Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 34-34)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } ناداهم تحذيرا عن فعل الرهبان والأَحبار من أَكل المال بالباطل ، وتعجيبا من صدهم عن سبيل الله وعدم اتباعهم لكتبهم ، فإياكم ومخالفة كتابكم القرآن ، عاب أَتباعهم باتخاذهم أربابا ، وفيه عيب قبولهم اتخاذ الأَتباع ، وعابهم يأَكل المال باطلاً وبالصد ، وعليهم بالحرص على المال فى قوله { إِنَّ كَثِيراً مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ } وبالحرص على الجاه فى قوله { وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ } يعرضون عن الحق من القرآن وغيره ، ليبقوا فى مراتبهم محترمين آكلين لأَموال غيرهم ، أَو يمنعون غيرهم عن الحق بإلقاء الشبه والخديعة ليبقوا أتباعا لهم ، منتفعين باستخدامهم وأَموالهم ، ومعنى أَكل أَموال الناس بالباطل ، أَخذها بتحريف آيات التوراة والإِنجيل فى وصفه صلى الله عليه وسلم ، وفى بعض الأَحكام وبكتابة من عندهم مع قولهم أَنها من الله جل وعز ، وبالرشوة فى الحكم لا خصوص أَكلها فى البطن ، إلا أَنه خص بالذكر لأَنه المقصود الأَعظم فى المال ، والأَكل سبب للأَخذ والتملك وملزوم لهما ، ويجوز العكس ، وهو أَن الأَخذ والتملك مسببان للأَكل ولا زمان له ، أَو المراد بالأَموال الأَطعمة ، أو الأَكل استعارة للأَخذ ، شبه مبالغتهم فى الأَخذ بلا تمييز للباطل منه ، بالمبالغة فى الأَكل بلا تمييز طعام من طعام لشدة الجوع ، لا يقال ببرودة هذه الاستعارة لأنه لا ذكر فى الآية للمبالغة ، لأَنا نقول ذكرت بذكر الباطل ، وليس معنى كثيراً أَكثر بحسب اللغة ، بل يعم النصف وأَكثر وأَقل ، ولو كان الواقع فى الصد والأَكل هو أَكثرهم ، وقل من لم يفعل ذلك منهم على عهده صلى الله عليه وسلم أَو قبله . { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ } من الأَحبار أَو من أَهل الكتاب أَو من المؤمنين أَو من الكل ، وهو أَولى ، وخص الذهب والفضة بالذكر لأَنهما أَعظم . قيل : ولأَنهما الأَصل الغالب فى الأَموال ، وإلا فحكم النحاس المضروب سكة حكمها ، وكذا كل مال تلزم فيه الزكاة أَو النفقة ولا تخرج ، روى أَبو داود عن ابن عباس أَنه لما نزلت الآية كبرت على المسلمين ، فقال عمر : أَنا أُفرج عنكم ، فانطلق فقال : يا رسول الله ، إنه كبر على أَصحابك هذه الآية ، فقال : " إِن الله لم يفرض الزكاة إلا لتطييب ما بقى من أَموالكم ، وإنما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم ، فكبر عمر ، ثم قال : أَلاَ أُخبرك بخير ما يكنز المرءُ ؟ المرأَة الصالحة إِذا نظر إليها سرته ، وإِذا أَمرها أطاعته ، وإِذا غاب عنها حفظته " ، وروى الترمذى عن ثوبان : لما نزلت { والذين يكنزون } كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعض أَسفاره ، فقال بعض أَصحابه نزلت فى الذهب والفضة ، فلو علمنا أَى المال خير اتخذناه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أَفضله لسان ذاكر وقلب شاكر وزوج صالحة ، تعين المؤمن على إيمانه " ولفظ الحديث زوجة صالحة بالتاء فى زوجة ، والله لا يقول النبى ذلك إن شاءَ الله تعالى ، وإنما يقول زوج ، وكذا لا يقوله الصحابى ولا نحوه . وهذا مما يقوى ما ذهبت إليه ، من أَنه لا يكون الحديث حجة في النحو ، لأن رواته يغيرونه إلا ما لا يجوز ، أَو يضعف جداً كضعف زوجة بالتاءِ . وضعف مثنى مثنى مرتين ، وضعف قرن خبر كاد بأَن ، ولم أَر حديثا لم يتكرر فيه مثنى ولا خبر