Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 10-10)

Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ هُوَ ٱلَّذِى أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَآء } شروع في نوع آخر من النعم الدالة على توحيده سبحانه ، والمراد من الماء نوع منه وهو المطر ومن السماء إما السحاب على سبيل الاستعارة أو المجاز المرسل ، وإما الجرم المعروف والكلام على حذف مضاف أي من جانب السماء أو جهتها وحملها على ذلك بدون هذا يقتضيه ظاهر بعض الأخبار ولا أقول به ، و { مِنْ } على كل تقدير ابتدائية وهو متعلق بما عنده ، وتأخير المفعول الصريح عنه ليظمأ الذهن إليه فيتمكن أتم تمكن عند وروده عليه ، وقوله تعالى : { لَكُمْ } يحتمل أن يكون خبراً مقدماً ، وقوله سبحانه : { مِنْهُ } في موضع الحال من قوله عز وجل : { شَرَابٌ } أي ما تشربون وهو مبتدأ مؤخر أو هو فاعل بالظرف الأول والجملة صفة لماء و { مِنْ } تبعيضية وليس في تقديمها إيهام حصر ، ومن توهمه قال : لا بأس به لأن جميع المياه العذبة المشروبة بحسب الأصل منه كما ينبـىء عنه قوله تعالى : { فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِى ٱلأَرْضِ } [ الزمر : 21 ] وقوله سبحانه : { فَأَسْكَنَّاهُ فِى ٱلأَرْضِ } [ المؤمنون : 18 ] ويحتمل أن يكون متعلقاً بما عنده { وَمِنْهُ شَرَابٌ } مبتدأ وخبر أو شراب فاعل بالظرف والجملة ومن كما تقدم . وتعقب بأن توسيط المنصوب بين المجرورين وتوسيط الثاني منهما بين الماء وصفته مما لا يليق بجزالة النظم الجليل وهو كذلك { وَمِنْهُ شَجَرٌ } أي نبات مطلقاً سواء كان له ساق أم لا كما نقل عن الزجاج وهو حقيقة في الأول ، ومن استعماله في الثاني قول الراجز : @ نعلفها اللحم إذا عز الشجر والخيل في إطعامها اللحم ضرر @@ فإنه قيل : الشجر فيه بمعنى الكلأ لأنه الذي يعلف ، وكذا فسره في " النهاية " بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تأكلوا ثمن الشجر فإنه سحت " ولعل ذلك لأنه جاء في الحديث النهي عن منع فضل الماء كمنع فضل الكلأ وتشارك الناس في الماء والكلأ والنار ، وأبقاه بعضهم على حقيقته ولم يجعله مجازاً شاملاً ، و { مِنْ } إما للتبعيض مجازاً لأن الشجر لما كان حاصلاً بسقيه جعل كأنه منه كقوله : @ أسنمة الابال في ربابه @@ يعني به المطر الذي ينبت به ما تأكله الإبل فتسمن أسنمتها ، وإما للابتداء أي وكائن منه شجر ، والأول أولى بالنسبة إلى ما قبله . وقال أبو البقاء : هي سببية أي وبسببه إنبات شجر ، ودل على ذلك { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ } [ النحل : 11 ] وجوز ابن الأنباري الوجهين الأولين على ما يقتضيه ظاهر قوله : الكلام على تقدير مضاف إما قبل الضمير أي من جهته أو من سقيه شجر / وأما قبل شجر أي ومنه شراب شجر كقوله تعالى : { وَأُشْرِبُواْ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ } [ البقرة : 93 ] أي حبه اهـ وهو بعيد وإن قيل : الإضمار أولى من المجاز لا العكس الذي ذهب إليه البعض وصحح المساواة لاحتياج كل منهما إلى قرينة . { فِيهِ تُسِيمُونَ } أي ترعون يقال : أسام الماشية وسومها جعلها ترعى وسامت بنفسها فهي سائمة وسوام رعت حيث شاءت ، وأصل ذلك على ما قال الزجاج السومة وهي كالسمة العلامة لأن المواشي تؤثر علامات في الأرض والأماكن التي ترعاها . وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما { تسيمون } بفتح التاء فإن سمع سام متعدياً كان هو وأسام بمعنى وإلا فتأويل ذلك أن الكلام على حذف مضاف أي تسيم مواشيكم .