Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 7-7)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذْ } واذكر إِذ { يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ } بوحى جبريل إِليه صلى الله عليه وسلم إِجمالا فيهما ، أَبى جهل ومن نفر معه من مكة ، والعير الآتية من الشام لقريش من تجارتهم وما فيها إِلا أَربعون رجلا رئيسهم أَبو سفيان ومعه عمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل { أَنَّهَا لَكُمْ } بدل اشتمال من إِحدى { وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ } الشوكة البأس والسلاح مستعار من واحدة الشوك . شبه حدة الرمح ونصل السهم بحدة شوك النبات كشوك النخلة ، وشجر الطلح ، وذات الشوكة أَبو جهل وأَصحابه ، النافرون من مكة وغيرها غير الشام ، ولم يذكر ذلك بحصر لأَنهم ما قالوا لا نقصد إِلا غير ذات الشوكة ، بل قالوا نقصدها ، ولو كان المراد ترك ذات الشوكة ، ولما قالوا ذلك غضب صلى الله عليه وسلم ، وأَيضا لما فرغوا قيل له : عليك بالعير . فناداه العباس وهو فى وثاقه : لا يصلح لك ذلك ، فقال : لم ؟ فقال : لأَن الله وعدك إِحدى الطائفتين - سمعه من النبى صلى الله عليه وسلم أَو من الصحابة - وقد نجت إِلى طريق الساحل . روى أَنه صلى الله عليه وسلم خرج ليأخذ عير أَبى سفيان وأَصحابه القافلة من الشام ، فأَخبر أَبا سفيان بعض أَهل البدو ، أَو المسافرون ، فأَخذ طريق الساحل ، واستأجر ضمضم الغفارى ليذهب إِلى أَهل مكة فجاءُوا ، وقد نجت بأَخذ طريق الساحل ، ساحل البحر ، وترك الطريق المعهود ، فقيل لأَبى جهل : ارجع ، إِذ نجت ، فأَبى ، وقال له أَبو سفيان : ارجع وعلىَّ عيب الرجوع فأَبى . وكذا قال له غيره ، وأَبى ، وسار ليسمع الناس أَنه مضى إِلى بدر ويشرب فيها ، وليقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم إن جاءَه ، وشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم أَصحابه ، وقال : إِن الله وعدنى إِحدى الطائفتين فوافقوه على قتال النفير ، وكره بعضهم ذلك ، وقال : لم نستعد له ، وذلك بوادى دقران - بفتح الدال فإِسكان القاف - قريب من الصفراءِ ، وغضب صلى الله عليه وسلم ، وقال : إِن العير مضت على ساحل البحر ، وهذا أَبو جهل قد أَقبل ، فأَحسن أَبو بكر ثم عمر القول بالإِجابة إِلى القتال ، ثم قال سعد بن عبادة : انظر أَمرك فامض فيه ، فوالله لو سرت إِلى عدن ما تخلف عنك رجل من الأَنصار ، ثم قال المقداد بن عمرو ، وهو المقداد بن الأَسود : امض كما أَمرك الله ، فإِنا معك حيثما أَحببت ، لا نقول لك كما قالت بنو إِسرائيل لموسى " اذهب أَنت وربك فقاتلا إِنا هاهنا قاعدون " ولكن : اذهب أَنت وربك فقاتلا إِنا معكما مقاتلون . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : أَشيروا علىَّ أَيها الناس - يريد الأَنصار - وقد شرطوا حين بايعوه بالعقبة أَنهم برءَاء من ذمامه حتى يصل إِلى ديارهم ، فتخوف أَلاَّ يروا نصرته إِلا على عدو هجم عليه بالمدينة - فقام سعد بن معاذ فقال : كأَنك تريدنا يا رسول الله ، قال : أَجل . قال : إِنا قد آمنا بك ، وصدقناك ، وشهدنا أَن ما جئت به هو الحق ، وأَعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أَردت ، فوالذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما يتخلف منا أَحد ، وما نكره أَن تلقى بنا عدونا ، وإِنا لصبر عند اللقاءِ ، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله تعالى . فنشطه قوله . ثم قال صلى الله عليه وسلم : " سيروا على بركة الله وأَبشروا ، فإِن الله قد وعدنى إِحدى الطائفتين ، والله