Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 36-36)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ عَدَّةَ الشُّهُورِ } أَى العربية القمرية { عِنْدَ اللهِ } أَى فى حكمه أَو علمه أَو اللوح المحفوظ ، وقيل القرآن لهذه الآية نفسها ، وقيل لأَن فيه آيات على الحساب ومنازل القمر لا ابتداع الناس ، فكيف يغيرونها بالنسىءِ ، كما جعل الأَيام سبعة . وإلا فالشهور والأَيام فى أَنفسها متماثلة لا حصر لها ، هى سيالة لا يحدها حد بخلاف شهور الشمس ، فإِنها تعد بقطع الفلك إِلى موضع ابتدأَت منه ، إِلا أَن الله جل وعلا قرب العربية إِليها ، وبنى عليها إِذ حدث وزاد بعشرة أَيام أَو أَحد عشر تقريباً ، وبهذه الزيادة تنتقل الشهور القمرية فى الشمسية فيكون رمضان مثلا تارة في يناير وتارة في فبراير وهكذا ، أَو أَمرهم الله من زمان إِبراهيم بناءَ العبادات على القمرية ، واعتبروا الشمسية لمصالح دنياهم فذمهم الله ، إِذ أَخروا حرمة شهر إِلى آخر وذكر قول عند الله لبيان كما قبح النسىءِ وهو متعلق بعدة . وصح التعلق به مع أَنه بمعنى العدد لأَن الظروف ومعمولات ضعيفة يكفيها أَذى رائحة الحدث ، ويدل على أَنه ليس مصدراً بمعنى العد الإِخبار عنه بقوله { اثْنَا عَشَر شَهْراً } ولو كان فى الأَصل مصدراً مؤكداً لتقدم قوله عدة الشهور ، دفعاً لاحتمال التجوز بالشهور ، بأَن يراد بها السنة . ولو قيل اثنى عشر عاماً أَو يوماً لصح لأَنه قال عند الله كما { وَإِن يوماً عند ربك كأَلف سنة } [ الحج : 47 ] لذلك الدفع قيل غير مؤكد وأَولها المحرم وآخرها ذو الحجة . وهما من عام واحد ، وقيل أَولها رجب فهى من عامين . قال ابن عمر خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع بمنى فى وسط أَيام التشريق فقال " يا أَيها الناس إن الزمان قد استدار ، فهو اليوم كهيئة يوم خلق الله السماوات والأَرض ، وإِن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً منها أَربعة حرم ، أَولهن رجب مضر بين جمادى وشعبان وذو القعدة وذو الحجة والمحرم " ، وقيل أَولها ذو القعدة ، روى البخارى ومسلم : أَلا إِن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأَرض ، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ورجب مضر ، وأُضيف رجب لضر ، لأَن ربيعة كانوا يحرمون رمضان ويسمونه رجبا ، وذلك مبنى على أَن أَول السنة المحرم ، وعرض على عمر تاريخ الأَكاسرة بمن كان غالباً من ملوكهم وتاريخ اليهود واستحسن التاريخ بالهجرة ، وأَرخوا فى أَول الإِسلام بربيع الأَول سنة القدوم ، وبأَول شهر منها ، وهو ربيع الأَول . وأول هلال المحرم فى التاريخ الهجرى ليلة الخميس بالحساب وبالرؤية ليلة الجمعة ، والشهر الحقيقى معتبر برؤية الهلال أَو إِكمال ثلاثين يوماً . والحقيقى معتبر من اجتماع القمر مع الشمس فى نقطة ، وعوده بعد المقارنة إلى ذلك ولا مدخل للخروج من تحت شعاع إِلا فى إِمكان الرؤْية بحسب العادة الشائعة التى عليها الشرع ، ومدة الحقيقى تسعة وعشرون يوماً مائة واحد وتسعون جزءاً من ثلاثمائة وستين جزءًا لليوم وليلته ، فالسنة القمرية ثلاثمائة وأَربعة وخمسون يوماً وخمس يوم وسدسه وثانية ، وذلك أحد عشر جزءًا من ثلاثين جزءًا لليوم وليلته ، وإِذا اجتمع من هذه الأَجزاءِ أكثر من نصف يوم ، عدُّوُه يوماً كاملا وزادوا فى الأَيام وتكون السنة كبيسة وأَيامها ثلاثمائة وخمسة وخمسون يوماً ، واصطلحوا على جعل الاسم شهراً كاملا ، وشهراً ناقصاً ، وهذا هو الشهر الاصطلاحى ، فالمحرم ثلاثون وصفر تسعة وعشرون ، وهكذا ، فالأَفراد ثلاثون وأَولها المحرم والأَزواج تسعة وعشرون ، وأَولها صفر إِلا ذا الحجة