Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 12-13)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِن نَّكَثُوا } نقضوا ، وهو الجواب معطوفان على قوله إِن تابوا إِلى قوله فإِخوانكم فى الدين ، قابل الشرط والجواب بالشرط والجواب { أَيْمَانَهُمْ } جمع يمين بمعنى الحلف { مِّنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ } يتقدم العهد ويعقبه الحلف على أَن يستمر العهد ، ونقض اليمين نقض للعهد ، فمن متعلقة بنقضوا ، أَو بمحذوف حال من أَيمانهم ، ويجوز أَن يفسر الأَيمان بالتوثيقات مطلقاً ، أَى توثيق ولو غير حلف مما يؤكد به العهد ، والكلام على ظاهره ، فإِنهم إِنما يسمون ناكثين إِذا نقضوا العهد بالنطق أَو بالقتال ، أَو الإِعانة عليه ، ولا يعد بقاؤهم على الكفر نكثاً ، ولا حاجة إِلى قول بعض ، أَخرجوا ما فى ضمائرهم من القوة إِلى الفعل . ولا إِلى قوله استمروا على ما هم عليه من النكث إِلا إِن كانت الاية نزلت بعد النكث ، وقيل نكثوا : ارتدوا { وَطَعَنُوا فِى دِينكُمْ } بصريح الكلام ، مثل أَن يقولوا محمد كاذب ، وبتقبيح الأَحكام ، فمن هذا تعلم أَنهم عاهدوا علىأَلا يصرحوا بالطعن بعد ذكر النكث مع أَن النكث كاف فى إِباحة القتل ، وإِيجابه تحريضاً للمؤمنين على قتالهم ، ويجوز أَن يكون طعنوا تفسيرا لنكثوا ، وكذلك يقاتل الخارجون عن الإِمام العادل كما قاتل على معاوية إِلى أَن احتال داهية العرب عمرو بن العاص لمعاوية بأَنه ينادى : كتاب الله بيننا ، وتدفع المصاحف على الرماح ، فإِما أَن يترك الناس القتال وإِما أَن يفترقوا فنجد الراحة فى افتراقهم ، ولم يفارق الإِباضية الوهبية عليا ، وما زالوا يحضونه على قتال معاوية حتى أَسقط اسم خلافته فأَيسوا منه ، فاعتزلوا عنه ، فقال : لا بأس عليكم ، لستم لى ولا علىَّ ، وما زال به الأَشعت بن قيس حتى قاتلهم ، ومن نسب إِلى الإِباضية الوهبية أَنهم قالوا : أَجب إِلى التحاكم بينك وبين معاوية وإِلا كنا معه عليك فقد أَخطأَ فيهم وبهتهم { فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ } مقتضى الظاهر قاتلوهم ، ووضع الظاهر موضع المضمر ليصف كفار قريش بأَنهم أَئمة فى الكفر خاصتهم وعامتهم ، لأَنهم ابتدأوا الكفر قبل اليهود وسائر المشركين ، وهم أَقبح كفرة ، إِلا أَنه صلى الله عليه وسلم فيهم ومنهم ، يشاهدون صدقه فى سائر أَحواله قبل النبوة وبعدها ويشاهدون معجزاته ، ويجوز أَن يكون أَئمة الكفر رؤساءَ المشركين كأَبى سفيان قبل أَن يسلم والحارث بن هشام ، ويبعد ما قيل فارس والروم ، فإِن الكلام فى غيرهم لأَنه لا عهد لهم نكثوه قبل الآية ، وعن حذيفة : ما قوتل أَهل هذه الآية بعد ، لا تؤخروا قتالهم أَو تتركوه طمعاً فى أَن يسلموا فتسلم العامة كما لاين رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساهم بالتقديم طمعاً فى ذلك فنهاه الله عز وجل بقوله { عبس وتولى أَن جاءَه الأَعمى } [ عبس : 1 ] … إِلخ … وقوله { ولا تطرد الذين يدعون ربهم … } [ الأَنعام : 52 ] الآية ، بل هم أَهم فى القتل وأَحق به ، وأَيضاً قتلهم قتل لرعيتهم ، وأَدعى لها إِلى الإِذعان { إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ } أَيمانهم محققة لكنها كلا أَيمان لأَنهم يحنثون بالنقض ، وما دخلوها إِلا على الغدر بحسب ما يمكنهم ، ولا يوفون بها ، وكأَنها لم تكن ، وإِذا حلف مشرك وحنث بعد إِسلامه لزمته الكفارة لأَن أَيمانهم محققة كما يدل له قوله عز وجل " وإِن نكثوا " فإِنه إِنما ينكث ما عقد أَو أَبرم لا كما قالت الحنفية : ليست يميناً محققة تمسكاً بقوله " لا أَيمان لهم " حتى أنه لا كفارة بالحنث بعد الإِسلام ، الجواب أَن المعنى أَنه لا أَيمان معتبرة لهم لأَنهم لا دين لهم صحيح يردهم عن نقضها ، وإِن حنثوا قبل الإِسلام فلا كفارة . وقيل : الآية إِخبار عن قوم لا يحلفون لكم لشدة قسوة قلوبهم ، وقد قيل محققة ولا حنث على أَن الإِسلام يقطعها ، ومعنى لا أَيمان لهم كل واحد لا يمين له { لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ } عائد إِلى قوله " قاتلوا أَئمة الكفر " وكأَنه تعليل ، أَى قاتلوهم لينتهوا عما هم عليه لا للانتصار لأَنفسكم ، أَو لمطلق الإِضرار بهم ، والآية دليل على أَن الذمى إِذا طعن فى الإِسلام فقد نقض العهد فيقتل ، وإِن شتم النبى صلى