Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 32-32)
Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالُواْ سُبْحَـٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا } استئناف واقع موقع الجواب كأنه قيل : فماذا قالوا إذ ذاك : هل خرجوا عن عهدة ما كلفوه أولاً ؟ فقيل : { قَالُواْ } : الخ . وذكر غير واحد أن الجمل المفتتحة بالقول - إذا كانت مرتباً بعضها على بعض في المعنى فالأفصح أن لا يؤتى فيها بحرف اكتفاء بالترتيب المعنوي ، وقد جاء في سورة الشعراء من ذلك كثير ، بل القرآن مملوء منه ، وسبحان قيل : إنه مصدر ، وفعله - سبح - مخففاً بمعنى نزه ، ولا يكاد يستعمل إلا مضافاً ، إما للمفعول أو الفاعل منصوباً بإضمار فعل وجوباً ، وقوله : @ سبحانه ثم سبحاناً نعوذ به وقبلنا سبح الجودي والجمد @@ شاذ كقوله : @ سبحانك اللهم ذا السبحان @@ ومجئيه منادى مما زعمه الكسائي ولا حجة له وذهب جماعة إلى أنه علم للتسبيح - بمعنى التنزيه - لا مصدر سبح - بمعنى قال : سبحان الله لئلا يلزم الدور ولأن مدلول ذلك لفظ ومدلول هذا معنى واستدل على ذلك بقوله : @ قد قلت لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر @@ إذ لولا أنه عَلَمٌ لوجب صرفه لأن الألف والنون في غير الصفات إنما تمنع مع العلمية ، وأجيب بأن - سبحان - فيه على حذف المضاف إليه أي - سبحان الله - وهو مراد للعلم به ، وأبقى المضاف على حاله مراعاة لأغلب أحواله - وهو التجرد عن التنوين - وقيل : ( من ) زائدة والإضافة لما بعدها على التهكم والاستهزاء به ، ومن الغريب قول بعض : إن معنى { سُبْحَـٰنَكَ } تنزيه لك بعد تنزيه ، كما قالوا في - لبيك - إجابة بعد إجابة ، ويلزم على هذا ظاهراً أن يكون مثنى ومفرده سبحا وأن لا يكون منصوباً - بل مرفوع - وأنه لم تسقط النون للإضافة وإنما التزم فتحها ، ويا سبحان الله تعالى لمن يقول ذلك ، والغرض من هذا الجواب الاعتراف بالعجز عن أمر الخلافة ، والقصور عن معرفة الأسماء على أبلغ وجه كأنهم قالوا : لا علم لنا إلا ما علمتنا - ولم تعلمنا الأسماء - فكيف نعلمها ؟ وفيه إشعار بأن سؤالهم لم يكن إلا استفساراً ، إذ لا علم لهم إلا من طريق التعليم ، ومن جملته علمهم بحكمة الاستخلاف مما تقدم فهو بطريق التعليم أيضاً - فالسؤال المترتب هو عليه سؤال مستفسر لا معترض وثناء عليه تعالى بما أفاض عليهم مع غاية التواضع ومراعاة الأدب وترك الدعوى ، ولهذا كله لم يقولوا - لا علم لنا بالأسماء - مع أنه كان مقتضى الظاهر ذلك ، ومن زعم عدم العصمة جعل هذا توبة ، والإنصاف أنه يشبهها ولكن / لا عن ذنب مخل بالعصمة بل عن ترك أولى بالنسبة إلى علو شأنهم ورفعة مقامهم إذ اللائق بحالهم على العلات أن يتركوا الاستفسار ويقفوا مترصدين لأن يظهر حقيقة الحال . و ( ما ) عند الجمهور موصولة حذف عائدها وهي إما في موضع رفع على البدل أو نصب على الاستثناء . وحكى ابن عطية عن الزهراوي أنها في موضع نصب بـ { عَلَّمْتَنَا } ويتكلف لتوجيهه بأن الاستثناء منقطع ، فـ { إِلا } بمعنى لكن . و { مَا } شرطية والجواب محذوف كأنهم نفوا أولاً سائر العلوم ثم استدركوا أنه في المستقبل أي شيء علمهم علموه ويكون ذلك أبلغ في ترك الدعوى كما لا يخفى . { إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } تذييل يؤكد مضمون الجملة السابقة ، ولما نفوا العلم عن أنفسهم أثبتوه لله تعالى على أكمل أوصافه وأردفوه بالوصف بالحكمة لما تبين لهم ما تبين - وأصل الحكمة - المنع ومنه حكمة الدابة لأنها تمنعها عن الاعوجاج ، وتقال للعلم لأنه يمنع عن ارتكاب الباطل ، ولإتقان الفعل لمنعه عن طرق الفساد والاعتراض وهو المراد هٰهنا لئلا يلزم التكرار ، فمعنى الحكيم ذو الحكمة ، وقيل : المحكم لمبدعاته ، قال في « البحر » : وهو على الأول صفة ذات ، وعلى الثاني صفة فعل ، والمشهور أنه إن أريد به العليم - كان من صفات الذات أو الفاعل لما - لا اعتراض عليه كان من صفات الفعل فافهم . وقدم سبحانه الوصف بالعلم على الوصف بالحكمة لمناسبة ما تقدم من { أَنْبِئُونِي } [ البقرة : 31 ] و { سُبْحَـٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا } ولأن الحكمة لا تبعد عن العلم وليكون آخر مقالتهم مخالفاً لما يتوهم من أولها ، و { أَنتَ } يحتمل أن يكون فصلاً لا محل له على المشهور يفيد تأكيد الحكم ، والقصر المستفاد من تعريف المسند ، وقيل : هو تأكيد لتقرير المسند إليه ، ويسوغ في التابع ما لا يسوغ في المتبوع ، وقيل : مبتدأ خبره ما بعده ، والحكيم إما خبر بعد خبر أو نعت له وحذف متعلقهما لإفادة العموم ، وقد خصهما بعض فقال : العليم بما أمرت ونهيت الحكيم فيما قضيت وقدرت والعموم أولى .