من السنة الكبيسة فمن ثلاثين لجعلهم ما زاد فى أَيام السنة الكبيسة فى ذى الحجة آخر السنة ، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة ، إِن ثواب تسعة وعشرين فيهما ثواب ثلاثين أَو لا يكونان فى سنة واحدة من تسعة وعشرين معا غالبا { فِى كِتَابِ اللهِ } اللوح المحفوظ أَو حكمه إِن فسرت عند الله بعلمه ، وهو نعت لشهر أَو اثنى عشر { يَوْمَ خَلق السَّمَاواتِ والأَرْضَ } متعلق بمتعلق فى كتاب أَو نفى كتاب أَو بكتاب بمعنى مكتوب أَو كتابة ، قيل أَو بدل من عند وهو ضعيف لأَن عند للمكان المجازى ، والزمان لا يبدل من المكان ولا المكان من الزمان ، وذلك فىعلم الله وحكمه قبل خلق السماوات والأَرض واللوح ، ولكن الظهور يحصل بخلق السماوات والأَرض { مِنْهَا أَرْبَعةٌ حُرُمٌ } معظمة بالعبادة وتحريم القتال وتضعيف الحسنات والسيئات فيها ، أَو ممنوعة عن القتال : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ، والصحيح نسخ تحريم القتال فيهن ، ويدل له أَنه صلى الله عليه وسلم حاصر الطائف وغزا هوازن فى شوال وذى القعدة ، وقوله عز وجل { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] على ما قيل إِن تعميم الأَمكنة تعميم للأَزمنة { ذَلِكَ } أَى التحريم المعلوم من حرم أَو كون العدة اثنى عشر ، ورجح بأَن المراد الرد على الكفرة فى النسىءِ والزيادة وأَما التحريم فإنها محرمة فى الجاهلية أَيضاً ويترجح أَيضاً الأَول بالتفريع فى قوله تعالى : فلا تظلموا إِلخ { الدِّينُ الْقَيِّمُ } القويم المستقيم دين إِبراهيم وإِسماعيل ، منهما ورثه العرب . ولو كان لا قتال لهما فإنهن محترمات عندهما بالعبادة ، أَو الدين الحكم والقضاء والقيم الدائم ، أَو الدين الحساب المستقيم لا ما تفعله العرب من النسىءِ { فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ } فى الأَربعة الحرم { أَنْفُسَكُمْ } بالذنوب وهتك حرمتهن ، فإِن السيئات تتضاعف فيهن كما تتضاعف الحسنات وهكذا تتضاعف حيث تتضاعف الحسنات من زمان أَو مكان . كذنوب مكة ورمضان أَو الضمير للشهور الاثنى عشر والأَول أَولى لأَنه أَقرب مذكور ، لأَن النهى عن الظلم فى الاثنى عشر يكفى عنه مطلق النهى عن الذنب فى العمر كله ، ويدل له قول عطاءٍ لا يحل للناس الغزو فى المحرم والشهر الحرام ، إِلا أَن يقاتلهم العدو ، إِلا أَن الصحيح نسخ تحريم القتال فيهن كما مر ، فالظلم غير القتال الحلال ، وكان الرجل من العرب يلقى قاتل أَبيه أَو ابنه فلا يضره ولو بإِشارة بلسان أَو عضو ، وسموا رجباً أَصم ومنصل الأَسنة حتى أَحدثوا النسىءَ فغيروا { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً } فى كل زمان وفى كل مكان ، ولو فى الأَشهر الحرم أَو الحرم ، وقد زعم بعض أَن عموم الأَشخاص يستلزم عموم الأَحوال والأَزمنة والأَمكنة وكافة حال ، أَى جميعاً من الفاعل قبله أَو المفعول فى الموضعين ، وهو مصدر كف بوزن اسم الفاعل كما قيل فى العافية والعاقبة ، فإنه إذا تم الجمع لا يتصور أَن يزاد فيه ، والفرض أَنه لم يبق منه شىءٌ خارج . فذلك منع وكف ، وقيل كافة وصف والتاءُ فيه للمبالغة ، والمعنى كافين لهم وكافين لكم ، وقيل معناه جماعة ومن أَسماءِ الجماعة كافة والتاءُ للتأْنيث ، والجماعة المخصوصة تكف غيرها أَن يزاد عليها وتكف عن التعرض لها ، وبشر المسلمين بالنصر مع الحض على التقوى فى قوله تعالى { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } بكل خير بسبب تقواهم دنيا وأُخرى ، وأَخذت العموم من إَطلاق المعية إِذ لم يقل مع المتقين لكذا ، ودخل المخاطبون بالأَولى ، وقيل هم المراد أَى أن الله معكم بالنصر والإِمداد .