Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 6-6)
Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ } شروع في بيان تصديه عليه السلام لما أمر به من التذكير للإخراج المذكور { وَإِذْ } منصوب على المفعولية عند كثير بمضمر خوطب به النبـي صلى الله عليه وسلم ، وتعليق الذكر بالوقت مع أن المقصود تذكير ما وقع فيه من الحوادث لما مر غيره مرة أي اذكر لهم وقت قوله عليه السلام { لِقَوْمِهِ } الذين أمرناه بإخراجهم من الظلمات إلى النور { ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ } تعالى الجليلة { عَلَيْكُمْ } وبدأ عليه السلام بالترغيب لأنه عند النفس أقبل وهي إليه أميل ، وقيل : بدأ بهذا الأمر لما بينه وبين آخر الكلام السابق من مزيد الربط ، ولا يخفى أن هذا إنما هو على تقدير أن يكون عليه السلام مأموراً بالترغيب والترهيب ، أما إذا كان مأموراً بالترغيب فقط فلا سؤال ، والظرف متعلق بنفس النعمة إن جعلت مصدراً بمعنى الإنعام أو بمحذوف وقع حالاً منها إن جعلت اسماً أي اذكروا إنعامه عليكم أو نعمته كائنة عليكم . و { إِذْ } في قوله سبحانه : { إِذْ أَنَجـٰكُم مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ } يجوز أن يتعلق بالنعمة أيضاً على تقدير جعلها مصدراً أي اذكروا إنعامه عليكم وقت إنجائكم ، ويجوز أن يتعلق بكلمة { عَلَيْكُمْ } إذا كانت حالاً لا ظرفاً لغواً للنعمة لأن الظرف المستقر لنيابته عن عامله يجوز أن يعمل عمله أو هو على هذا معمول لمتعلقه كأنه قيل : اذكروا نعمة الله تعالى مستقرة عليكم وقت إنجائكم ، ويجوز أن يكون بدل اشتمال من نعمة الله مراداً بها الإنعام أو العطية المنعم بها { يَسُومُونَكُمْ } يبغونكم من سامه خسفاً إذا أولاه ظلماً ، وأصل السوم كما قال الراغب الذهاب في طلب الشيء فهو لفظ لمعنى مركب من الذهاب والطلب فأجري مجرى الذهاب في قولهم : سامت الإبل فهي سائمة ، ومجرى الطلب في قولهم : سمته كذا { سُوء ٱلْعَذَابِ } مفعول ثاني ليسومونكم والسوء مصدر ساء يسوء ، والمراد جنس العذاب السيء أو استعبادهم واستعمالهم في الأعمال الشاقة والاستهانة بهم وغير ذلك . وفي « أنوار التنزيل » أن المراد بالعذاب هٰهنا غير المراد به في سورة البقرة والأعراف لأنه مفسر بالتذبيح والتقتيل ثم ومعطوف عليه التذبيح المفاد بقوله تعالى : { وَيُذَبّحُونَ أَبْنَاءكُمْ } هٰهنا ، وفيه إشارة إلى وجه العطف وتركه مع أن القصة واحدة ، وحاصل ذلك أنه حيث طرح الواو قصد تفسير العذاب وبيانه فلم يعطف لما بينهما من كمال الاتصال وحيث عطف لم يقصد ذلك ، والعذاب إن كان المراد به الجنس فالتذبيح لكونه أشد / أنواعه عطف عليه عطف جبريل على الملائكة عليهم السلام تنبيهاً على أنه لشدته كأنه ليس من ذلك الجنس ، وإن كان المراد به غيره كالاستعباد فهما متغايران والمحل محل العطف ، وقد جوز أهل المعاني أن يكونا بمعنى في الجميع وذكر الثاني للتفسير ، وترك العطف في السورتين ظاهر والعطف هنا لعد التفسير لكونه أوفى بالمراد وأظهر منزلة المغاير وهو وجه حسن أيضاً ، وسبب هذا التذبيح أن فرعون رأى في المنام أو قال له الكهنة أنه سيولد لبني إسرائيل من يذهب بملكه فاجتهدوا في ذلك فلم يغن عنهم من قضاء الله تعالى شيئاً . وقرأ ابن محيصن { ويذبحون } مضارع ذبح ثلاثياً . وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما كذلك إلا أنه حذف الواو { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ } أي يبقونهن في الحياة مع الذل ، ولذلك عد من جملة البلاء أو لأن إبقاءهن دون البنين رزية في نفسه كما قيل : @ ومن أعظم الرزء فيما أرى بقاء البنات وموت البنينا @@ والجمل أحوال من آل فرعون أو من ضمير المخاطبين أو منهما جميعاً لأن فيها ضمير كل منهما ، ولا اختلاف في العامل لأنه وإن كان في آل فرعون من في الظاهر لكنه لفظ { أَنجَاكُمْ } في الحقيقة ، والاقتصار على الاحتمالين الأولين هنا وتجويز الثلاثة في سورة البقرة كما فعل البيضاوي بيض الله تعالى غرة أحواله لا يظهر وجهه . { وَفِى ذٰلِكُمْ } أي فيما ذكرنا من الأفعال الفظيعة { بَلاء مِّن رَّبّكُمْ } أي ابتلاء منه تعالى لا أن البلاء عين تلك الأفعال اللهم إلا أن تجعل { فِى } تجريدية فنسبته إلى الله تعالى إما من حيث الخلق وهو الظاهر أو الإقدار والتمكين ، ويجوز أن يكون المشار إليه الإنجاء من ذلك والبلاء الابتلاء بالنعمة فإنه يكون بها كما يكون بالمحنة قال تعالى : { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } [ الأنبياء : 35 ] وقال زهير : @ جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو @@ وهو الأنسب بصدر الآية ، ويلوح إليه التعرض لوصف الربوبية ، وعلى الأول يكون ذلك باعتبار المآل الذي هو الإنجاء أو باعتبار أن بلاء المؤمن تربية له ونفع في الحقيقة { عظِيمٌ } لا يطاق حمله أو عظيم الشأن جليل القدر .