Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 36-36)
Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ عَنْهَا } أي حملهما على الزلة بسببها ، وتحقيقه أصدر زلتهما عنها وعن هذه مثلها في قوله تعالى : { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرٰهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ } [ التوبه : 114 ] والضمير على هذا للشجرة ، وقيل : أزلهما أي أذهبهما ، ويعضده قراءة حمزة ( فأزالهما ) وهما متقاربان في المعنى غير أن أزلّ يقتضي عثرة مع الزوال - والضمير حينئذ للجنة وعوده إلى الشجرة بتجوز ، أو تقدير مضاف أي محلها - أو إلى الطاعة المفهومة من الكلام - بعيد ، وإزلاله - عليه اللعنة - إياهما - عليهما السلام - كان بكذبه عليهما ومقاسمته على ما قص الله تعالى في كتابه ، وفي كيفية توسله إلى ذلك أقوال ، فقيل : دخل الجنة ابتلاء لآدم وحواء ، وقيل : قام عند الباب فناداهما ، وأفسد حالهما ، وقيل : تمثل بصورة دابة فدخل ولم يعرفه الخزنة ، وقيل : أرسل بعض أتباعه إليهما . وقيل : بينما هما يتفرجان في الجنة إذ راعهما طاووس تجلى لهما على سور الجنة فدنت حواء منه وتبعها آدم فوسوس لهما من وراء الجدار ، وقيل : توسل بحية تسورت الجنة - ومشهور حكاية الحية - وهذان الأخيران يشير أولهما : عند ساداتنا الصوفية إلى توسله من قبل الشهوة خارج الجنة ، وثانيهما : إلى توسله بالغضب ، وتسور جدار الجنة عندهم إشارة إلى أن الغضب أقرب إلى الأفق الروحاني والحيز القلبي من الشهوة ، وقيل : توسله إلى ما توسل إليه إذ ذاك مثل توسله اليوم إلى إذلال من شاء الله تعالى وإضلاله ، ولا نعرف من ذلك إلا الهواجس والخواطر التي تفضي إلى ما تفضي ، ولا جزم عند كثير من دخول الشيطان في القلب بل لا يعقلونه ، ولهذا قالوا : خبر " إن الشيطان - يجرى من بني آدم مجرى الدم - " محمول على الكناية عن مزيد سلطانه عليهم وانقيادهم له ، وكأني بك تختار هذا القول ، وقال أبو منصور : ليس لنا البحث عن كيفية ذلك ، ولا نقطع القول بلا دليل ، وهذا من الإنصاف بمكان ، وقرأ ابن مسعود / رضي الله تعالى عنه { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ عَنْهَا } والضمير في هذه القراءة - للشجرة - لا غير ، وعوده إلى - الجنة - بتضمين الإذهاب ونحو بعيد . { فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } أي من النعيم والكرامة أو من الجنة . والأول : جار على تقدير رجوع ضمير { عَنْهَا } إلى - الشجرة - أو - الجنة - والثاني : مخصوص بالتقدير الأول لئلا يسقط الكلام . وقيل : أخرجهما من لباسهما الذي { كَانَا فِيهِ } لأنهما لما أكلاَ تهافت عنهما ، وفي الكلام من التفخيم ما لا يخفى . { وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } - الهبوط - النزول ، وعين المضارع تكسر وتضم ، وقال المفضل : هو الخروج من البلد ، والدخول فيها من الأضداد - ويقال في انحطاط المنزلة - والبعض في الأصل مصدر بمعنى القطع ويطلق على الجزء ، وهو ككل ملازم للإضافة - لفظاً أو نية - ولا تدخل عليه اللام ، ويعود عليه الضمير مفرداً ومجموعاً - إذا أريد به جمع - والعدو - من - العداوة - مجاوزة الحد أو التباعد أو الظلم ، ويطلق على الواحد المذكر ومن عداه بلفظ واحد ، وقد يقال : - أعداء