Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 46-46)

Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الظن في الأصل الحسبان واللقاء وصول أحد الجسمين إلى الآخر بحيث يماسه ، والمراد من ملاقاة الرب سبحانه ، إما ملاقاة ثوابه أو الرؤية عند من يجوّزها ، وكل منهما مظنون متوقع لأنه وإن علم الخاشع أنه لا بد من ثواب للعمل الصالح ، وتحقق أن المؤمن يرى ربه يوم المآب لكن من أين يعلم ما يختم به عمله ففي وصف أولئك بالظن إشارة إلى خوفهم ، وعدم أمنهم مكر ربهم { فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } [ الأعراف : 99 ] وفي تعقيب الخاشعين به حينئذ لطف لا يخفى ، إلا أن عطف { … أَنَّهُمْ إِلَيْهِ رٰجِعُونَ } على ما قبله يمنع حمل الظن على ما ذكر لأن الرجوع إليه تعالى المفسر بالنشور أو المصير إلى الجزاء مطلقاً ، مما لا يكفي فيه الظن والتوقع بل يجب القطع به اللهم إلا أن يقدر له عامل أي ويعلمون أو يقال : إن الظن متعلق بالمجموع من حيث هو مجموع ، وهو كذلك / غير مقطوع به وإن كان أحد جزئيه مقطوعاً أو يقال : إن الرجوع إلى الرب هنا المصير إلى جزائه الخاص ، أعني الثواب بدار السلام ، والحلول بجواره جل شأنه والكل خلاف الظاهر ولهذا اختير تفسير الظن باليقين مجازاً ، ومعنى التوقع والانتظار في ضمنه ، ولقاء الله تعالى بمعنى الحشر إليه ، والرجوع بمعنى المجازات ثواباً أو عقاباً فكأنه عز شأنه قال : يعلمون أنهم يحشرون إليهم فيجازيهم متوقعين لذلك ، وكأن النكتة في استعمال الظن المبالغة في إيهام أن من ظن ذلك لا يشق عليه ما تقدم فكيف من تيقنه والتعرض لعنوان الربوبية للإشعار بعلية الربوبية والمالكية للحكم وجعل خبر ( أن ) في الموضعين اسماً للدلالة على تحقق اللقاء والرجوع وتقررهما عنده ، وقرأ ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ( يعلمون ) وهي تؤيد هذا التفسير . ومن باب الإشارة : { أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرّ } الذي هو الفعل الجميل الموجب لصفاء القلب وزكاء النفس ولا تفعلون ما ترتقون به من مقام تجلي الأفعال إلى تجلي الصفات { وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ } كتاب فطرتكم الذي يأمركم بالدين السالك بكم سبيل التوحيد { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ البقرة : 44 ] فتقيدون مطلقات صفاتكم الذميمة بعقال ما أفيض عليكم من الأنوار القديمة ، واطلبوا المدد والعون ممن له القدرة الحقيقية بالصبر على ما يفعل بكم ، لكي تصلوا إلى مقام الرضا والصلاة التي هي المراقبة وحضور القلب لتلقي تجليات الرب ، وإن المراقبة لشاقة إلا على المنكسرة قلوبهم ، اللينة أفئدتهم لقبول أنوار التجليات اللطيفة ، واستيلاء سطواتها القهرية ، فهم الذين يتيقنون أنهم بحضرة ربهم { وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رٰجِعُونَ } [ البقرة : 46 ] بفناء صفاتهم ومحوها في صفاته ؛ فلا يجدون في الدار إلا شؤون الملك اللطيف القهار .