Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 134-134)

Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ } الإشارة إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأولاده ، و الأمة أتت بمعان ، والمراد بها هنا الجماعة من أمّ بمعنى قصد ، وسميت كل جماعة يجمعهم أمر ما إما دين واحد ، أو زمان واحد ، أو مكان بذلك لأنهم يؤم بعضهم بعضاً ويقصده ، و الخلو المضي وأصله الانفراد . { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُم } استئناف أو بدل من قوله تعالى : { خَلَتِ } لأنها بمعنى لا تشاركونهم وهي كغير الوافية وهذه وافية بتمام المراد ، أو الأولى صفة أخرى لأمة أو حال من ضمير { خَلَتِ } والثانية جملة مبتدأة ، إذ لا رابط فيها ولا مقارنة في الزمان ، وفي الكلام مضاف محذوف بقرينة المقام ، أي لكل أجر عمله ، وتقديم المسند لقصر المسند إليه على المسند ، والمعنى أن انتسابكم إليهم لا يوجب انتفاعكم بأعمالهم ، وإنما تنتفعون بموافقتهم واتباعهم ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " يا معشر قريش ، إن أولى الناس بالنبـي المتقون ، فكونوا بسبيل من ذلك ، فانظروا أن لا يلقاني الناس يحملون الأعمال ، وتلقوني بالدنيا فأصد عنكم بوجهي " ولك أن تحمل الجملة الأولى : على معنى لها ما كسبته لا يتخطاها إلى غيرها ، والثانية : على معنى / ولكم ما كسبتموه لا ما كسبه غيرهم فيختلف القصران لاقتضاء المقام ذلك . { وَلاَ تُسْـئَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } إن أجرِيَ السؤال على ظاهره فالجملة مقررة لمضمون ما قبلها وإن أريد به مسببه أعني الجزاء فهو تذييل لتتميم ما قبله ، والجملة مستأنفة أو معترضة ، والمراد تخييب المخاطبين وقطع أطماعهم من الانتفاع بحسنات من مضى منهم ، وإنما أطلق العمل لإثبات الحكم بالطريق البرهاني في ضمن قضية كلية ، وحمل الزمخشري الآية على معنى لا تؤاخذون بسيئاتهم كما لا تثابون بحسناتهم واعترض بأنه مما لا يليق بشأن التنزيل ، كيف لا وهم منزعون عن كسب السيئات فمن أين يتصور تحميلها على غيرهم حتى يتصدى لبيان انتفائه ، وأنت تعلم أنه إذا كان المقصود سوق ذلك بطريق كلي برهاني لا يتوهم ما ذكر . هذا ومن الغريب حمل الإشارة على كل من إبراهيم وإسمٰعيل وإسحٰق وأن المعنى كل واحد منهم أمة أي بمنزلتها في الشرف والبهاء قد خلت أي مضت ، ولستم مأمورين بمتابعتهم لها ما كسبت وهو ما أمرها الله تعالى به ولكم ما كسبتم مما يأمركم به سبحانه وتعالى ، ولا ينفعكم مكتسبهم لأنه ليس مقبولاً منكم لأنه ليس في حقكم ، إنما ينفعكم ما يجب عليكم كسبه ولا تسألون عما كانوا يعملون هل عملتم به ؟ وإنما تسألون عما كان يعمل نبيكم الذي أمرتم بمتابعته ، فإن أعماله ما هو كسبكم المسؤول عنه ، فدعوا أن هذا ما أمر به إبراهيم أو غيره ، وتمسكوا بما أمر به نبيكم ، واعتبروا إضافة العمل إليه دونهم ، ولا يخفى أنه لو كانت هذه الآيات كلام هذا المفسر لأمكن حملها على هذا التفسير الذي لا فرع ولا أصل له ، لكنها كلام رب العالمين الذي يجل عن الحمل على مثل ذلك . ومن باب الإشارة والتأويل في الآيات السابقة إلى هنا : { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } أي بمراتب الروحانيات كالقلب والسر والروح والخفاء والوحدة والأحوال والمقامات التي يعبر بها على تلك المراتب كالتسليم والتوكل والرضا وعلومها { فَأَتَمَّهُنَّ } بالسلوك إلى الله تعالى وفي الله تعالى حتى الفناء فيه { قَالَ إِنّى جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } بالبقاء بعد الفناء ، والرجوع إلى الخلق من الحق ، تؤمهم وتهديهم سلوك سبيلي ، ويقتدون بك فيهتدون { قَالَ وَمِن ذُرّيَّتِى قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّـٰلِمِينَ } [ البقرة : 124 ] فلا يكونون خلفائي مع ظلمهم وظلمتهم برؤية الأغيار ومجاوزة الحدود { وَإِذْ جَعَلْنَا } بيت القلب مرجعاً للناس ، ومحل أمن وسلامة لهم إذا وصلوا إليه وسكنوا فيه من شر غوائل صفات النفس ، وفتك قتال القوى الطبيعية وإفسادها ، وتخييل شياطين الوهم والخيال وإغوائهم . { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرٰهِيمَ } الذي هو مقام الروح