Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 24-25)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاءُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ } أَقرباؤكم ، مأخوذ من العشرة لأَنها جماعة ترجع إِلى العقد عشرة فصاعدا وهى كاملة ، والعشرة عقد كامل ، ويجوز أَن يكون من معنى المعاشرة فيصدق ولو على أَقل من عشرة ، وقيل : العشيرة الأَهل الأَدنون ، وقيل : القرابة الذين يكثر بهم ولو أَقل من عشرة ، { وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا } اكتسبتموها { وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا } عدم أَن تسام أَو تساوم بنجس { وَمَسَاكِنَ تَرْضَوْنَهَا } حسنة معجبة لكم لم تسمح نفوسكم بفراقها { أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ ورَسُولِهِ } فلم تتركوهم لأَجل الله ، أَو رجعتم إِلى مكة مرتدين { وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِ } قال صلى الله عليه وسلم : " لا يطعم أَحدكم طعم الإِيمان حتى يحب فى الله تعالى ، ويبغض فى الله تعالى " حتى يحب فى الله سبحانه أَبعد الناس ، ويبغض فى الله عز وجل أَقرب الناس { فَتَرَبَّصُوا } تمهلوا ، وهو أَمر تهديد كقوله عز وجل { ومن شاءَ فليكفر } [ الكهف : 29 ] أَى ابقوا على الكفر ، ولا حاجة إِلى تضمين معنى انتظر ، وتقدير المفعول أَى : انتظروا عذاب الله ، وقد أَغنى عن ذلك قوله تعالى { حَتَّى يَأْتِىَ اللهُ بِأَمْرِهِ } أَى عذابه عاجلا أَو آجلا ، دنيويا أَو أُخرويا ، أَو فتح مكة كما هو رواية عن ابن عباس ومجاهد ، وفيه أَن السورة بعد فتحها إِلا على ما مر من أَن أَولها قبله ، أَو الآية قبله ، وقل من لا يختار هؤلاءِ عند الله ورسوله ، وقل من يختار ما لله عما له { وَاللهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } هذا وعيد ثان لمن استمر على اختيار ذلك عن الله ورسوله وجهاد فى سبيله ، والأَول " تربصوا حتى يأتى الله بأَمره " فتبين أَن المراد بالحب الحب الذى يتسبب فى حصوله أَو الاسترسال فيما كان منه بالطبع دون علاج انتفائه ، ومطلق الحب طبيعى ، وإِنما يعاقب على الكسبى بتعاطى أَسباب حصوله أَو الاسترسال فى الطبيعى ، وسلاهم عن مفارقة من صعبت عليهم مفارقته وذكرهم نعمه بقوله : { لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللهُ } على أَعدائكم { فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ } فى ثمانين غزوة ، حضر صلى الله عليه وسلم بعضها دون بعض ، ومن عد أَقل من الثمانين اقتصر على المشاهير كغزوة بدر وغزوة أُحد ، وغزوة قريظة وغزوة النضير وفتح مكة . نذر المتوكل بمال كثير إِن شفاه الله تعالى ، فشفاه فسأَل العلماءَ عن الكثير فاختلفوا عليه فقيل : اسأَل أَبا الحسن على بن محمد بن على بن محمد بن على بن موسى الكاظم ، وهو من ذرية على وفاطمة ، وهو محبوس فى داره ، فكتب إِليه فأَجابه فى كتاب بأَن يتصدق بثمانين درهما ، ثم سأَلوه عن وجه ذلك ، فقال : عددنا تلك المواطن فبلغت ثمانين ، والمراد ما يشمل السرايا والبعوث ، وقيل : جميع ذلك سبعون ، وفى البخارى ومسلم من حديث زيد بن أَرقم : كانت غزواته صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة ، زاد بريدة فى حديثه : قاتل فى ثمان منها . والموطن اسم مكان الإِقامة أَو زمانها أَو مصدر ، وضعف الزمان بعض ، فالمعنى فى أَماكن الحرب أَو أَزمنة الحرب أَو إِقامات الحرب التى أَقمتموها للحرب ، والأَول أَولى ، ويدل على أَن المواطن للحرب قوله { إِذ أَعجبتكم كثرتكم } إِلخ … { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ } ذكر للخاص بعد