وعدوة - والخطاب لآدم وحواء ، لقوله تعالى : { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً } [ طه : 123 ] والقصة واحدة ، وجمع الضمير لتنزيلهما منزلة البشر كلهم ، ولما كان في الأمر بالهبوط انحطاط رتبة المأمور لم يفتتحه بالنداء - كما افتتح الأمر بالسكنى - واختار الفراء أن المخاطب هما - وذريتهما - وفيه خطاب المعدوم ، والمأثور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد وكثير من السلف - أنه هما وإبليس - واعترض بخروجه قبلهما ، وأجيب بأن الإخبار عما قال لهم مفرقاً على أنه لا مانع من المعية وقيل : هم والحية ، واعترض بعدم تكليفها ، - وأجيب بأن الأمر تكويني ، والجملة الإسمية منصوبة المحل على الحال المقدرة ، والحكم باعتبار الذرية - وإذا دخل إبليس والحية - كان الأمر أظهر ، ولا يرد أنه كيف يقيد الأمر بالتعادي - وهو منهي عنه - لأنا نقول : بصرف توجه النظر عن القيد كون العداوة طبيعية والأمور الطبيعية غير مكلف بها - وإن كلف فبالنظر إلى أسبابها ، وإذا جعل الأمر تكوينياً زال الإشكال - إلا أن فيه بعداً - وبعضهم يجعل الجملة مستأنفة على تقدير السؤال فراراً عن هذا السؤال - مع ما في الاكتفاء بالضمير دون الواو في الجملة الإسمية الحالية من - المقال ، حتى ذهب الفراء إلى شذوذه ، وإن كان التحقيق ما ذكره بعض المحققين أن الجملة الحالية لا تخلو من أن تكون من سبب ذي الحال أو أجنبية - فإن كانت من سببه لزمها العائد والواو كجاء زيد ، وأبوه منطلق إلا ما شذ من نحو كلمته فوه إلى في وإن أجنبية لزمتها الواو نائبة عن العائد ، وقد يجمع بينهما - كقدم بشر وعمرو قادم إليه - وقد جاءت - بلا ولا - كقوله : @ ثم انتصبنا جبال الصغد معرضة عن اليسار وعن أيماننا جدد @@ وقد تكون صفة ذي الحال كـ { تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } [ البقرة : 83 ] وهذه يجوز فيها الوجهان باطراد ، وما نحن فيه من هذا القبيل فتدبر . وإفراد العدو إما للنظر إلى لفظ البعض ، وإما لأن وزانه وزان المصدر كالقبول ، وبه تعلق ما قبله واللام - كما في « البحر » - مقوية ، وقرأ أبو حيوة { ٱهْبِطُواْ } - بضم الباء - وهو لغة فيه ، وبهذا الأمر نسخ الأمر والنهي السابقان . { وَلَكُمْ فِى ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ } أراد بالأرض محل الإهباط ، وليس المراد شخصه الذي هو لآدم عليه السلام - موضع بجبل سرنديب - ولحواء موضع بجدة ، ولإبليس موضع بالأبلة ، ولصاحبته موضع بنصيبين أو أصبهان أو سجستان - والمستقر - اسم مكان أو مصدر ميمي ، ويحتمل على بعد كونه اسم مفعول بمعنى ما استقر ملككم عليه وتصرفكم فيه - وأبعد منه - احتمال كونه اسم زمان ؛ / وهو مبتدأ خبره { لَكُمْ } وفيه متعلق بما تعلق به - والمتاع - البلغة ، مأخوذ من متع النهار - إذا ارتفع - ويطلق على الانتفاع الممتد وقته - ولا يختص بالحقير والحين مقدار من الزمان - قصيراً أو طويلاً - والمراد هنا إلى وقت الموت - وهو القيامة الصغرى - وقيل : إلى يوم القيامة الكبرى ، وعليه تجعل السكنى في القبر تمتعاً في الأرض ، أو يجعل الخطاب شاملاً لإبليس ويراد الكل المجموعي والجار متعلق بمتاع ، قيل : أو به ، وبمستقر على التنازع أو بمقدار صفة لمتاع - وهذه الجملة كالتي قبلها استئنافاً وحالية .