Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 43-43)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ } حقد نزعه الله عز وجل بعد إِعطائهم كتبهم بأَيمانهم وقبل دخولهم الجنة . الغل الذى كان فى الدنيا وأَسبابه ، وإِنما ذلك لزوال متعلقات الدنيا وعدم شياطين الإِنس والجن إِذ شغلوا بعذاب النار ، وصفاء النفوس بتطهير الله عز وجل لها فلا يحقد أَحد على أَحد لما فى الدنيا ، ولا لمضرة فى الجنة لعدم الضرر ، ويترتب على ذلك أَنه لا يحسد ذو الدرجة المنحطة ذا الدرجة العالية عليه بل لا يخطر فى قلبه علوها أَو يحضره إِلا راَى نفسه أَفضل درجة ممن فوقه ، ومن أَسباب الغل الحسد ، ولا حسد فيها ، وليس المراد النزع فى الدنيا كما قال بعض ، بل فى الآخرة لمناسبة ما بعده ومقابلة تلاعن أَهل النار فى الآخرة ، وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنهم يتآخذون الظلامات عند بابها فلا يحقد أَحد أَحداً فيدخلونها ، وقيل المراد إِزالة الحقد عند الموت فيموتون بلا حقد { تَجْرِى مِنْ تَحْتِهِمْ } قصورهم { اَلأَنْهَارُ } زيادة فى لذتهم ينبع عينان من أَصل شجرة على باب الجنة يشربون من إِحداهما فيخرج الله عز وجل غلهم وقذرهم ، وهو الشراب الطهور فى قوله تعالى { وسقاهم ربهم شرابًا طَهورًا } [ الإنسان : 21 ] ويشربون من الأُخرى فيطيب الله أجسادهم من كل وسخ ، وجرت عليهم النصرة فلا يشعثون ولا يشحبون ولا يتغيرون فيناديهم خزنة الجنة أن تلكم الجنة الآية … { وَقَالُوا } عند استقرارهم فى منازلهم من الجنة { الْحَمْدُ للهِ الَّذِى هَدَانَا } وفقنا { لِهَذَا } الذى جزاؤه ما نحن فيه الآن ، وهو الإِيمان والعمل الصالح والتقوى ، وذكر قالوا بدل يقولون لتحقق الوقوع بعد ، وأَشار بهذا إِلى العمل الواقع فى الدنيا مع بعده استحضاراً له وفرحا به ، أَو لحضور عاقبته ومسببه ، وهى حرى الأَنهار ودخول الجنة ، فكأَنه حضر ذلك الذى فى الدنيا ، أَو الإِشارة إِلى دخول الجنة ، وجرى الأَنهار ، أَى هدانا إِلى ذلك وأوصلنا إِليه بسبب الإِيمان والعمل والتقوى ، ويضعف ما قيل من أن الإِشارة إِلى نزع الغل من الصدور { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ } إِلى العمل الصالح والإِيمان والتقوى أَو إِلى هذه المنازل والأَملاك { لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللهُ } وفقنا إِلى ذلك { لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ } الصدق عن الله فى ثواب الإِيمان والعمل والتقوى إِذ شاهدوا الثواب طبق ما أخبر الله جل وعز به . وهذه الجملة لإِنشاء السرور فى المعنى إِخبار لفظاً كإِنشاء التحسر فى قوله : @ هواى مع الركب اليمانين مصعد جنيب وجثمانى بمكة موثق @@ { وَنُودُوا } أى ناداهم الملائكة أو الله بأَن خلق لهم صوتاً سمعوه { أَنْ } مخففة أو مفسرة لتقدم معنى القول دون حروفه وكذا ما بعد { تِلْكُمُ } مبتدأ { الْجَنّةُ } خبر إِشارة إِليها قبل دخولها وبعد ظهورها برؤيتها من بعيد ، ولذلك كان إِشارة البعد ، وقيل بعد دخولها وعليه فالإِشارة باعتبار الإِخبار عنها فى الدنيا ، أَى الجنة البعيدة منكم فى الدنيا حين أخبركم الرسول بها ، وقيل إشارة البعد لرفع الرتبة { أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } بكونكم تعملون العمل الصالح ، ومنه جبذ النفس عن المعاصى ، أَو بما كنتم تعملونه ، والجملة حال من الخبر كقوله تعالى { فتلك بيوتهم خاويةً } [ النمل : 52 ] أَو خبر والجنة تابع ، ولا تنافى الآية قوله صلى الله عليه وسلم " لن يدخل أحدكم الجنة بعمله بل بفضل الله ورحمته وشفاعتى " وانقسام الدرجات بالأَعمال والمعنى أَن العمل لا يوجبها ولكن جعله الله سبباً عادياً وعلامة ، وما أَقبح ما قيل عن المعتزلة أَن دخولها ليس بفضل الله بل بمجرد العمل ، وهذا عجيب جداً ، وقال ابن حجر : المنفى فى الحديث دخولها بالعمل المجرد عن القبول ، والمثبت فى الآية دخولها بالعمل المتقبل ، والقبول فضل من الله . وذكر القرطبى أَنهم إِذا دخلوها بأَعمالهم فقد دخلوها برحمته لأَن أَعمالهم رحمة من الله لهم ، وذكر الله الإِيراث لأَن الحى يرث الميت والمؤمن حى والكافر ميت { أموات غير أَحياء } [ النحل : 21 ] ، { دعاكم لما يحييكم } [ الأَنفال : 24 ] { أَو من كان ميتاً فأحييناه } [ الأَنعام : 122 ] { لينذر من كان حياً } [ يس : 70 ] قال صلى الله عليه وسلم : " ما من أَحد إِلا وله منزل فى الجنة ومنزل فى النار فأما الكافر فإِنه يورث المؤمن منزله من الجنة والمؤمن يورث الكافر منزله من النار " ، فذلك قوله تعالى { أَورثتموها بما كنتم تعملون } فالإِيراث استعارة أَصلية للإِعطاء اشتق منها تبعية فى لفظ أَورث ، ثم إِنه لما كان دخولها بفضل الله لا بالعمل كان كالإِرث بتحصل من غير كسب وذلك فيما لهم وفيما انتقل إِليهم من الكفرة .