Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 185-187)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا } نظر استدلال ، أى كذبوا ولم ينظروا ، أَو أَلم يتفكروا ولم ينظرو { فِى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ وَمَا } أَى وفيما { خَلَقَ اللهُ مِنْ شَىْءٍ } كائن ما ، وذلك عطف على خاص ، وذكر الخاص لظهور عظم الملك فيه ، وهو السماوات والأَرض ، ويجوز عطف ما على السماوات والأَرض ، والملكوت الملك مطلقاً ، أَو الملك العظيم لزيادة الواو والتاءَ ، أَو الملك الغائب يسمعون به وينعون إِليه كالعرش أَو الغاضب الضمنى الذى يشاهدون ما خرج منه كالنار فى ضمن الشجر الأَخضر والحجارة و الثمار فى ضمن الأَرض والماء والخشب . وقوله : وما خلق الله من شئٍ يشمل ذرات الأَجسام والأَعراض ، ففى كل ذرة دلالة على الله وكمال قدرته إِذ لا يخلقها سواه ، ولا يقصرها على ما هى عليه من شكل أَو لون أَو طعم أَو غير ذلك من الصفات مع إِمكان غيرها - إِلا الله . أَمرهم الله سبحانه وتعالى أَن ينظروا فى ملكوت السماوات والأَرض ، وفى كل شئ ، وفى أَجلهم لعله قد اقترب فيبادروه بالإِيمان والصلاح قبل نزول العذاب أَو الموت كما قال { وَأَنْ عَسى } وفى أَنه عسى { أَنْ يَكُونَ } أَى الشأْن ، فقد تكرر ضمير الشأْن ومسماهما واحد ، كقولك زيد عسى أَن يقوم زيد ، فى مجر التكرير ، وأَجاز بعض ، بل سيبويه ، وارتضاه ابن هشام أَن يكون اسم أَن ضميرهم ، أَى وأَنهم عسى أَن يكون { قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ } فاعل اقترب والجملة خبر يكون ، أَو اسم يكون ضمير الأَجل على أَنه واقترب ، تنازعا فى أَجل ، أَو أَجل اسمه ، وفى اقترب ضميره ، وفيه تقديم الخبر الفعلى بحال يلبس بالفاعلية إِلا أَن يغتفر بطلب الفعل الأَول للمرفوع إِذ لا بد له منه { فَبأَىِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ } بعد القرآن وهو أَفضل حديث وأَصدقه ونهايته فى البيان ، أَو بعد هذا الحديث وهو القرآن ، أَو بعد الرسول أَى بعد حديثه ، وهو القرآن ، والرسول أَصدق الناس ، أَو بعد أَجلهم كيف يؤمنون بعد انقضاءَ أَجلهم { يُؤمِنُونَ } إِذ هو الغاية فى البيان والصدق ، وكل كلام هو دونه ، فلا يتصور إِيمانهم بما هو دونه ، وهذا إِقناط من إِيمانهم ، للطبع عليهم ، فقد انسحب على هذا ما فى قوله " أَو لم ينظروا " من التوبيخ ، ويجوز كونه مرتبطاً بقوله عسى أَن يكون قد اقترب أَجلهم ، أَى لم لا يتوقعون اقتراب الأَجل ويتركون الإِعراض عن الإِيمان بالقرآن ، وقرر ضلالهم وعلله بالضلال المطلق الذى لا هادى له . فى قوله : { مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلاَ هَادِى لَهُ } إِلى دين الحق { وَيَذَرُهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } يترددون ، والنون فى نذرهم على طريق الالتفات إِلى المتكلم من الغيبة ، والواو عاطفة على جملة الشرط والجواب عطف قصة على أُخرى ، لأَن الواو لا تكون حرف استئناف إِذ لا وجه لقولك أَن هذه الواو جاءَت لتدل على أَن ما بعدها مستأَنف بخلاف من الابتدائية فإِنها وضعت لتدل أَن مبدأ الفعل مدخولها ، وكذلك لا تكون الواو