Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 41-43)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ انْفِرُوا خِفَافاً } شباباً ونشاطا وركبانا وفقراءَ . إِذ لا يعطلهم المال ، أَو أغنياء إِذ وجدوا ما يسرعون به ومقللين السلاح وغير مشغولين وأَصحاء وعزابا ومتجردين من الأَتباع ومسرعين حال سماع الهيعة بلا تفكر { وَثِقَالاً } عكس ذلك . انفروا على أَى حال ، ثم نسخ عن المرضى والزمنى والعمى ومن لا يقدر . أَو لعدم المال بقوله تعالى : " ليس على الضعفاء " إِلخ . وقيل بقوله " وما كان المؤمنون " إِلخ ، لم يتخلف أبو أَيوب عن غزوة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بعده . فقيل له فقال : استنفر الله الخفيف والثقيل ولا أجدنى إِلا خفيفاً أَو ثقيلاً ، وخرج سعيد بن المسيب وهو أَعور فقيل : إِنك معذور . فقال : استنفر الله الخفيف والثقيل ، فإِن لم يمكننى الحرب كثرت السواد ، وحفظت المتاع ، وقال صفوان بن عمرو والي دمشق لشيخ من أَهل دمشق خرجا على راحلته : إِنك يا عم معذور . فرفع حاجبين وقد سقطا على عينيه فقال : يا ابن أخى استنفرنا الله خفافا وثقالا ، إِلا أَن يبتلى من أَحب ، وقال ابن أُم مكتوم : يا رسول الله علىَّ أَن أَنفر ؟ فقال : نعم ، ما أَنت إِلا خفيف أَو ثقيل ، فتقلد بسلاح ووقف بين يديه ، فأَنزل الله عز وجل " ليس على الأعمى حرج " . { وَجَاهِدُوا بأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ } بما أَمكن بهما أَو بأَحدهما ، وقد قيل الآية على الندب أَو هى من أَول الأَمر فى من أَمكن له القتال { فى سَبِيلِ اللهِ } فى إِعلاءِ دينه { ذِلِكُمْ } أى الجهاد { خَيْرٌ لَكُمْ } نفع وحسن فى الدنيا والآخرة ، وتركه ضر وقبيح ، أَو أَفضل مما تعدونه نفعا وحسنا من عدم الخروج له { إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أَنه خير أَو أَنه من الله ، فبادروا إِليه ، وعاب المتخلفين المنافقين وقرر تثاقلهم فى قوله : { لَوْ كَانَ } أَى الجهاد الذى دعوتهم بقطع النظر عن كونه فى تبوك ، فكأَنه عاد الضمير إِلى الجهاد على طريق التجريد لأَن الجهاد مع فرض أَنه فى تبوك ، لا يتصور أَنه دونها أَو يقدر مضاف ، أَى لو كان بدله { عَرَضاً } نفعا أَى ذا نفع من منافع الدنيا { قَرِيباً } سهل التناول ، شبه سهولة التناول بقرب المكان على التجوز الاستعارى وقرب المكان سبب للسهولة على التجوز الإِرسالى { وَسَفَراً قَاصِداً } ذا سفر قاصد أَى ذا قصد ، كلابن وتامر بمعنى ذى لبن وذى تمر ، فقاصد لنسب أَى متوسطا بين القلة والكثرة يقصده كل أَحد تسمية للمتعلق بالفتح باسم المتعلق بالكسر ، أَو القصد بمعنى التوسط حقيقة لا مجازاً ، وعلى كل حال ليس بمعنى الإِرادة سمى المتوسط بين طرفى الإِفراط والتفريط ذا قصد { لاَتَّبَعُوكَ } إِليه ليأْخذوا العرض القريب من الغنيمة { وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ } منهم أَو لاستعلاءِ للمضرة { الشَّقَّةُ } أَى المسافة التى تقطع بمشقة ، ولذلك سميت بالمشقة ، ومن باب أَولى أَن يتبعوك لو قربت المسافة { وَسَيَحْلِفُونَ } لكم المتخلفون عن اتباعك { بِاللهِ } إِذا رجعت من تبوك ، وهو موضع قرب دمشق فيما قيل ، سمى باسم عين فيه ، وهى العين التى أَمر صلى الله عليه وسلم أَن لا يمسوا منها حتى يأْتى فسبق إِليها رجلان ، وفيها ماء قليل فجعلا يوسعانها بسهم ، فقال صلى الله عليه وسلم ما زلتما تبوكانها أَى تحفرانها فسميت تبوك لذلك . والآية نزلت قبل الرجوع من تبوك ، فهى إِخبار بالغيب على تقدير القول ، أَى قائلين والله { لَوِ اسْتَطَعْنَا } ويجوز أَن لا يقدر القول على تضمين يحلفون معنى يقولون ، فلا يتعلق بالله حينئذ ، بيحلفون بل بفعل القسم محذوفا ، أَى يقولون بالله لو استطعنا { لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } أَى لو استطعنا الخروج معكم لخرجنا معكم ، أَو لو استطعنا قوة بدن أَو مال لخرجنا معكم ، ولو وشرطها وجوابها جواب القسم ، أَو لخرجنا جواب القسم ، وجواب لو أَغنى عنه جواب القسم . { يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ } بدل من يحلفون بدل اشتمال لا بدل مطابق كما قيل ، فإِن الحلف سبب الإِهلاك لانفس الإِهلاك ، وقد يقال إِنه هو لأَن إِيقاعه إِيقاع للهلاك ، أَو حال من واو يحلفون أَو من الفاعل فى خرجنا ، وإِهلاك أَنفسهم بالكذب ، قال صلى الله عليه وسلم : " من حلف بالله كاذبا تبوأَ مقعده من النار " وقال : " اليمين الكاذبة تذر الديار بلاقع " { وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } فى نفيهم الاستطاعة إذ قالوا لو استطعنا لأَنهم مستطيعون ، وفى دعوى أَنهم مؤمنون ، وليس المراد تكذيبهم بأَنهم لو استطاعوا لم يخرجوا . لأَن فى هذا إِثبات عدم استطاعتهم وهم مستطيعون ، واعتذرت طائفة من المنافقين ، وطلبوا أَلا ينفروا ، فأُذن لهم فى التخلف اجتهادا منه بلا نوع مصلحة من الدنيا ، فعاتبه الله بلطف فى قوله : { عَفَا اللهُ عَنْكَ } بتقديم العفو عن العتاب تعظيما له لم يقع لغيره وتطييبا لقلبه ، والعفو مؤذن بالإِساءة . { لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ } فى التخلف عنك بقول كاذب ، وهذا بيان لما فيه العفو وهو الإذن لهم ويجوز ألا يكون قوله عفا الله عنك مشعرا بالإِساءة ، بل بدْءَ كلام بخير إِعظاما له كما تقول لمن لم يسىءْ إِليك : عفا الله عنك ، افعل لى كذا أَو لا تفعل كذا ، وعفا الله عنك ما فعلت فى أَمرى ، ورضى الله عنك ما قلت فى جوابى ، قال ابن الجهم للمتوكل حين أَمر بنفيهِ : @ عفا الله عنك أَلا حرمة تجود بفضلك يا ابن الندا أَلم تر عبدا عدا طوره ومولى عفوا ورشدا هدى أَقلنى أَقالك من لم يزل يقيك ويصرف عنك الردى @@ فلا دليل فى الآية على أَنه صلى الله عليه وسلم اجتهد وأَخطأَ وأَن له الاجتهاد مطلقا أو فى مصالح الدنيا ، ولا على أَنه صدر منه الذنب بذكر العفو وبالاستفهام الإِنكارى ، فإِنا نقول الآية أمر له بالأُولى ، ولو أَبقينا العفو مشعرا بالإِساءة وأَيضا ذلك إِساءَة لهم لم تصل الذنب ، وعاتبه على شيئين : الإِذن لهؤلاءِ وأَخذ الفداء ، وقد يزاد إِليهما فى غير الجهاد فى قصة ابن أم مكتوم فى عبس وما فى التحريم ، ثم إِنه إِن اجتهد فغايته أَنه اجتهد ولم يصب فله أَجر واحد لا ذنب ولو أصاب لكان له أَجران { حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا } فى اعتذارهم بأَن يكون لهم عذر صحيح { وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ } فيه ، علة لقوله لم أذنت لأَن المعنى : لا ينبغى لك الإِذن حتى يتبين إِلخ ، وأُذن له فى سورة النور أَن يأْذن لمن شاءَ من المؤمنين " فأْذن لن شئْت منهم " ولم يعرف صلى الله عليه وسلم المنافقين حتى نزلت براءَة . كذا قيل ، ويجوز أَن يقدر لا تأْذن لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ، ولم يقل وتعلم الذين كذبوا كما قال الذين صدقوا للفاصلة ، ولم يقل ويتبين الكاذبون للتفنن ، قال عمرو بن ميمون الأَودى : اثنتان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم . لم يؤمر بشىءٍ فيهما : إذنه للمنافقين وأَخذه الفداء من أسارى بدر ، فعاتبه الله كما تسمعون .