Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 82-82)

Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَلَمَّا جَآء أَمْرُنَا } أي عذابنا أو الأمر به ، فالأمر على الأول واحد الأمور ، وعلى الثاني واحد الأوامر ، قيل : ونسبة المجيء إليه بالمعنيين مجازية ، والمراد لما حان وقوعه ولا حاجة إلى تقدير الوقت مع دلالة ( لما ) عليه . وقيل : إنه يقدر على الثاني أي جاء وقت أمرنا لأن الأمر نفسه ورد قبله ، ونحن في غنى عن ادعاء تكراره ، ورجح تفسير الأمر بما هو واحد الأوامر أعني ضد النهي بأنه الأصل فيه لأنه مصدر أمره ، وأما كونه بمعنى العذاب فيخرجه عن المصدرية الأصلية وعن معناه المشهور الشائع ، وبجعل التعذيب مسبباً عنه بقوله سبحانه : { جَعَلْنَا عَـٰلِيَهَا سَافِلَهَا } فإنه جواب { لَّمّاً } والتعذيب نفس إيقاع العذاب فلا يحسن جعله مسبباً عن ذلك بل العكس أولى إلا أن يؤول المجىء بإرادته ، وضمير { عَـٰلِيَهَا } و { سَافِلَهَا } لمدائن قوم لوط المعلومة من السياق وهي المؤتفكات ، وهي خمس مدائن : ميعة وصعره وعصره ودوما وسدوم وقيل : سبع أعظمها سدوم ، وهي القرية التي كان فيها لوط عليه السلام ، وكان فيها على ما روي عن قتادة أربعة آلاف ألف إنسان أو ما شاء الله تعالى من ذلك ، وقيل : إن هذا العدد إنما كان في المدائن كلها ، وقيل : إن ما كان في المدائن أكثر من ذلك بكثر ، والله تعالى أعلم . / ونصب { عاليها } و { سافلها } على أنهما مفعولان للجعل ، والمراد قلبناها على تلك الهيئة وهو جعل العالي سافلاً ، وإنما قلبت كذلك ولم يعكس تهويلاً للأمر وتفظيعاً للخطب لأن جعل عاليها الذي هو مقرهم ومسكنهم سافلها أشق من جعل سافلها عاليها وإن كان مستلزماً له . روي أن لوطاً عليه السلام سرى بمن معه قبل الفجر وطوى الله تعالى له الأرض حتى وصل إلى إبراهيم عليه السلام ، ثم إن جبريل عليه السلام اقتلع المدائن بيده ، وفي رواية أدخل جناحه تحت المدائن فرفعها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة ونباح الكلاب ثم قلبها ، وما أعظم حكمة الله تعالى في هذا القلب الذي هو أشبه شيء بما كانوا عليه من إتيان الأعجاز والإعراض عما تقتضيه الطباع السليمة ؛ ولا ينبغي أن يجعل الكلام كناية عن إنزال أمر عظيم فيها كما يقول القائل : اليوم قلبت الدنيا على فلان لما فيه من العدول عن الظاهر والانحراف عما نطقت به الآثار من غير داع سوى استبعاد مثل ذلك وما ذلك ببعيد ، وإسناد الجعل إلى ضميره تعالى باعتبار أنه المسبب فهو إسناد مجازي باعتبار اللغة وإن كان سبحانه هو الفاعل الحقيقي ، والنكتة في ذلك تعظيم الأمر وتهويله فإن ما يتولاه العظيم من الأمور فهو عظيم ، ويقوي ذلك ضمير العظمة أيضاً وعلى هذا الطرز قوله سبحانه : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا } أي على المدائن أو شذاذ أهلها { حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ } وكان ذلك زيادة في تفظيع حالهم أو قطعاً لشأفتهم واستئصالاً لهم . روي أن رجلاً منهم كان بالحرم فبقي حجر معلق بالهواء حتى خرج منه فوقع عليه وأهلكه . والسجيل الطين المتحجر لقوله تعالى في الآية الأخرى : { حِجَارَةً مّن طِينٍ } [ الذاريات : 33 ] والقرآن يفسر بعضه بعضاً ، ويتعين إرجاع بعضه لبعض في قصة واحدة ، وهو كما أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس ومجاهد معرب سنك كل . وقال أبو عبيدة : السجيل كالسجين الشديد من الحجارة ، وقيل : هو من أسجله إذا أرسله أو أدر عطيته ، والمعنى حجارة كائنة من مثل الشيء المرسل أو مثل العطية في الإدرار وهو على هذا خارج مخرج التهكم ، وقيل : من السجل بتشديد اللام وهو الصك ، ومعنى كونه من ذلك أنه مما كتب الله تعالى عليهم أن يعذبهم به ، وقيل : أصله من سجين وهو اسم لجهنم أو لواد فيها ، فأبدلت نونه لاماً . وقال أبو العالية وابن زيد : السجيل اسم لسماء الدنيا . قال أبو حيان : وهو ضعيف لوصفه بقوله سبحانه : { مَّنْضُودٍ } أي نضد وضع بعضه على بعض معداً لعذابهم ، أو نضد في الإرسال يرسل بعضه إثر بعض كقطار الأمطار ، ولا يخفى أن هذه المعاني كما تأبـى ما قال أبو العالية وابن زيد تأبـى بحسب الظاهر ما قيل : إن المراد به جهنم ، وتكلف بعضهم فقال : يمكن وصف جهنم بذلك باعتبار المعنى الأول بناءاً على أنه دركات بعضها فوق بعض أو أن الأصل منضود فيه فاتسع ، وقد يتكلف بنحو هذا لما قاله أبو العالية وابن زيد . وجوز أن يكون { مَّنْضُودٍ } صفة حجارة على تأويل الحجر وجره للجوار ، وعليه فالأمر ظاهر إلا أنه من التكلف بمكان .