للاعتراض ، إِذ لا وجه لقولك أَن هذه الواو وضعت لتدل على أَن هذه الجملة معترضة ، فلتحمل الواو فى المسأَلتين على ما يمكن من العطف أَو الحال مثلا ، ولو قلت فى الاعتراضية أَنها عاطفة قبل تمام الجملة المعطوف عليها لجاز ، لأَن الجمل يتوسع فيها ما لا يتوسع فى المفردات ، وفى المقام مناسبة كأَنه قيل : نذرهم فى طغيانهم يعمهون لأَنهم ممن أَضل الله عز وجل . سأَل بعض اليهود كحمل بن أَبى قشير وسموأَل بن زيد وبعض قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم : متى قيام الساعة ؟ فنزل قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ } يوم القيامة سمى ساعة لوقوعه بغتة ، أَو لأَنه للسعيد كساعة ، أَو لسرعة الحساب فيه ؛ إِذ لا يشغل الله شأن عن شأن ، زعم اليهود أَنهم يعلمون متى الساعة ، وهم لا يعلمونها متى هى ، لكن أَرادوا إِيهامه صلى الله عليه وسلم ، وقريش قالوا له : أَخبرنا بها سراً لقرابتنا ، ونزلت الآية ردا عليهم ، والمراد بيوم القيامة المعبر عنه بالساعة وقت موت الحيوانات كلها ، وهذا أَولى من تفسير الساعة بوقت البعث ، أَو ما بين موتهم وبعثهم ، وعليه فقلته لمجيئه بغتة ، أَو لأَنه مدهش فيقل أَو يقل ما قبله ، أَو لأَنه يسير عند الله تعالى أَو لسرعة حسابه ، والآية مناسبة لقوله تعالى { وأَن عسى أَن يكون قد اقترب أَجلهم } وأَيضاً من مات فقد قامت قيامته لانكشاف ماله من ثواب أَو عقاب { أَيَّانَ } متى { مُرْسَاهَا } مصدر ميمى ، أَى إِرساؤها ، أَى إِثباتها ، وبعده أَن يكون زماناً ميمياً ، ولا بأْس بظرفية عام لخاص كأَنه قيل ، أَى جزء من اليوم ، أَو أَى جزء من الشهر ، كما تقول : أَجئ ساعة كذا من الجمعة ، ويبعد أَن يكون مكاناً ميميا أَى أَين موضعها على أَن أَيان مكان ، والجملة بدل من الساعة اشتمالى علق عنه يسأَل بالاستفهام { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا } علم وقت إِرسائها { عِنْدَ رَبِّى } أَخفاها عن كل ملك وكل نبى ، وكل أَحد ليسارع إِلى التوبة وأَداء الواجب ، ولو علم وقتها لتقوصر فيهما ، إِن لم يعرف زمان علامات قربها جداً { لاَ يُجَلِّيهَا } لا يظهر وقتها على التعيين { لِوَقْتِهَا } أَى فى قرب وقتها ، أَو عند وقتها ، أَى عند حضور قربها كذا قيل ، وهو باطل لأَنه يقتضى أَنه إِذا قرب وقتها أَظهره ، وإِما بأَمارة لا بالتعيين فوارد ، وإِنما المعنى لا يظهرها بإِيقاعها فى وقتها ، فإِظهارها إِيقاعها ، وهو تجليتها لا الإِخبار بها ، نعم يعلمون بها عند حضورها ، وقبل فوتهم ، لكن قد يعلمون بإِحساسها إِذا حضرت ولا يعلمون أَنها هى { إِلاَّ هُو } عز وجل { ثَقُلَتْ } عظم شأنها { فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } على أَهلهما لكراهة الفناء ، ولو عند الملائكة ، ولأَنها تؤدى إِلى الحساب والثواب والعقاب والأَهوال وانكشاف الغطاء ، أَو على نفس السماوات والأَرض ، للانشقاق والتزلزل والإِفناء وزوال الشمس والقمر والنجوم ، وتبدل الأَرض ، وإِبطال البحار ، أَو حصل ثقلها وشدتها ، أَو للمبالغة فى إِخفائها فى السماوات والأَرض { لاَ تَأْتِيكُمْ } الخطاب لمجموع من يحضر الساعة ومن لا يحضرها ، وغلب الموجودين