Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 267-267)
Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيّبَـٰتِ } أي جياد أو حلال / { مَا كَسَبْتُم } أي الذي كسبتموه أو كسبكم أي مكسوبكم من النقد وعروض التجارة والمواشي . وأخرج ابن جرير عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال في { طَيّبَـٰتِ مَا كَسَبْتُمْ } : من الذهب والفضة وفي قوله تعالى : { وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مّنَ ٱلأَرْضِ } يعني من الحب والتمر وكل شيء عليه زكاة ، والجملة لبيان حال ما ينفق منه إثر بيان أصل الإنفاق وكيفيته وأعاد ( من ) في المعطوف لأن كلاً من المتعاطفين نوع مستقل ، أو للتأكيد ولعله أولى وترك ذكر الطيبات لعلمه مما قبله ، وقيل : لعلمه مما بعد ، وبعض جعل ( ما ) عبارة عن ذلك . { وَلاَ تَيَمَّمُواْ } أي تقصدوا وأصله تتيمموا بتاءين فحذفت إحداهما تخفيفاً إما الأولى وإما الثانية على الخلاف ، وقرأ عبد الله ( ولا تأمموا ) ، وابن عباس ( تيمموا ) بضم التاء والكل بمعنى { ٱلْخَبِيثَ } أي الردىء وهو كالطيب من الصفات الغالبة التي لا تذكر موصوفاتها { مِنْهُ تُنفِقُونَ } الضمير المجرور للخبيث وهو متعلق بتنفقون والتقديم للتخصيص ، والجملة حال مقدرة من فاعل { تَيَمَّمُواْ } أي لا تقصدوا الخبيث قاصرين الإنفاق عليه ، أو من الخبيث أي مختصاً به الإنفاق ، وأياً ما كان لا يرد أنه يقتضي أن يكون النهي عن الخبيث الصرف فقط مع أن المخلوط أيضاً كذلك لأن التخصيص لتوبيخهم بما كانوا يتعاطون من إنفاق الخبيث خاصة . فعن عبيدة السلماني قال : سألت علياً كرم الله تعالى وجهه عن هذه الآية فقال : نزلت في الزكاة المفروضة كان الرجل يعمد إلى التمر فيصرمه فيعزل الجيد ناحية فإذا جاء صاحب الصدقة أعطاه من الردىء فقال الله تعالى : { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ } وقيل : متعلق بمحذوف وقع حالاً من ( الخبيث ) ، والضمير راجع إلى المال الذي في ضمن القسمين ، أو لما أخرجنا وتخصيصه بذلك لأن الرداءة فيه أكثر وكذا الحرمة لتفاوت أصنافه ومجالبه ، و { تُنفِقُونَ } حال من الفاعل المذكور أي ولا تقصدوا الخبيث كائناً من المال أو مما أخرجنا لكم منفقين إياه . وقوله تعالى : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ } حال على كل حال من ضمير { تُنفِقُونَ } أي والحال أنكم لستم بآخذيه في وقت من الأوقات أو بوجه من الوجوه { إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ } إلا وقت إغماضكم أو إلا بإغماضكم فيه والإغماض كالغمض إطباق الجفن لما يعرض من النوم ، وقد استعير هنا كما قال الراغب للتغافل والتساهل ، وقيل : إنه كناية عن ذلك ولا يخلو عن تساهل وتغافل ، وذكر أبو البقاء أنه يستعمل متعدياً وهو الأكثر ولازماً مثل أغضى عن كذا ، والآية محتملة للأمرين ، وعلى الأول : يكون المفعول محذوفاً أي أبصاركم ، والجمهور على ضم التاء وإسكان العين وكسر الميم . وقرأ الزهري تغمضوا بتشديد الميم ، وعنه أيضاً تغمضوا بضم الميم وكسرها مع فتح التاء ، وقرأ قتادة تغمضوا على البناء للمفعول أي تحملوا على الإغماض أي توجدوا مغمضين وكلا المعنيين مما أثبته الحفاظ ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ، والمنسبك من { أَنْ } والفعل على كل تقدير في موضع الجر كما أشرنا إليه ، وجوز أبو البقاء أن يكون في موضع النصب على الحالية ، وسيبويه لا يجوز أن تقع { أن } وما في حيزها حالاً ، وزعم الفراء { أَنْ } هنا شرطية لأن معناه إن أغمضتم أخذتم ، وينبغي أن يغمض طرف القبول عنه ، ومن البعيد في الآية ما قيل : إن الكلام تم عند قوله تعالى : { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ } ثم استؤنف فقيل على طريقة التوبيخ والتقريع : { مِنْهُ تُنفِقُونَ } والحال أنكم لا تأخذونه إلا إن أغمضتم فيه ومآله الاستفهام الإنكاري فكأنه قيل : أمنه تنفقون الخ ، وهو على بعده خلاف التفاسير المأثورة عن السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم . / { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ } عن نفقاتكم وإنما أمركم بها لانتفاعكم ، وفي الأمر بأن يعلموا ذلك مع ظهور علمهم به توبيخ لهم على ما يصنعون من إعطاء الخبيث وإيذان بأن ذلك من آثار الجهل بشأنه عن شأنه { حَمِيدٌ } أي مستحق للحمد على نعمه ، ومن جملة الحمد اللائق بجلاله تحري إنفاق الطيب مما أنعم به ، وقيل : حامد بقبول الجيد والإثابة عليه . واحتج بالآية على وجوب زكاة قليل ما تخرجه الأرض وكثيره حتى البقل ، واستدل بها على أن من زرع في أرض اكتراها فالزكاة عليه لا على رب الأرض لأن { أَخْرَجْنَا لَكُم } يقتضي كونه على الزارع وعلى أن صاحب الحق لا يجبر على أخذ المعيب بل له الرد وأخذ سليم بدله .