Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 74-74)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَحْلِفُونَ } أَى المنافقون { بِاللهِ مَا قَالُوا } فيك ما بلغك عنهم من التكذيب لك والسب { وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ } أن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس رسولا من الله ، أَو شكهم فى أَن ما يقول حق ، وقول ابن أُبى : والله ما مثلنا ، إِلخ … إِلا كما قيل سمن كلبك يأكلك ، وقول من قال : والله لئن كان صادقا كيف يملك الشام والروم { وَكَفَرُوا } أَظهروا الكفر الذى أَضمروا من قبل ، وذلك أَنهم لم يخلصوا الإِيمان ثم ارتدوا ، بل هم من أَول الأَمر على الكفر ، أَظهروا التوحيد . { بَعْد إِسْلاَمِهِمْ } بعد إِظهارهم الإِسلام ، روى أَنه صلى الله عليه وسلم خطب يوما بتبوك وقد مكث فيها شهرين ينزل عليه القرآن فذكر المنافقين وسماهم رجساً وعابهم . فقال الجُلاس بضم الجيم وفتح اللام إِن كان ما يقول محمد فى إِخواننا الذين خلفناهم بالمدينة حقا يعنى ساداتهم الباقين بالمدينة مثل عبدالله ابن أبى فنحن شر من الحمير ، وروى أَنه سمعه عمير بن سعد فقال والله يا جُلاس إِنك لأَحب الناس إِلىَّ وأَحسنهم عندى أَثراً ، ولقد قلت مقالة لئِن ذكرتها لتفضحنك ، ولئِن سكت عنها لتهلكننى ولإِحداهما أَشد على الأُخرى ، فمشى إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فحلف الجُلاس ما قال فنزلت الآية ، فأَخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأُذن عمير ، فقال : " لقد وفيت أُذنك يا غلام ، وصدقك ربك " ، وقيل : سمعه عامر بن قيس الأَنصارى فقال : يا رجل إِن محمداً هو الصادق ، وأَنتم شر من الحمير . فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى المدينة أَتاه عامر بن قيس فأَخبره بما قاله الجُلاس فقال الجُلاس : كذب يا رسول الله علي فأَمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أَن يحلفا عند المنبر ، فقام الجلاس عند المنبر بعد العصر فحلف بالله الذى لا إِله إِلا هو ما قلت ولقد كذب علىَّ عامر ، فحلف عامر بالله الذى لا إِله إِلا هو لقد قال وما كذبت ، ثم رفع يده إِلى السماءِ فقال : اللهم أنزل على نبيك تصديق الصادق وتكذيب الكاذب ، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون : " آمين " . فنزل جبريل عليه السلام عليه صلى الله عليه وسلم قبل أَن يتفرقا بهذه الآية إِلى قوله { فإِن يتوبوا يك خيرا لهم } فقال الجُلاس : يا رسول الله إِن الله قد عرض على التوبة ، صدق عامر بن قيس فيما قال ، وأَنا قلته وأَنا أَستغفر الله وأَتوب إِليه ، فقبل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسنت توبته ، ولا ينافى توبته وقبولها ما روى عن ابن عباس أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس فى ظل شجرة ، وقال : " يأْتيكم إِنسان ينظر إِليكم بعينى شيطان فلا تكلموه إذِا جاءَ ، فطلع رجل أَزرق العينين ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : عَلاَم تشتمنى أَنت وأَصحابك ؟ " فجاءَ بأَصحابه ، فحلفوا ما فعلوا حتى تجاوز عنهم ، فيحلفون للماضى عبر عنه بصيغة الحضور تقوية للماضى باستحضاره كأَنه يشاهده من لم يشاهده ، وكأَنه شاهده الآن من شاهده أولا ، وقال يحلفون والحالف واحد وهو الجُلاس لرضا إِخوانه بحلفه ، وقيل : الآية فى عبدالله بن أُبى ابن سلول إِذ قال : لئِن رجعنا إِلى المدينة ، روى أَنه اقتتل رجل من جهينة وآخر من غِفار ، وكانت جهينة من حلفاءِ الأَنصار فظهر الغفارى على الجهينى ، فقال عبدالله بن أُبى للأَوس : انصروا أَخاكم والله ما مثلنا ومثل محمد صلى الله عليه وسلم وحاشاه عما يقول هذا المنافق إِلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك والله { لئِن رجعنا إِلى المدينة } [ المنافقون : 8 ] ليخرجن الآية ، فأَخبر رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأَرسل إِليه فجاءَه ، فجعل يحلف بالله ما قال فنزل يحلفون الآية ، وإِذا كان القول لبعض وأُسند للكل فلرضاهم { وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا } من الفتك بالنبى صلى الله عليه وسلم . توافق خمسة عشر رجلا عند أَحمد واثنا عشر عند مسلم عن عمار وحذيفة . وما رواه أَحمد هو حديث أَبى الطفيل عند