كاد لم يقرن فيه بأَن ، وذلك لا يوصف به كلامه صلى الله عليه وسلم ولو فى قليل ، فكيف بالملازمة ، فعلمنا أَن الرواة يحرفون لكنهم حافظوا على المعنى { وَلاَ يُنْفِقُونَها } أَفرد الضمير للتأْويل بالعين أَو بالورق وهو شامل للذهب والفضة أَو بالدنانير والدراهم والأَموال { فِى سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } كنز المال جمعه وإبقاؤه بدفن أَو بلا دفن ، فذكر عدم الإِنفاق زيادة بيان أَو استعمل الكنز بمعنى الجمع تجريدا عن بعض معناه ، وذكر البعض بقوله : ولا ينفقونها فى الزكاة والجهاد وأَنواع البر ، وذلك فى أَهل الكتاب ، وصفهم بالحرص فى جمع المال ، ثم بالشح ونادى المسلمين تنبيها عن أَن يفعلوا فعلهم . كما قال معاوية . أَو فى الموحدين المانعين للزكاة ، قرنهم بأَهل الكتاب والأَشحاءِ الفاعلين لمثل ذلك ، كما قال ابن عباس ، أَو فى الفريقين جميعا كما قال أَبو ذر ، ولما نزلت أَتى عمر النبى صلى الله عليه وسلم فيها ، وقد اشتدت عليه وعلى المسلمين فقال له إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقى من أَموالكم ، فإِذا أَخرجنا الزكاة حل الباقى ، ولو ملأَ السماوات والأَرضين ، وقصة عمر هذه لا تتعين فى نزولها فى الموحدين ، ولو قيل به لأَنها إنما نزلت فينا وفى أَهل الكتاب ، فقد عمت أَيضا ، وإِن نزلت فيهم فقد حذرنا الله أَن نكون مثلهم ، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " ما أَدى زكاته فليس بكنز " ، رواه ابن عمر ، وعن ابن عمر : ما أُديت زكاته فليس بكنز وإِن كان تحت سبع أَرضين ، وما لم تؤد زكاته ، فهو الذى ذكر الله ولو كان على ظهر الأَرض ، والتغى بقوله : وإِن كان تحت سبع أَرضين معتبر بالإِخفاءِ لا بالكثرة ، كما هو ظاهر ، وكما دل له قوله : ولو كان على ظهر الأَرض ، أَى غيرخفى ، والمراد ليس بكنز موعود عليه فقال صلى الله عليه وسلم : " من ترك صفراءَ أَو بيضاءَ كوى بها " ، يعنى تركها بلا زكاة ، " ووجد فى إِزار رجل من أهل الصفة دينار ، فقال صلى الله عليه وسلم : كية . وفى إزار رجل آخر ديناران فقال : كيتان " ، وذلك قبل أَن تفرض الزكاة ، أَو أَظهرا الفقر ولهما ذلك . وروى أَن أَبا ذر رضى الله عنه أَوجب على الناس أَن لا يدخروا دينارا ولا درهما ، ولو بعد الزكاة وأَداءِ سائر الحقوق ، فأَنكر الناس عليه كلهم بالأَحاديث وآيات المواريث . وعابوه على ذلك . فإن صح عنه فذلك هفوة منه ، غفرها الله تعالى له ، لا يوجد من لا يهفو ، فقيل إن عثمان خاف أَن يتبع فى ذلك فنفاه إلى الربذة ، وقيل اختار العزلة فاستشار عثمان فأَمره بالذهاب إليها . ونسب الرواة أَن لأَبى ذر حدة ، وأَن كعب الأَحبار رضى الله عنه نهاه عن ذلك ، فقال : ليس هذا فى اليهودية التى هى أَضيق الشرائع ، وكيف يكون فى الملة السمحة ، وإنه قال له : ليست المسأَلة من ذلك يا يهودى ، وتبعه بالعصا حتى أَوصله عثمان فكفه عنه ، فقيل : ضربه ووقعت العصا على عثمان ، قلت : لا يصح عنه أن يقول له يا يهودى معايرة له بنسبه ولا بما تاب منه ، وإن صح فما هو إلا قد تاب ، لأَنه صلى الله عليه وسلم قال إِنه من أَهل الجنة ، والذين معطوف على كثير ، والفاء تفريع أَو منصوب على الاشتغال أَو مبتدأُ والفاءُ صلة أَو تشبيه المشروط باسم الشرط ، وفى الأَخير الإِخبار بالصلب وسائر أَموال الزكاة فى حكم الذهب والفضة وخصهما بالذكر لأَنهما أَعظم ولأَنهما أَسهل للإِخفاءِ والتبشير استعارة تهكمية لعلاقة التضاد ، أَو مجاز مرسل لعلاقة الإِطلاق والتقييد .