Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 53-53)
Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } أي أي شيء يلابسكم ويصاحبكم من نعمة أي نعمة كانت فهي منه تعالى فما موصولة مبتدأ متضمنة معنى الشرط و { مِنَ ٱللَّهِ } خبرها والفاء زائدة في الخبر لذلك التضمن و ( من نعمة ) بيان للموصول و { بِكُمْ } صلته ، وأجاز الفراء وتبعه الحوفي أن تكون { مَا } شرطية وفعل الشرط محذوف أي وما يكن بكم من نعمة الخ . واعترضه أبو حيان بأنه لا يحذف فعل الشرط إلا بعد إن خاصة في موضعين باب الاشتغال نحو { وَإِنْ أَحَدٌ مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ } [ التوبة : 6 ] وأن تكون إن الشرطية متلوة بلا النافية وقد دل على الشرط ما قبله كقوله : @ فطلقها فلست لها بكفء وإلا يعل مفرقك الحسام @@ وحذفه في غير ما ذكر ضرورة كقوله : @ قالت بنات العم يا سلمى وإن كان فقيراً معدماً قالت وإن @@ وقوله : @ أينما الريح تميلها تمل @@ وأجيب بأن الفراء لا يسلم هذا فما أجازه مبني على مذهبه . واستشكل أمر الشرطية على الوجهين من حيث إن الشرط لا بد أن يكون سبباً للجزاء كما تقول : إن تسلم تدخل الجنة فإن الإسلام سبب لدخول الجنة وهنا على العكس ، فإن الأول وهو استقرار النعمة بالمخاطبين لا يستقيم أن يكون سبباً للثاني وهو كونها من الله من جهة كونه فرعاً عنه . وأجاب في " إيضاح المفصل " بأن الآية جيء بها لإخبار قوم استقرت بهم نعم جهلوا معطيها أو شكوا فيه أو فعلوا ما يؤدي إلى أن يكونوا شاكين فاستقرارها / مجهولة أو مشكوكة سبب للإخبار بكونها من الله تعالى فيتحقق أن الشرط والمشروط فيها على حسب المعروف من كون الأول سبباً والثاني مسبباً ، وقد وهم من قال : إن الشرط قد يكون مسبباً . وفي " الكشف " أن الشرط والجزاء ليسا على الظاهر فإن الأول ليس سبباً للثاني بل الأمر بالعكس لكن المقصود منه تذكيرهم وتعريفهم فالاتصال سبب العلم بكونها من الله تعالى ، وهذا أولى مما قدره ابن الحاجب من أنه سبب الإعلام بكونها منه لأنه في قوم استقرت بهم النعم وجهلوا معطيها أو شكوا فيه ، ألا ترى إلى ما بنى عليه بعد كيف دل على أنهم عالمون بأنه سبحانه المنعم ولكن يضطرون إليه عند الإلجاء ويكفرون بعد الإنجاء انتهى . وفيه أنه يدفع ما ذكره بأن علمهم نزل لعدم الاعتداد به وفعلهم ما ينافيه منزلة الجهل فأخبروا بذلك كما تقول لمن توبخه : أما أعطيتك كذا أما وأما . { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ } مساساً يسيراً { فَإِلَيْهِ تَجْـئَرُونَ } تتضرعون في كشفه لا إلى غيره كما يفيده تقديم الجار والمجرور ، والجؤار في الأصل صياح الوحش واستعمل في رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة ، قال الأعشى يصف راهباً : @ يداوم من صلوات المليك طوراً سجوداً وطوراً جؤراً @@ وقرأ الزهري « تجرون » بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على الجيم ، وفي ذكر المساس المنبىء عن أدنى إصابة وإيراده بالجملة الفعلية المؤذنة بالحدوث مع ثم الدالة على وقوعه بعد برهة من الدهر وتحلية { ٱلضُّرُّ } بلام الجنس المفيدة لمساس أدنى ما ينطلق عليه اسم الجنس مع إيراد النعمة بالجملة الاسمية المؤذنة بالدوام والتعبير عن ملابستها للمخاطبين بباء المصاحبة وأيراد { مَا } المعربة عن العموم على احتماليها ما لا يخفى من الجزالة والفخامة . ولعل إيراد « إذا » دون إن للتوسل به إلى تحقق وقوع الجواب قاله المولى أبو السعود ، وفيه ما يعرف مع الجواب عنه بأدنى تأمل ، وكان الظاهر على ما قيل أن يقال بعد { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ } [ النحل : 52 ] ، وما يصيبكم ضر إلا منه ليقوي إنكار اتقاء غيره سبحانه لكن ذكر النفع الذي يفهم بواسطته الضر واقتصر عليه إشارة إلى سبق رحمته وعمومها وبملاحظة هذا المعنى قيل : يظهر ارتباط { وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } بما قبله ، وسيأتي قريباً إن شاء الله تعالى ما يتعلق بذلك ، واستدل بالآية على أن لله تعالى نعمة على الكافر وعلى أن الإيمان مخلوق له تعالى .