله ، كما قيل بجواز أَن يتوفاهم الله بالقطع والتصليب على الإِيمان ، ولا يدل مبالغته فى الصبر عن الإِيمان على أَنه صلبهم وقطعهم لجواز أَن لا يصل ما رغب فيه ، وهاب لعنه الله موسى عليه السلام بعد ذلك أَن يأخذه أَو يحبسه ، وخلى سبيله خوفاً منه شديداً ، ولم يرض قومه بذلك ، فقالوا له ما ذكر الله بقوله : { وَقَالَ المَلأُ مِنْ قَوْمٍ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ } أَرض مصر { وَيَذَرَكَ } خص موسى بالذكر هنا بياناً لكونه عمدة ، وإِفسادهم تبع لإِفساده { وَآلِهَتَكَ } والاستفهام إِنكار للياقة ، وليفسدوا إِغراء بتعليل بالغوا فيه ، بأَن قصدك ترك موسى وقومه لأَجل أَن يفسدوا ، أَو كأَنك تركتهم ليفسدوا ، أَو اللام للعاقبة ، أَى يفسدوا كل ما وجدوا صالحاً من الدنيا والدين ، فالحذف للعموم ، أَو نزل منزلة اللازم أَى ليوقعوا الفساد ، أَو يقدر ليفسدوا الناس ، كما روى أَنه لما آمنت السحرة تبعه ستمائة أَلف من بنى إِسرائيل ، وواو قوله " ويذرك " عطف أَو معية ليذرك ، أَو أَتذر موسى وقومه مع تركه آلهتك ؟ وقد جعل لهم أَصناماً آلهة صغاراً يتقربون إِليه بعبادتها ، وقال : أَنا ربها وربكم ، ولذلك قال { أَنا ربكم الأَعلى } [ النازعات : 24 ] ولما صنعها لهم أضيفت إِليه ، لكن المبادر أَن يضاف الإِله إِلى عابده ، وقيل آلهته الكواكب يعبدها ، وقيل الآلهة الشمس ، وأَنه كان يعبدها ، أَنشد الفارسى : وأَعجلنا الآلهة أَن تنوب ، وقيل : هو دهرى ينكر وجود الله ، وقيل لم يذكره فكان يقول : أَجب لى فى الدنيا وأَخر العقاب للآخرة ، وزعم بعض أَنه يعرف اسم الإِله الأَعظم ، فيدعو به ويجئ المطر ، فيقول قد جئتكم بالمطر ، وهذا فى أَهل موضع يستحقون المطر ، وقيل : كان يعبد بقرة ، وكلما رأَى بقرة حسنة أَمر بعبادتها ، ولذا أَخرج السامرى بقرة لبنى إِسرائيل ، وقيل جعل شيئاً فى عنقه يعبده { قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ } صغارهم الذكور { وَنَسْتَحْيِى نِسَاءَهُمْ } نبقى بناتهم الصغار على الحياة ، كما فعلنا قبل ، فلا يتوهم أَن موسى هو المولود الذى ذكر المنجمون والكهنة أَن ملكنا يزول على يده ، فنحن على ما كنا عليه من الغلبة ولا يزول ملكنا ، وقد انقطع طمعه عن قتل موسى بالله عز وجل ، إِذ رأَى أَمره فى علو وازدياد ، { وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } أَراد نفسه وجمع تعظيماً ، أَو أَراد نفسه وقومه لأَنهم الذين يلون القتال إِن أَراده ، فإِسناد القهر إِليه على هذا مجاز كإِسناد القتل والاستحياء إِليه إِن أَراد نفسه فى نقتل ونستحى ، وعن ابن عباس : ترك القتل فى بنى إِسرائيل بعدما ولد موسى فلما جاءَ موسى بالرسالة ، وكان من أَمره ما كان أَعاد فيهم القتل ، فشكوا إِليه فقال لهم تسلية ما قال الله عنه فى قوله : { قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا } على أَذى فرعون وقومه . أَو شكوا إِليه حين سمعوا ما قاله فرعون لعنه الله وقرر الأَمر بالاستعانة بقوله { إِنَّ الأَرْضَ } أَرض مصر أَو الأَرض كلها ، فتشمل أَرض مصر أَولا وبالذات { للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ والْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } وعد لهم بأَن الله سبحانه وتعالى ينجز لهم ما وعده لهم من إِهلاك القبط وإِيراث بنى إِسرائيل أَرضهم ، والعاقبة الأَمر الأَخير المحمود إِذا أطلق عن قرينة تصرفه وهذا حض لبنى إِسرائيل على التقوى .