لكأَنى أَنظر إِلى مصارع القوم " وبسطت الكلام على ذلك جدا فى شرح نونية المديح بحول الله وقوته ، ولما نجت العير على أَن الطائفة الموعود بها هى النفير ، وخص العرض لأَن عرض البحر أَصعب من طوله ، وسمى ذلك الموضع بدرا ، لأَن رجلا اسمه بدر حفر فيه بئرا ، ولأَن البدر يرى فيها لصفاءِ مائها ، وفيه سوق للعرب ، ولما بلغ الخبر أَبا جهل أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة لأَجل العير طلع فوق الكعبة فقال : يا أَهل مكة … النجاءَ النجاءَ - أَى السرعة السرعة - على كل صعب وذلول - أَى على أَى دابة صعبة أَو سهلة - عيركم وأَموالكم إِن أَصابها محمد لن تفلحوا بعدها أَبدا ، وقد أَرسل إِليهم أَيضا أَبو سفيان ضمضم بن عمرو الغفارى ، كما مر ، ورأَت عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبى صلى الله عليه وسلم قبل قدوم ضمضم بثلاث ليال رؤيا أَفزعتها ، فبعثت إِلى أَخيها العباس رضى الله عنه ، فقالت له : والله يا أَخى ، لقد رأَيت الليلة رؤيا أَفزعتنى ، وخشيت أَن يدخل على قومك منها شر ، فقالت له واستكتمته : رأَيت راكبا أَقبل على بعير له ، حتى وقف بالأَبطح ، وصرخ بأَعلى صوته : أَلا انفروا يا آل غدر لمصارعكم فى ثلاث بعد ثلاثة أَيام . ودخل المسجد ، واتبعه الناس ثم مثل به بعيره على ظهر الكعبة ، فصرخ كذلك ، ثم على أَبى قبيس كذلك ، ثم أَخذ صخرة فأَرسلها تهوى حتى كانت بأَسفل الجبل تفرقت ودخلت كل دار فرقة منها . فاستكتمتها كما استكتمته ، إِلا أَنه لقى عتبة بن ربيعة ، وكان صديقه ، واستكتمه ، وذكرها عتبة لابنه ، ففشى فى قريش ، ودخل العباس المطاف ، فقال أَبو جهل - لعنه الله - يا أَبا الفضل ، إِذا فرغت من الطواف فأَقبل إِلينا ، فطاف فأَقبل إِليه ، فقال له : يا بن عبدا لمطلب متى حدثت هذه النبيئة فيكم ؟ قال : ماذا ؟ قال : رؤيا عاتكة ، يا بنى عبد المطلب أَما رضيتم أَن تتنبأَ رجالكم حتى تنبأَت نساؤكم ، فإِن مضت الثلاث ولم يكن شئ كتبنا أَنكم أَكذب بيت فى العرب . . قال العباس : وأَنكرت أَن تكون رأَت ، ولما أَمسيت لم تبق امرأَة من بنى عبد المطلب إِلا أَتتنى وقالت : أَقررت هذا الفاسق الخبيث أَن يقع فى رجالكم ثم قد تناول نساءَكم . فغدوت فى اليوم الثالث من رؤيا عاتكة إِلى المسجد لأَشتمه ، وإِنى لأَمشى إِليه لذلك ، وكان خفيفا حديد اللسان ، إِذ سمع صوت ضمضم يصرخ ببطن الوادى ، واقفا على بعيره ، وقد جدع أَنف بعيره ، وحول رحله ، وشق قميصه ، وهو يقول : يا معشر قريش ، اللطيمة اللطيمة ، أَموالكم مع أَبى سفيان قد عرض لها محمد فى أَصحابه لا أَرى أَن تدركوها ، الغوث . فشغلنى ذلك عنه ، وأَسرع الناس ولم يتخلف أَحد إِلا أَبو لهب ، أَرسل رجلا مكانه { وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ } أَن يثبت الحق ظاهرا عاليا على الدين كله مشهورا ، وإِلا فهو ثابت مطلقا { بِكَلِمَاتِهِ } بمعلوماته من أَسباب النصر ، كنزول الملائكة وإِلقاءِ الرعب بمثل إِلقاءِ الحصى فى الطست وقتالهم إِذا أَراد الله قتال بعضهم بعضا ، أَو بآياته المتلوة المنزلة فى هذا الشأن ، أَو بما قضى من الأَسر والقتل والطرح فى البير ، ولذلك أَمركمْ بقتال النفير ، وصرف عنكم العير ، وما طلب العير إِلا سفساف أَمر ، وأَين هى من إِعلاءِ الحق { وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ } يستأصلهم ، فإِذا قطعت ما لاقاك من الشئ حتى قطعت ما كان منه آخراً فقد عممته بالقطع ، ولا يصل إِلى قطع آخر الشئ المستقبل إِليك وقد قطعت أَوله ، وصوره أَيضاً مدبراً فاتصلت بآخره وأَهلكته فأَوله هنالك أَيضاً بفراره لأَنه انهزام .