Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 38-38)

Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي } أصله لكن أنا وقد قرأ به أبـي والحسن ، وحكى ابن عطية ذلك عن ابن مسعود فنقل حركة همزة أنا إلى نون لكن فحذفت الهمزة ثم حذفت الحركة ثم أدغمت النون في النون ، وقيل حذفت الهمزة مع حركتها ثم أدغم أحد المثلين في الآخر وهو أقرب مسافة إلا أن الحذف المذكور على خلاف القياس ، وقد جاء الحذف والإدغام في قوله : @ وترمينني بالطرف أي أنت مذنب وتقلينني لكن إياك لا أقلي @@ فإنه أراد لكن أنا لا أقليك ، وهو أولى من جعلهم التقدير لكنه إياك على حذف ضمير الشأن ، وأبعد منه جعل الأصل لكنني إياك على حذف اسم لكن كما في قوله : @ فلو كنت ضبياً عرفت قرابتي ولكن زنجي عظيم المشافر @@ أي لكنك مع نون الوقاية ، وبإثبات الألف آخراً في الوقف وحذفها في الوصل كما هو الأصل في أنا وقفاً ووصلاً قرأ الكوفيون وأبو عمرو وابن كثير ونافع في رواية ورش وقالون ، وأبدلها هاء في الوقف أبو عمرو في رواية فقال : { لكنه } ذكره ابن خالويه ، وقال ابن عطية : روى هارون عن أبـي عمرو ( لكنه هو ٱللَّه ربي ) بضمير لحق لكن . وقرأ ابن عامر وزيد بن علي والحسن والزهري بإثبات الألف وقفاً ووصلاً وهو رواية عن نافع ويعقوب وأبـي عمرو وورش وأبـي جعفر وأبـي بحرية ، وجاء ذلك على لغة بني تميم فإنهم يثبتون ألف أنا في الأصل اختياراً وأما غيرهم فيثبتها فيه اضطراراً ، وقال بعضهم : إن إثباتها في الوصل غير فصيح لكنه حسن هنا لمشابهة أنا بعد حذف همزته لضميرنا المتصل ولأن الألف جعل عوضاً عن الهمزة المحذوفة فيه . وقيل أثبتت إجراء للوصل مجرى الوقف وفي إثباتها دفع اللبس بلكن المشددة ، ومن إثباتها وصلاً قول الشاعر : @ / أنا شيخ العشيرة فاعرفوني حميداً قد تذريت السناما @@ وفي رواية الهاشمي عن أبـي جعفر حذفها وصلاً ووقفاً ، وروي ذلك أيضاً عن أبـي عبلة وأبـي حيوة وأبـي بحرية ، وقرأ { لكننا } بحذف الهمزة وتخفيف النونين ، و { لٰكن } في جميع هذه القراءات حرف استدراك لا عمل له وأنا مبتدأ أول و { هُوَ } ضمير الشأن مبتدأ ثان و { ٱللَّهُ رَبّى } مبتدأ وخبر ، والجملة خبر ضمير الشأن وهي غنية عن الرابط وجملة ضمير الشأن وخبره خبر المبتدأ الأول والرابط ضمير المتكلم المضاف إليه ، والتركيب نظير قولك : هند هو زيد ضاربها ، وجوز أن يكون { هُوَ } مبتدأ ثانياً والاسم الجليل بدلاً منه و { رَبّى } خبره والجملة خبر المبتدأ الأول والرابط الياء أيضاً . وفي « البحر » أن { هُوَ } ضمير الشأن وثم قول محذوف أي لكن أنا أقول هو الله ربـي ، ويجوز أن يعود على { ٱلَّذِى خَلَقَكَ } [ الكهف : 37 ] أي لكن أنا أقول الذي خلقك الله ربـي فخبره الاسم الجليل و { رَبّى } نعت أو عطف بيان أو بدل انتهى ، ثم جوز عدم تقدير القول واقتصر على جعل { هُوَ } ضمير الشأن حينئذٍ حسبما سمعت ، ولا يخفى أن احتمال تقدير القول بعيد في هذه القراءة ولعل احتمال كون الاسم الجليل بدلاً أقرب معنى من كونه خبراً وعود الضمير على { ٱلَّذِى خَلَقَكَ } [ الكهف : 37 ] ، وجوز أبو علي كون نا ضمير الجماعة كالتي في خرجنا وضربنا ووقع الإدغام لاجتماع المثلين إلا أنه أريد بها ضمير المعظم نفسه فوحد { رَبّى } على المعنى ولو اتبع اللفظ لقيل ربنا ولا يخفى ما فيه من البعد ، وقال ابن عطية في الآية : يجوز أن تكون لكن هي العاملة