والخلة موطناً للصلاة الحقيقية التي هي المشاهدة والخلة الذوقية { وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ } [ البقرة : 125 ] أمرناهما بتطهير بيت القلب من قاذورات أحاديث النفس ، ونجاسات وساوس الشيطان ، وأرجاس دواعي الهوى ، وأدناس صفات القوى للسالكين المشتاقين الذين يدورون حول القلب في سيرهم ، والواصلين إلى مقامه بالتوكل الذي هو توحيد الأفعال ، والخاضعين الذين بلغوا إلى مقام تجلي الصفات وكمال مرتبة الرضا ، الغائبين في الوحدة ، الفانين فيها { وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا } الصدر الذي هو حريم القلب { بَلَدًا آمِنًا } من استيلاء صفات النفس ، واغتيال العدو اللعين ، وتخطف جن القوى البدنية { وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ } من ثمرات معارف الروح من وحد الله تعالى منهم وعلم المعاد إليه ، قال : ومن احتجب أيضاً من الذين يسكنون الصدر ولا يجاوزون حده بالترقي إلى مقام / العين لاحتجابهم بالعلم الذي وعاؤه الصدر { فَأُمَتّعُهُ قَلِيلاً } من المعاني العقلية والمعلومات الكلية النازلة إليهم من عالم الروح على حسب استعدادهم { ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ } نار الحرمان والحجاب { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [ البقرة : 126 ] مصيرهم لتعذيبهم بنقصانهم وعدم تكميل نشأتهم { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ } على الكيفية التي ذكرناها قبل { وَإِسْمَـٰعِيلَ } كذلك قائلين { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا } مجاهداتنا ومساعينا في السلوك إليك بأمداد التوفيق { إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ } لهواجس خواطرنا فيه { ٱلْعَلِيمُ } [ البقرة : 127 ] بنياتنا وأسرارنا { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } لا تكلنا إلى أن أنفسنا { وَمِن ذُرّيَّتِنَا } المنتمين إلينا { أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا } طرق الوصول إلى نفي ما سواك { وَتُبْ عَلَيْنَا } فيك عن أنفسنا وفنائنا { إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ } الموفق للرجوع إليك { ٱلرَّحِيمِ } [ البقرة : 128 ] بمن عوّل دون السوى عليك { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ } وهو الحقيقة المحمدية { يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِكَ } الدالة عليك { وَيُعَلّمُهُمُ } كتاب العقل الجامع لصفاتك { وَٱلْحِكْـمَةِ } الدالة على نفي غيرك { وَيُزَكّيهِمْ } ويطهرهم عن دنس الشرك { إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ } [ البقرة : 129 ] الغالب ، فأنى يظهر سواك المحكم لما ظهرت فيه فلا يرى إلا إياك { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِلَّةِ إِبْرٰهِيمَ } وهي التوحيد الصرف ، إلا من احتجب عن نور العقل بالكلية ، وبقي في ظلمة نفسه { وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَـٰهُ } [ البقرة : 130 ] فكان من المحبوبين المرادين بالسابقة الأزلية في عالم الملك ، وأنه في عالم الملكوت من أهل الاستقامة ، الصالح لتدبير النظام وتكميل النوع { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ } أي وحّد وأسلم لله تعالى ذاتك { قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [ البقرة : 131 ] وفنيت فيه { وَوَصَّىٰ } بكلمة التوحيد { إِبْرٰهِيمُ بَنِيهِ } السالكين على يده { وَ } كذلك يعقوب { يَعْقُوبُ يَـٰبَنِىَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ } دينه الذي لا دين غيره عنده { فَلاَ تَمُوتُنَّ } [ البقرة : 132 ] بالموت الطبيعي وموت الجهل ، بل كونوا ميتين بأنفسكم ، أحياء بالله أبداً ، فيدرككم موت البدن على هذه الحالة { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ } فلا تكونوا مقيدين بالتقليد البحت لهم ، فليس لأحد إلا ما كسب من العلم والعمل والاعتقاد والسيرة ، فكونوا على بصيرة في أمركم ، واطلبوا ما طلبوا لتنالوا ما نالوا { وَٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [ العنكبوت : 69 ] ومن دق باب الكريم ولجّ ولج .