العام وهو منصوب بنصركم محذوف ، أَو عطف على مواطن إِن جعلناه بمعنى أَزمنة الحرب ، وإِن جعلناه أَمكنة قدرنا اذكر يوم حنين ، إِذ لا يعطف الزمان على المكان ولا المكان على الزمان ، لا يقال : جلست فى المسجد ويوم الجمعة ، ولا جلست يوم الجمعة وفى المسجد ، بل يسقط العاطف لأَن المتعلق يصلهما بلا عطف ، وأَجاز أَبو على الفارسى العطف فيها ، وكرهه بعض ، والأَقوال فى عطف الزمان أَو المكان على المصدر أَيضا ، وهذا غير المصدر ، ولا يصح تقدير مضاف هكذا ، وموطن يوم حنين على قصد المكان فى الموضعين لأَنه إِن قدر موطن منصوب على الظرفية فكيف ينصب على الظرفية وعامله من غير لفظه ومعناه ، وهذا على المشهور ممنوع ، وإِن قدر فى موطن يوم فكيف حذف المضاف المجرور مع الجار ، وينصب المضاف إِليه ، وإِن قدر المضاف أَولا . أَى فى أَزمنة مواطن صرنا فى التقدير قبل الحاجة . وحنين واد إِلى جنب ذى المجاز على ثمانية عشر ميلا بين مكة والطائف ، وعبارة بعض بضع عشر ميلا ، ومن قال ثلاثة أَميال اعتبر طرفه التالى لمكة { إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ } إِذ بدل من يوم بدل شئ من شئ لا بدل اشتمال كما قيل ، ولا مانع من عطف مقيد على مطلق وذلك أَن يوم معطوف على ما قبله ، وهو مقيد بالكثرة والإِعجاب ، ولا كثرة وإِعجابا فى المواطن الكثيرة نحو أَكرم عمراً وزيدا إِذا جاع ، أَو عمرًا وزيدا الجائع { فَلَمْ تُغْنِ } تدفع { عَنْكُمْ شَيْئًا } من الضر ، أَو لم تغن عنكم غناء ، روى أَن صحابيا وهو سلامة بن سلامة بن رقيش . أَرسله صلى الله عليه وسلم جاسوسا فسمع أَميرهم مالك بن غوث يقول : ما اجتمع اليوم أَربعة فى شئ إِلا فرج إِليه ، فأَخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، وقال : " والله لن يغلبنا عدونا من قلة ، وإِن غلبونا فلغير القلة ، لأَنا كثيرون ، وكره النبى صلى الله عليه وسلم قوله وخاف منه إِذ فيه الاعتماد على الكثرة ، وقال سعيد بن جبير : قاله الصديق . وأَبعد منه قول من قال إِنه قاله النبى صلى الله عليه وسلم لأَنه أَبعد الناس عن هذا ، لكن ربما يخطر بباله أَو ببال الصديق كما هو شأن البشر لحظة فيغفل عن نفسه ، فكان العقاب بالانهزام ، ولله أَن يفعل ما يشاء ، كما له أَن يفعل ذلك بقول سلمة ، بل لعل فى قلوب الصحابة ذلك ولو لم ينطقوا به ، أَو فى قلوب أَكثرهم أَو قليل فأَراد الله عز وجل أَن يبين لهم بالمشاهدة ، أَن الغلبة بالله لا بالكثرة ، وروى أَنه صلى الله عليه وسلم قال : " خير الأَصحاب أَربعة وخير السرايا أَربعمائة ، وخير الجيوش أَربعة آلاف ، ولا تغلب اثنا عشر أَلفا من قلة " ، وإِنما قال ذلك لأَن قوله لا ينافى توكله ، وكانوا اثنى عشر أَلفا ، أَلفان من أَهل مكة وما يليها الذين أَسلموا ، وعشرة آلاف من المهاجرين والأَنصار من المدينة ما يليها ومن التحق بهم فى الطريق ، وقيل ستة عشر أَلفا ، وعليه عطاء ، وقال الكلبى : عشرة آلاف ، ويجمع أَنهم أَولا عشرة آلاف ثم تلاحق الناس فتح مكة فى رمضان عام ثمانية ، وغزا غزوة حنين فى أَواخر رمضان ، وأَوائل شوال المتصل به ، والمشركون أَربعة آلاف ، وقيل أَكثر من عشرين أَلفا ، وقتل منهم سبعون ومن المسلمين أَربعة { وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ } أَرض القتال كأَنكم لم تجدوا منها موقفا فهربتم لشدة الرعب إِلى غيرها حتى وصل بعض منهزميكم مكة { بِمَا رَحُبَتْ } ما مصدرية والباء بمعنى مع أ َى ضاقت مع سعتها ، وذلك كناية عن كونهم مغلوبين ، أَو شبه أَرض الغلبة عليهم بأَرض الضيق بجامع عدم انشراح الصدر فيها بالوسع وبوقوع الهم { ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ } أَى توليتم فهو لازم بمعنى أَعرضتم ، ولا حاجة إِلى إِبقائه على التعدية ، وعليها يقدر وليتموهم أَدباركم فالهاء مفعول أَول أَو ثان أَى جعلتم أَدباركم تالية لهم ، أَو جعلتموهم تالين أَدباركم كقوله تعالى { فلا تولَّوهم الأَدبار } [ الأَنفال : 15 ] وذلك أَن أَخفاء من الناس لما رأَوا كثرة المسلمين سارعوا وهم شبان لا لباس لهم مما يمنع النبل فرشقهم قوم حداق بالنبل فانهزموا ، ولم يبق معه صلى الله عليه وسلم إِلا عمه العباس وابن عمه أَبو سفيان بن الحارث ، والحارث قيل هو أَكبر أَعمامه وأَبو سفيان هذا آخذ بلجام بغلته ، وقيل : العباس ، وقيل : بقى معه العباس وأَبو سفيان ابن الحارث وعلى ابن أَبى طالب ، وفى مسلم عن العباس بن عبد المطلب : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أَنا وأَبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم نفارقه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاءَ أَهداها له صلى الله عليه وسلم فروة بن نفاثة الجذامى ، وليس هذا فى البخارى ، ويروى أَن معه عمه العباس وابن عمه أَبا سفيان بن الحارث وابنه جعفر ، وعلى بن أَبى طالب وربيعة بن الحارث والفضل بن العباس وأسامة بن زيد وأَيمن بن عبيد ، وقاتل رضى الله عنه بين يديه صلى الله عليه وسلم ، وهؤلاء كلهم من أَهل بيته وهذه مكرمة عظيمة : @ تلك المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فصارا بعد أَبوالا @@ وثبت معه أَبو بكر وعمر رضى الله عنهما فهم عشرة قال العباس : @ نصرنا رسول الله فى الحرب تسعة وقد فر من قد فر منهم واقشعوا وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه بما مسه فى الله لا يتوجع @@ وقيل مائة وثلاثون من المهاجرين ، وسبعة وستون من الأَنصار ، ويجمع بأَن العباس وأَبا سفيان وعليا ثبتوا معه ، والباقين بعدوا عنه قليلا ولم يفروا ، وإِنما أَسلم أَبو سفيان وخلص إِسلام العباس يوم الفتح ، وحضر صلى الله عليه وسلم الحرب ببغلته لشجاعته ، إِذ لا تصلح للكر والفر ، وكان يواجهها إِلى جهة العدو وتزول الجبال ولا يزول . وقال للعباس : صح بالناس . وكان يسمع من ثمانية أَميال . فنادى : يا عباد الله ، يا أَصحاب الشجرة ، سورة البقرة ، وأَراد بأَصحاب الشجرة أَهل الحديبية { لقد رضى الله عن المؤمنين إِذ يبايعونك تحت الشجرة } [ الفتح : 18 ] وبأَصحاب البقرة المؤمنين فى قوله تعالى { آمن الرسول بما أنزل إِليه من ربه والمؤمنون } [ البقرة : 285 ] وقيل : الحافظين لسورة البقرة ، وكانوا رؤساءَ الصحابة قليلين ، وهو الصحيح ، هؤلاء تذكيراً للنعمة ، وتلويحاً إِلى أَنه مَنْ هذه صفته لا يليق به الفرار ، والدعوة فى الأَنصار : يا معشر الأَنصار ، يا معشر الأَنصار . ثم خصت الدعوة فى بنى الحارث بن الخزرج : يا بنى الحارث بن الخزرج ، يا بنى الحارث بن الخزرج . ولما نادى أَقبلوا مسرعين بمرة قائلين : لبيك لبيك . فنزلت الملائكة والتقوا مع المشركين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أَلا حين حمى الوطيس " ، أَو هذا حين حمى الوطيس . هو التنور ، أَو المقلى ، كناية عن شدة الحرب ، ولم يقله أَحد قبله ، وفيه تلويح إِلى أَوطاس ، وهو الوادى الذى فيه هو ، والمعنى شدة الحرب ، جمع وطيس كأَيمان ويمين . واستعار لشدة الحرب : حمى الوطيس ، وكان يقول : أَنا النبى لا كذب . أَنا ابن عبد المطلب . اللهم أَنزل نصرك ، وأَخذ صلى الله عليه وسلم كفا من حصباءَ أَو من تراب ، فرماهم بها ، وقال : انهزَموا ورب الكعبة ( بفتح الزاى ) فما أَحد منهم إِلا ملأَ عينيه من التراب . أَخذ القبضة واستقبل وجوههم ، وقال : شاهت الوجوه فرماهم .