الله عليه وسلم قتل على الصحيح ، وهو مذهبنا ومذهب مالك والشافعى والليث ، وقال الحنفية أَنه يعزر ولا يقتل ، وكذا قال النووى من الشافعية وإِن شتمه موحد قتل ، وإِن تاب عزر عندنا ، وقال الحنفية : يقتل حدا ولو تاب كالزانى يرجم ولو تاب وزاد حصنّا على القتال بقوله : { أَلاَ تُقَاتِلُونَ قوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ } حلفاتهم أَو عهودهم وإِلا للتحضيض على قتالهم والتوبيخ على تركه وترك ما قد يكون فيهم أَو فى بعضهم من كسل ، كيف لا تقاتلونهم وقد نقضوا العهد وقتلوا الحلفاءَ الآن ، وهمهم بإِخراج الرسول من قبل وتضييقهم عليه حتى خرج إِخراج له ، وذلك ثلاثة أَفعال كل فعل يستوجب قتالهم وحده فكيف وقد اجتمعن ، وضعف القول أَنهم آمنوا ثم نكثوا بالردة ، وقيل : الآية ترغيب فى فتح مكة ، واعتراض بأَن السورة نزلت بعد الفتح ، وأُجيب بأَن أَولها بعد الفتح وهذه قبله { وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ } من مكة لما تشاوروا فى دار الندوة ، { وإِذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أَو يقتلوك أَو يخرجوك } [ الأَنفال : 30 ] ودار الندوة دار الاجتماع للتحدث بناها قصى وهى مقام الحنفية الآن ، ولم يذكر هنا الإِثبات وهو الحبس مثلا ولا القتل ، بل ذكر الإِخراج فقط ، لأَنه الواقع { وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مرَّةٍ } بالنقض وبقتال حلفائكم ، وهم خزاعة ، قاتلهم بنو بكر وأَعانهم بالسلاح قريش ، والإِعانة على القتال قتال مجازاً ، أَو قاتل بعض منهم أَيضاً ، وذلك قول الأَكثرين أَنهم بدءوا بقتال خزاعة ، أَو بدءوكم يوم بدر ولما بلغهم سلامة العير قالوا : لا نبرح حتى نقتل محمداً وأَصحابه . أَو بدءوكم بإِنكار ما جاءَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالعداوة عليه ، وذلك حين كان بمكة وبعد ذلك ، والمأْمور بقتالهم الناكثون وقريش ، واعترض بأَن ما وقع فى دار الندوة هو الهم بالإِخراج أَو الحبس أَو القتل ، والذى استقروا عليه القتل ، وأَجيب بأَن الإِخراج مترتب على اهتمامهم من الله تعالى وما عداه لغو ، فخص بالذكر لأَنه المقتضى للتحريض ولم يظهر لغيره أَثر ، وقيل تنبيه بالأَدنى على الأَعلى ، ولا يقال إِن الحبس أَدنى منه لأَن بقاءَه فى يد عدوه أَشد ، وقيل : الآية فى اليهود إِذ هموا بإِخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة . وقيل : خرجوا مع الأَحزاب ونقضوا العهد ، وهما ضعيفان { أَتَخْشَوْنَهُمْ } أَتخافون أَن ينالوكم بسوء فتتركون قتالهم وهو إِنكار للياقة ذلك ، وتوبيخ على ما كان منه إِن كان ، والحاصل انتفاء صحة ذلك شرعاً وهو أَيضاً متضمن للنهى عن الخشية ولذلك صح تعليله بقوله { فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ } كأَنه قيل : لا تجوز خشيتهم لأَن الله أَحق أَن تخشوه ، أَى الله أَحق بالخشية فاقتصروا على ما هو الأَحق ولو ظهر لكم أَنهم حقيقون بأَن تحشوهم والمقام للاختصاص فهو حصر ، وقد يقال : الحصر من حذف المتعلق للعموم وكأَنه قيل : أَحق من كل شئ ، فيختص به لأَنه بلا خشية لسواه ، وهذا ضعيف لأَن المقام للتفضيل على المشركين المتكلم فيهم ، ولكن معنى الحصر لا بد معتبراً ، والمعنى : فالله وحده حقيق بالخشية ، وذلك بابتغاء إِعلاء دينه وعبادته وقتال أَعدائه ، وبالخوف من بأْسه ، وعن ابن عباس : الآية ترغيب فى فتح مكة ، وهو مشكل لأَن براءَة بعد فتحها ، والجواب بأَن أَولها نزل قبل الفتح تكلف يحتاج إِلى حجة ، ومصدر تخشوه بدل اشتمال من لفظ الجلالة ، أَو مبتدأ ثان ، وأَحق خبره ، والجملة خبر الأَول ، أَو فاعل لأَحق بناء على جواز رفع اسم التفضيل الظاهر ولو فى غير مسأَلة الكحل إِذا خرج عن التفضيل وعلى لغة جوازه بلا شرط ، أَو يقدر بالباء أَى أَحق بالخشية ، وتقدير الباء أَولى لظهور المعنى ، وحذف الجار قبل أَن وإِن كثير شائع إِذا أَمن اللبس ، وفى غير هذا الوجه ضعف ، والحق أَن أَحق وأَن تخشوه على تقدير الباء متعلقة به ، أَى أَحق بالخشية كما مر أَولا { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } به فإِنه لا ضار ولا نافع سواه ، ومن خاف الله عز وجل خاف منه كل شئ ، ومن خاف غيره خاف كل شئ . وسلط عليه ، وإِن لم تقاتلوهم فلستم بمؤمنين فإِن الإِيمان يقتضى قتالهم .