بالخطاب . أَو الخطاب لمن يحضرها ولما يوجد ، وفى الوجهين اعتبار أَن من وجد ومن سيوجد كفرد واحد { إِلاَّ بَغْتَةً } فجأَة على غفلة ، روى الطبرى فى مرسل قتادة وهو فى البخارى ومسلم عن أَبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم " أَن الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه " ويروى : يلوط حوضه . والردل يسقى ماشيته ، والرجل يقوم أَو يقم سلعته فى سوقه ، وفى رواية إِسقاط فى سوقه ، " والرجل يخفض ميزانه ويرفعه " ، ويروى : " الرجل يرفع لقمته إِلى فيه " ، وجاءَ مرفوعاً أَيضاً ، " أَنها تقوم والرجلان ينشران ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ، وقد انصرف الرجل بلبن ناقته فلا يطعمه " وجاءَ أَيضاً مرفوعاً : " إِنما أَجلكم فيمن مضى قبلكم من الأُمم من صلاة العصر إِلى غروب الشمس " ، وجاءَ أَيضاً : " بعثت أَنا والساعة كهاتين . وأَشار بالسبابة والوسطى " { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا } أَى كثير الاستقصاء عنها بالسؤال حتى أَدركت معرفة وقتها ، ويلزم من كثرة الاستقصاء عن الشئ وإِدراكه ، ولذلك تراهم يفسرون حفى بعليم ، وعن على ظاهرها متعلقة بحفى لأَن المعنى السؤال عنها أَو البحث عنها أَو الكشف عنها ، أَو متعلقة بيسأَل أَو بمعنى الباء أَى عليم بها . ويجوز تعليقها بيسأَل ، ويقدر مثله لحفى عن التنازع ، وجاز هذا مع أَن المهمل يعمل فى ضمير المتنازع فيه ، والضمير لا يعود إِلى الضمير ، لأَن اتحاد معنى الضميرين يسيغ ذلك ، كما تقول أَنا أَقوم ، وأَنت تقوم فتربط الخبر بضمير هو نفس المبتدأ ثم إِنه قدم يقال بجواز عود ضمير لآخر مستحق للتقديم أَو متأَخر كالتنازع إِذا أَعمل المتأَخر أَو يعلق بيسأَل ، ويقدر كأَنك حفى فيها ، وسؤالهم إِنكار أَو استهزاء أَو تعجيز ، أَو ظن منهم أَنه يعلمها كما قيل أَنه من الحفاوة ، بمعنى الشفقة ، وأَن قريشاً قالوا : إِن بيننا وبينك قرابة فقل لنا متى الساعة ! ! أَى كأَنك تشفق عليهم فتخصهم بالإِخبار عنها لقرابتهم ، ولكن مثل ذلك قد يقوله المستهزئ والمستعجز فجاءَت الآية على طبق كلامهم ، وقيل حفى بمعنى فرح وعنها متعلق بيسأَل ، أَو كأَنك تفرح بالسؤال عنها مع أَنك تكرهه لأَنه من الغيب الذى لا يخبر الله أَحداً به ، أَو كأَنك صديق لهم ، وهم أَعداؤك ، وأَنت عدو لهم لكفرهم ، وجملة كأَنك حفى فى جميع الأَوجه حال من الكاف ، ولما كان المراد يسأَلونك عن الساعة أَيان مرساها كأَنك حفى عنها ، وفصل بما يناسب أَعاد لفظ السؤال ، ولذلك اكتفى بذكر الساعة هناك عن ذكرها هنا وفى ذلك نوع إِجمال فكرر الجواب مجملا بقوله { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ } كرره متابعة لتكرر يسأَلونك وتأكيداً وإِشعاراً بالعلة { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أَنه اختص الله بعملها ، ولا يخبر بها أَحداً على التعيين بأَنها عقب مائة عام ، أَو عقب أَلف ، أَو بعد أَلف وثلاثمائة ، أَو عقب أَلف وخمسمائة عام ، ونحو ذلك ، والإِخبار بعلامات قربها ليس إِخباراً بعينها ، وذلك الإِخفاء أَدعى إِلى الانزجار ، والإِخبار بعلامة قربها أَدعى لحاضر علامتها إِلى التوبة .