Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 121-122)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلاَ يُنْفِقُونَ } على أَنفسهم أَو غيرهم فى سبيل الله { نَفَقَةً صَغِيرَةً } كتمرة وشسع نعل وعلاقة سيف وعلاقة سوط وسهم ( وَلاَ كَبِيرَةً ) كما أَنفق عثمان أَلف دينار وأَلف بعير وغير ذلك فى غزوة العسرة { وَلاَ يَقْطَعُونَ } بالسير { وَادِياً } ما من الأَودية وهو ما بين الجبلين تمر فيه السيول ، وما حفر السيل هو بطن الوادى وما لم يحفر هو ظاهر الوادى ، وهو فى الأَصل اسم فاعل ، ودى الشىء بمعنى سال أَو وداه أَى أَوصله ، والمراد هنا مطلق الأَرض حقيقة عرفية أَو اصطلاحية ولا فاعل يجمع على أَفعلة إِلا وادٍ وناج ونادٍ { إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ } ما ذكر من الإِنفاق { لِيَجْزِيَهُمُ الله } بذلك { أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } أَى جزاء مثل جزاءِ أَحسن أَعمالهم ، أَو أَحسن جزاءِ أَعمالهم سبعمائِة فصاعدا ، فأحسن فى الآية إِما نفس العمل وبقدر مضار قبله أَى جزاءَ العمل الذى هو أَحسن الأَعمال وإِما الجزاءُ فيقدر مضاف بعده أَى أَحسن جزاءِ أَعمالهم ، والعمل الأَحسن هو الواجب المؤدى تأْدية مجودة . ولما بالغ فى كشف عيوب المنافقين ، وقال { ما كان لأَهل المدينة } إِلخ قال المسلمون والله لا نتخلف عن غزوة ولا عن سرية يبعثها . فنزل : { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا } إِلى الجهاد { كَافَّةً } فيبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَو يخرج معهم فلا يبقى إِلا من هو ضعيف فتبقى المدينة بلا حرس ، وذلك إِجبار بمعنى النهى أَى لا ينفروا كافة ، أَو إِخبار باق أَى ما كان فى دين الله ، أَو كان بمعنى يستقيم مجازا لا ينفروا كافة ولا يقعدوا كافة ، وهكذا الإِسلام بين إِفراط وتفريط { فَلَوْلاَ } حرف تحضيض { نَفَرَ } بمعنى ينفر أَو حرف توبيخ بالماضى على ظاهره ، وهذا على أَنه قد صدر منهم النفار جميعاً فى كل سرية كما حلفوا ، ولو ردهم عن النفار { مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ } قبيلة { مِنْهُمْ طَائِفَةٌ } جماعة فقط اثنان أَو ثلاثة فصاعدا ، وقد تطلق طائِفة على واحد ، ويليق هذا أَيضاً فى بعض الأَحيان إِذا أَراد الفتنة ، وربما بعث أَربعة فصاعدا أَو مر كلام فى ذلك ، وفى بعض القول السرية ما زاد على المائِة إِلى خمس مِائَة ، وما زاد عليها إِلى ثمانمائَةٍ منسر بكسر السين وما زاد إِلى أَربعة آلاف جيش ، وما زاد جحفل ، وسراياه بلا خروج منه سبع وأَربعون ، وغزواته التى خرج فيها سبع وعشرون ، قاتل فى ثمانين منها . { لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ } من قعد لسماعه ومن خرج لأَنه يعلمه القاعد ما سمع ، والمعنى ليعالجا معرفة مسائِل الدين والعمل بها ، ولا شك أَن المراد ما يشمل المواعظ ونحو الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحو النكاح والبيوع والطلاق واللعان والإِجارات والقضاء { وَلِيُنْذِرُوا } بمعنى لينذر من قعد { قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا } أَى القوم الخارجون { إِلَيْهِمْ } إِلى القاعدين ، وفى ذلك تفكيك الضمائر إِن رجعنا واو يتفقهوا إِلى الكل و واو ينذروا للقاعدين كهاءِ إِليهم ، وإِن رجعنا ضمير ليتفقهوا للقاعدين وضمير لينذروا لهم أَيضاً لم يكن تفكيك ، وفى هذا مخالفة ما يتبادر من أَن النفار إِلى الغزو بأَن نجعل النفار إلى التعلم . والسياق وسبب النزول أَنه إِلى الجهاد ، فنقول وما كان المؤمنون لينفروا إِلى التعلم كافة ، وقدر بعض لولا نفر من كل فرقة طائِفة وأَقام طائِفة ليتفقهوا ، ولم يقل وليعلموا قومهم إِذا رجعوا إِليهم لعلهم يفقهون ، كما هو مناسب لما قبله ، لأَنه يلزم المعلم الإِرشاد والإِنذار ، وغرض المتعلم اكتساب الخشية لا التبسيط والاستكبار وطلب العلم لذات العلم ، فالآية كالنص فى أَنه يجوز التعلم لأَجل التعليم إِذا كان إِخلاص ، فإِن الصحابة لما سمعوا تعلموا ليعلموا من خرج ، وقد يجعل لينفروا بمعنى لينفروا إِلى أَمر الدين مطلقاً الغزو والتعلم ولا سيما أَن التعلم والتعليم باللسان كجهاد السيف ، فلولا نفر من كل فرقة إلى ما يليق بها من تعلم أَو غزو ليكون فى المجموع التفقه فى الدين والإِنذار ، ولا تفكيك على هذا ، وفى التعبير بالنفر التحضيض على الغزو ونحوه بسرعة ، ولم يذكر التبشير لأَن الأَهم الإِنذار ، وعدم التبشير لا يحل بالتكليف ولا يفرق بعدمه فى أَداءِ الغرض ، والقلوب القاسية أَليق بالإِنذار ، وقد يقدر محذوف هكذا : وليبشروهم ويخبروهم بمطلق ما نزل ، فيقدر على هذا فى قوله { لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } محذوف أَيضاً ، أَى يحذرون ويتباشرون ويسمعون مطلق ما نزل ، لأَن الوحى لا ينحصر فى إِنذار وتبشير ، روى أَن ناساً من أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا فى البوادى فأَصابوا معروفاً من الناس وما ينفعهم من الخصم ، ودعوا من لاقوه إِلى الهدى ، فقيل لهم تركتم أَصحابكم وجئْتمونا فتخرجوا فرجعوا كلهم ودخلوا على النبى صلى الله عليه وسلم فنزل { وما كان المؤمنون } أَى لولا خرج بعض وقعد بعض ، وفى الآية أَن خبر الواحد الأَمين حجة ؛ فإِن كل واحد ينذر غيره لا يشترط أَن يكون معه آخر أَو إِثنان ، والآحاج يطلق فى عرف الأُصول على ما دون التواتر ولو اثنين أَو ثلاثة …