Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 57-57)

Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَإِن تَوَلَّوْاْ } أي تتولوا فهو مضارع حذف منه إحدى التاءين وحمل على ذلك لاقتضاء أبلغتكم له وجوز ابن عطية كونه ماضياً ، وفي الكلام التفات ولا يظهر حسنه ولذا قدر غيره ممن جعله كذلك فقل أبلغتكم لكنه لا حاجة إليه ، ويؤيد ذلك قراءة الأعرج وعيسى الثقفي { تُوَلَّوْاْ } بضم التاء واللام مضارع ولى ، والمراد فإن تستمروا على ما كنتم عليه من التولي والإعراض لوقوع ذلك منهم فلا يصلح للشرط ، وجوز أن يبقى على ظاهره بحمله على التولي الواقع بعدما حجهم ، والظاهر أن الضمير لقوم هود والخطاب معهم ، وهو من تمام الجمل المقولة قبل ، وقال التبريزي : إن الضمير لكفار قريش وهو من تلوين الخطاب ، وقد انتقل من الكلام الأول إلى الإخبار عمن بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكأنه قيل : أخبرهم عن قصة قوم هود وادعهم إلى الإيمان بالله تعالى لئلا يصيبهم كما أصاب قوم هود عليه السلام { فَإِن تَوَلَّوْاْ } فقل لهم قد أبلغتكم الخ وهو من البعد بمكان كما لا يخفى . وقوله سبحانه : { فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ } دليل جواب الشرط أي إن تتولوا لم أعاتب على تفريط في الإبلاغ فإن ما أرسلت به إليكم قد بلغكم فأبيتم إلا تكذيب الرسالة وعداوة الرسول ، وقيل : التقدير إن تتولوا فما عليّ كبير همّ منكم فإنه قد برئت ساحتي بالتبليغ وأنتم أصحاب الذنب في الإعراض عن الإيمان ، وقيل : إنه الجزاء باعتبار لازم معناه المستقبل باعتبار ظهوره أي فلا تفريط مني ولا عذر لكم ، وقيل : إنه جزاء باعتبار الإخبار لأنه كما يقصد ترتب المعنى يقصد ترتب الإخبار كما في { وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } [ النحل : 53 ] على ما مر وكل ذلك لما أن الإبلاغ واقع قبل توليهم ، والجزاء يكون مستقبلاً بالنظر إلى زمان الشرط . وزعم أبو حيان ( ( أن صحة وقوعه جواباً لأن في إبلاغه إليهم رسالته تضمن ما يحل بهم من العذاب المستأصل فكأنه قيل : فإن تتولوا استؤصلتم بالعذاب ، ويدل على ذلك الجملة الخبرية ، وهي قوله سبحانه : { وَيَسْتَخْلِفُ رَبّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ } وفيه منع ظاهر . وهذا كما قال غير واحد : استئناف بالوعيد لهم بأن الله تعالى يهلكهم ويستخلف قوماً آخرين في ديارهم وأموالهم وهو استئناف نحوي عند بعض بناءاً على جواز تصديره بالواو . وقال الطيبـي : المراد به أن الجملة ليست بداخلة في الجملة الشرطية جزاءً بل تكون جملة برأسها معطوفة على الجملة الشرطية وهو خلاف الظاهر من العبارة ، وعليه تكون مرتبة على قوله سبحانه : { إِنَّ رَبّي عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ هود : 56 ] والمعنى أنه على العدل ينتقم منكم ويهلككم ، وقال الجلبـي : لا مانع عندي من حمله على الاستئناف / البياني جواباً عما يترتب على التولي وهو الظاهر كأنه قيل : ما يفعل بهم إذا تولوا ؟ فقيل : { يَسْتَخْلِفُ } الخ . وتعقبه بعضهم بأن الاستئناف البياني لا يقترن بالواو ، وجوز أن يكون عطفاً على الجواب لكن على ما بعد الفاء لأنه الجواب في الحقيقة ، والفاء رابطة له ودخول الفاء على المضارع هنا لأنه تابع يتسامح فيه . وقيل : تقديره فقل : { يَسْتَخْلِفُ } الخ ، وقرأ حفص برواية هبيرة { ويستخلف } بالجزم وهو عطف على موضع الجملة الجزائية مع الفاء كأنه قيل : فإن تولوا يعذرني ويهلككم ويستخلف مكانكم آخرين . وجوز أبو البقاء كون ذلك تسكيناً لتوالي الحركات ، وقرأ عبد الله كذلك ، ويجزم قوله سبحانه : { وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا } ، وقيل : إن من جزم الأول جزم هذا لعطفه عليه وهو الظاهر ، والمعنى لا تضرونه بهلاككم شيئاً أي لا ينتقص ملكه ولا يختل أمره ، ويؤيد هذا ما روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قرأ ( ولا تنقصونه شيئاً ) ، ونصب { شَيْئاً } على أنه مفعول مطلق لتضرون أي شيئاً من الضرر لأنه لا يتعدى لاثنين ، وجعله بعضهم مفعولاً ثانياً مفسراً له بما يتعدى لهما لمكان الرواية ، وجوز ابن عطية أن يكون المعنى إنكم لا تقدرون إذا أهلككم على إضراره بشيء ولا على الانتصار منه ولا تقابلون فعله بشيء يضره تعالى عن ذلك علواً كبيراً ، والأول أظهر ، وقدر بعضهم التولي بدل الإهلاك أي ولا تضرونه بتوليكم شيئاً من الضرر لاستحالة ذلك عليه سبحانه : { إِنَّ رَبّي عَلَىٰ كُلّ شَيْء حَفِيظٌ } أي رقيب محيط بالأشياء علماً فلا يخفى عليه أعمالكم ولا يغفل عن مؤاخذتكم ، فالحفظ كناية عن المجازاة ، ويجوز أن يكون الحفيظ بمعنى الحافظ بمعنى الحاكم المستولي أي أنه سبحانه حافظ مستول على كل شيء ، ومن شأنه ذلك كيف يضره شيء .