Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 189-190)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } آدم { وَجَعَلَ مِنْهَا } من ضلعها اليسرى ، كان ضلعاً وأَخرجه عنه امرأَة بقدرته { زَوْجَهَا } حواءَ أَو منها من جنسها ، وزوجها أَزواج النفس وأَولادها ، كقوله تعالى { جعل لكم من أَنفسكم أَزواجاً } [ الشورى : 11 ] والخطاب فى خلقكم لبنى آدم ، والمراد به المخلوق من هذه الأُمة ، وتعميم الأُمم الماضية ليس مناسباً ، بل الخطاب لأَهل مكة ونحوهم فى الكفر ، وهو رجوع إِلى تقرير أَمر التوحيد وإِبطال الشرك ، وتوبيخ للكفرة على جسارتهم على الكفر بتذكير مبادئ خلقهم ( لَيَسْكُنَ ) لتسكن النفس الواحدة وهى آدم . وإِنما لم يؤنث اعتباراً للمراد بالنفس ، ولو أَنث لتوهم أَن الزوج وهى المراد بأَن تسكن إِلى آدم ، والمستوحش بالوحدة آدم فتزول وحشته بها { إِلَيْهَا } يأْنس بها ويأوى إِليها { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } جامعها ، أَنث النفس أَولا والمراد آدم ، وذكرهما هنا لأَنها عبارة عنه ، فلم يقل تغشته بتاء بعد الشين ، لأَن الجماع أَنسب به ، إِذ هو الذى يسكن إِلى الأُنثى ، ويكون لها كالغشاء إِذا علاها للجماع { حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا } هو النطفة أَو هى وما بعدها من الأَطوار قبل أَن يكون ثقيلا ، أَو يراد بالخفة عدم التأَذى به بمعنى محمولا ، فحملا مفعول به ، ويجوز أَن يكون باقياً على معنى المصدر فيكون مفعولا مطلقاً ، والأَول أَنسب ، لقوله تعالى { فَمَرَّتْ بِهِ } مشت به ولم يعطلها عن المشى ذهاباً ورجوعاً ، وفى حركتها بلا مشقة ، وفسر بعضهم مرت باستمرت ، وادعى أَن مرور الشئ بالشئ ليس بصحيح هنا ، وأَن الزوج ليست بمارة بالحمل ، بل مستمرة ، وقيل : من القلب فى الكلام ، وأَن المعنى فاستمر بها { فَلَمَّا أَثْقَلَتْ } بكبر الولد فى بطنها صارت ذات ثقل كأَلبنت وأَتمر صارت ذات لبن وذا تمر ، ودخلت فى الثقل كأَصبح دخل فى الصباح وأَمسى دخل فى المساء ، وأَعرق دخل العراق ، والمراد بالثقل التضرر ضد الخفة التى بمعنى عدم التضرر { دَعَوَا } آدم وحواء { اللهَ رَبَّهُمَا } وقد خافا أَن يكون ما فى بطنها حيواناً من غير جنسهما كقرد وكلب … وقال لها إِبليس : ما هذا الذى فى بطنك ؟ فقالت : لا أَدرى … فقال : يحتمل أَن يكون كلباً أَو حماراً أَو غير ذلك ، ويحتمل أَن يخرج من عينك أَو فمك ، أَو يشق بطنك لإِخراجه ، فعرضت الأَمر على آدم فدعوا ربهما { لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا } ولدا صالح الجسم والشكل من جنسنا { لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } من جملة الشاكرين لنعمك الدينية والدنيوية ، فيكون شكرى وشكر حواء على إِيتاء الولد الصالح وسائر النعم علينا ، وكل شاكر يشكرك على ماله من النعم ، والقسم وجوابه مفعول لقول محذوف ، أَى : { قالا لئن آتيتنا } إِلخ … تفسير لدعوا على الاستئناف البيانى ، كأَنه قيل : ماذا قالا فى دعائهما ؟ أَو فقالا : لئن آتيتنا إِلخ . عطف مفصل على مجمل أَو محكى بدعوا لتضمنه معنى القول ، فينصب لفظ الجلالة على أَصله ، والجملة على تضمن القول { فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتاهُمَا } ولفظ ما لأَن الإِنسان حال الولادة كالجماد وسائر العقلاء وسائر الحيوان ، ومعنى شركا شريكاً بتسمية ولدهما عبد الحارث . والحارث اسم إِبليس فى السماء ، والصواب أَن يسمياه عبد الله ، وليس إِشراكا فى العبادة ، ولم يعلما أَن الحارث اسم لإِبليس ، فالإِشراك باللفظ لا بالقصد ، ويناسب هذا لفظة لما الموضوع لحضور بخلاف ما إذا قيل : الأَلف لذريتهما والشرك فى العبادة فإِنها بعد مدة لا حاضرة ، والقائل بذلك راعى مدة طويلة وقع فى بعضها إِشراك كما تقول : وقع كذا يوم الجمعة وإِنما وقع فى وسط أَو آخره مثلا ، وتقول : لما دخل وقت الصلاة صلى مع أَنه لم يصل أَول الوقت . ويقال : لما ظهر الإِسلام طهرت البلاد من الشرك ، روى أَنها لا يعيش لها ولد ، ولدت عبد الله وعبيد الله وعبيد الرحمن وماتوا . لما ولدت عبد الله قال لادم : أَنصحك سمه عبد الحارث . فقال : أَعوذ بالله من طاعتك ، أَطعتك فى الأَكل من الشجرة فأَخرجتنى من الجنة ، فمات ، وولدت عبيد الله فقال : سمه بذلك وإِلا مات ، وولدت عبيد الرحمن فقال له ذلك . وقال : لا أَزال أَقتلهم حتى تسمى بذلك … فسمى الرابع عبد الحارث . وفى الحديث : " خدعهما مرة فى الجنة ومرة فى الدنيا " ، وروى الترمذى وقال : حسن غريب . والحاكم وقال : صحيح عن سمرة عنه صلى الله عليه وسلم : " لما ولدت حواء وكانت أَولادها تموت ، فقال لها إِبليس : سميه عبد الحارث يعش فسمته عبد الحارث " . وروى أَنه قال لها : إِنى من الله بمنزلة فإِن دعوت أَن يجعله الله مثلك ويسهل خروجه فسميه عبد الحارث ، وسمياه بذلك ، ومثل هذا لا يبعد عن آدم عليه السلام وحواءَ مع عدم معرفة أَن ذلك اسم لإِبليس ، ولا يبعد أَن ينسى أَن ذلك الاسم لإِبليس ، وأَيضاً لم يعلم أَسماءَ الأَعلام لكل شخص كزيد وعمرو بل أَسماءَ الأَجناس كرجل وضارب ، وقيل : جعل الشرك أَولادهما لا هما بتقدير مضاف ، أَى فلما آتى أولاهما من كان والداً ووالدة من أَهل الشرك ولداً صالحاً جعل هذان الأَبوان لله شركاً فيما آتاهما ، بأَن سميا الأَولاد عبد العزى وعبد اللات ، ونحو ذلك ، ولما للأَزمان المتطاولة الآتية ، وناسب تقدير المضاف مع أَنهما ليسا ممن يشرك أَن المقام للإِيجاز والإِيجاز فى مقامه من البلاغة ، وقيل : الخطاب فى خلقكم لآل قصى من قريش ، خلقوا من نفس واحدة هو قصى ، وزوجها من جنسها عربية قرشية ، طلبا من الله الولد ، فأَعطاهم أَربعة بنين ، ونسباهم للأَصنام : عبد مناف وعبد شمس وعبد قصى وعبد الدار ، فيكون الضمير فى قوله تعالى { فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } لهما ولأَعقابهما المعتدين بهما . وقيل : الدار داره دار الندوة لا صنم ، وقصى نفسه لا صنم سمى به ، وكذا تكون الواو على التفسير السابق للأَولاد المقدرة مضافاً فى آتاهما إِلخ … أَو تم الكلام على آدم وحواءَ فيما قبل هذا ، واستأنف هذا لأَهل مكة ، وأَعاد لهم الواو ، وخاطبهم لعبادتهم الأَصنام ، والواو فى يشركون لأَهل مكة ، أَو لأَهل الأَصنام كلهم ، وقدر بعض مضافين أَى جعل نسلهما له شركاءَ فيما آتى نسلهما ، وهو النسل المذكور ، وقيل : أَلف جعلا للاولاد والتثنية اعتبار للنوعين الذكر والأُنثى ، والفاء سببية عطف على خلقكم .