من أخوات إن واسمها محذوف وحذفه فصيح إذا دل عليه الكلام والتقدير لكن قولي هو الله ربـي ، لكن ذلك إنما يتم لو قرىء بحذف الألف وقفاً ووصلاً وأنا لا أعرف أحداً قرأ بذلك انتهى ، وأنت قد عرفت من قرأ به ، وقد ذكر غيرهم قرؤا أيضاً أبو القاسم يوسف بن علي الهذلي في كتابه « الكامل في القراءات » لكن لا أظنك تستحسن التخريج على ذلك . وقرأ عيسى الثقفي { لـٰكن هو الله } بسكون نون لكن ، وحكاه ابن خالويه عن ابن مسعود والأهوازي عن الحسن وإعرابه ظاهر جداً . وقرىء ( لَـكِن أنا هو الله لا إله إلا هو ربـي ) ويعلم إعرابه مما مر ، وخرج أبو حيان قراءة أبـي عمرو على رواية هارون على أن يكون « هو » تأكيداً لضمير النصب في « لكنه » وجعله عائداً على { الذي خلقك } [ الكهف : 37 ] ثم قال : ويجوز أن يكون فصلاً لوقوعه بين معرفتين ، ولا يجوز أن يكون ضمير شأن لأنه لا عائد حينئذٍ على اسم لك من الجملة الواقعة خبراً انتهى ، ويا ليت شعري ما الذي منعه من تجويز أن يكون ضمير لكنه للشأن ويكون { هُوَ } مبتدأ عائداً على { ٱلَّذِى خَلَقَكَ } [ الكهف : 37 ] والاسم الجليل خبره و { رَبّي } نعتاً أو عطف بيان أو بدل والجملة خبر ضمير الشأن المنصوب بلكن أو يكون { هُوَ } مبتدأ والاسم الجليل بدلاً منه و { رَبّى } خبراً والجملة خبر الضمير . هذا وقوله : { وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا } عطف على إحدى الجملتين والاستدراك على { أَكَفَرْتَ } [ الكهف : 37 ] وملخص المعنى لمكان الاستفهام الذي هو للتقرير على سبيل الإنكار أنت كافر بالله تعالى لكني مؤمن موحد . وللتغاير الظاهر بين الجملتين وقعت لكن موقعها فقد قالوا : إنها تقع بين كلامين متغايرين نحو زيد حاضر لكن عمرو غائب ، وإلى كون المعنى ما ذكر ذهب الزمخشري وغيره ، وذكر في « الكشف » أن فيه إشارة إلى أن الكفر بالله تعالى يقابله الإيمان والتوحيد فجاز أن يستدرك بكل منهما وبهما معاً أي كما هنا فإن الإيمان مفاد أنا هو الله ربـي والتوحيد مفاد { لا أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا } وأنت تعلم أيضاً أن الشرك كثيراً ما يطلق على مطلق الكفر / وجعلوا منه قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } [ النساء : 48 ] وأنه يمكن أن يكون الغرض من مجموع الكلام إثبات الإيمان على الوجه الأكيد ، ولعل شرك صاحبه الذي عرض به في الجملة الثانية كما صرح به غير واحد بهذا المعنى . وقيل الشرك فيه بالمعنى المتبادر وإثباته لصاحبه تعريضاً باعتبار أنه لما أنكر البعث فقد عجز الباري جل جلاله ومن عجزه سبحانه وتعالى فقد سواه بخلقه تعالى في العجز وهو شرك ، وقيل باعتبار أنه لما اغتر بدنياه وزعم الاستحقاق الذاتي وأضاف ما أضاف لنفسه كان كأنه أشرك فعرض به المؤمن بما عرض فكأنه قال : لكن أنا مؤمن ولا أرى الغنى والفقر إلا من الله تعالى يفقر من يشاء ويغني من يشاء ولا أرى الاستحقاق الذاتي على خلاف ما أنت عليه ؛ والإنصاف أن كلاً من القولين تكلف ، وقيل في الكلام تعريض بشرك صاحبه ولا يلزم أن يكون مدلولاً عليه بكلامه السابق بل يكفيه ثبوت كونه مشركاً في نفس الأمر وفيما بعد ما هو ظاهر فيه فتأمل ، ثم اعلم أن ما تضمنته الآية ذكر جليل ، وقد أخرج ابن أبـي حاتم عن أسماء بنت عميس قالت : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن عند الكرب الله ربـي لا أشرك به شيئاً .