الرجوع من تبوك أَن يدفعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن راحلته ليقع فى الوادى فيموت ، فأَخبره الله بذلك فلما وصل إِلى العقبة نادى مناديه بأَمره أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أَن يسلك العقبة فلا يسلكها أَحد غيره ، واسلكوا يا معشر الجيش بطن الوادى فإِنه أسهل لكم وأَوسع ، فسلك الناس بطن الوادى وسلك النبى صلى الله عليه وسلم العقبة والليل مظلم وعمار آخذ بزمام ناقته ، وحذيفة سائقها أو بالعكس ، فازدحموا إِليه متلثمين حتى نفرت ناقته فسقط بعض متاعه ، فصرخ بهم حذيفة وضرب وجوه رواحلهم ، وقيل ضربها عمار وقد سمع ضاربها منهما قعقعة السلاح ، فقال : إليكم إِليكم يا أَعداءَ الله ، فولوا مدبرين فأَسرعوا إِلى بطن الوادى واختلطوا بالناس . فقال صلى الله عليه وسلم لحذيفة : " هل عرفت أحدا منهم ؟ " قال : لا ، كانوا متلثمين والليلة مظلمة قال : " هل علمت مرادهم ؟ " قال : لا . قال صلى الله عليه وسلم : " أَرادوا المكر بى " ، وقيل : الذين همُّوا بما لم ينالوا عبدالله بن أُبى ومن معه ، هموا بإِخراج الرسول إِذ قال : لئِن رجعنا ، الآية ، أَو هم من معه بأَن يتوجهوا ، ولو لم يرض صلى الله عليه وسلم فقيل له : هلا نقلتهم ؟ وقيل له : أَرسل إِلى أَهلهم يأْتوك برءوسهم . قال : لا فإِنه يتحدث أَنى لما كنت غالبا قتلت أَصحابى . ودعا الله أَن يحرق قلوبهم وهم من الأَوس والخزرج أَو من حلفائِهم لا قرشى فيهم ، وقال الباقر ثمانية من قريش وأَربعة من العرب ، ولا تصح هذه الرواية ، وعند ابن إِسحاق منهم الجُلاس ولا ينافى ما مر من توبته وإِحسانه . على أَن المراد الغالب لا الكل فى مثل قوله هؤلاءِ المنافقون إلى يوم القيامة . ولا يخفى أَن قوله كفروا وقوله وهموا للمنافقين على التوزيع ، فطائفة هموا بما لم ينالوا وطائفة قالوا : إِن كان ما يقول محمد إِلخ ، ويجوز أَن يراد الكل فى الكلامين ، لأَن كلا يرضى بما فعل الآخر ، أَو يقول أَو جمع معه حاطبا وكان له مال بالشام ، فأَبطأَ عنه فحلف لئِن تفضل الله عليه بمجىءِ ذلك المال لأَتصدق منه ولأَصلن قرابتى ، ولما أتاه لم يف ، واثنان جمع مجازا ، وخلف الوعد نفاق ، وقيل ما لم ينالوا هو تتويج عبدالله بن أُبى . قالوا ، وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك : إِذا قدمنا المدينة عقدنا على رأْس عبدالله بن أُبى تاجا { وَمَا نَقَمُوا } ما ذكروا وما اعتقدوا يوجب الانتقام { إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ } أَو ما تكرهوا وتنكروا إِلا لأَجل أَن أَغناهم { اللهُ وَرَسُولُهُ } بعد قدومه المدينة وأَكثر أَهلها محاويج { مِنْ فَضْلِهِ } بالغنائِم والدية إِذ أَخذ الجُلاس بن سويد بالجيم لا بالحاءِ اثنى عشر أَلف درهم دية لمولى حر له قتل ، فقيل ذلك دية وقد منع منها ، فسعى صلى الله عليه وسلم فى أَخذها ، وروى أَنه صلى الله عليه وسلم أَدى حمالة كانت على الجلاس ، وقيل الدية عشرة آلاف والزائد سنق كانوا يعطون الدية ويتكرمون بالزيادة عليها ، وتسمى الزيادة عليها سنقا ، يقال سنق الفصيل أَو الفرس إِذا تختم بالعلف ، والإِغناء من فضل الله ليس مما ينكر فينقم عليه ، فذلك من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم كأَنه قيل إِن كان شىءٌ يوجب الانتقام أَو يثبت الانتقام لأَجل فهو إِغناءُ الله لهم من فضله ، ولا يخفى أَن ذلك مما لا ينقم عليه فلا شىءَ ينقم عليه كقول النابغة : @ ولا عيب فينا غير أَن سيوفنا بهن فلول من قراع الكتائب @@ وقول بعض : @ ما نقم الناس من أُمية إِلاَّ أَنهم يحلمون إِن غضبوا @@ { فَإِنْ يَتُوبُوا } عن الإِشراك والنفاق كالجلاس { يَكُ } أَى يك التوب أَى التوبة المأْخوذ من قوله يتوبوا { خَيْراً لَّهُمْ } أَى نفعا أَو أَفضل مما يدعون أَن فيه فضلا وهو النفاق والإِشراك { وَإِنْ يَتَوَلَّوْا } عن إِخلاص الإِيمان والإِصرار على النفاق { يُعَذّبْهُمْ اللهُ عَذَاباً أَلِيماً } مؤلما كسميع بمعنى مسمع أَو تأَلم مجازاً { فِى الدُّنْيَا } بما شاءَ من الهموم العظيمة وغيرها ، وإِن أدى بهم الإِصرار إِلى إِظهار الشرك فبالقتل أَيضا { وَالآخِرَةِ } بالنار { وَمَا لَهُمْ فِى الأَرْضِ } فى طولها وعرضها الواسعين { مِنْ وَلِىّ } يحفظهم من توجه العذاب إِليهم { وَلاَ نَصِيرٍ } يدفعه عنهم بعد مجيئه .