Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 40-40)

Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ } هذا وما بعده كالفذلكة للآيات المتضمنة تعذيب من كفر ولم يمتثل أمر من أرسل إليه ، وقال أبو السعود : هذا تفسير لما ينبىء عنه عدم سبقهم بطريق الإبهام وما بعده تفصيل للأخذ ، وفي القلب منه شيء . وكأنه اعتبر رجوع ضمير { كَانُوا } [ العنكبوت : 39 ] إلى المهلكين ، وقد علمت حاله وتقديم المفعول للاهتمام بأمر الاستيعاب والاستغراق ، وقال الفاضل : المذكور للحصر أي كل واحد من المذكورين عاقبناه بجنايته لا بعضاً دون بعض ، وبحث فيه بأن كلاً متكفلة بهذا المعنى قدمت أو أخرت ، وأجيب بأنا لا نسلم أنه يفهم منها لا بعضاً إذا أخرت وإنما يفهم منها بواسطة التقديم فتأمل ، والكلام في مرجع ضمير { بذنبه } سؤالاً وجواباً لا يخفى على من أحاط علماً بما قيل في قولهم : كل رجل وضيعته . وقولهم : الترتيب جعل كل شيء في مرتبته ، وهو شهير بين الطلبة . { فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً } أي ريحاً عاصفاً فيها حصباء ، وقيل : ملكاً رماهم بالحصباء وهم قوم لوط . وقال ابن عطية : يشبه أن يدخل عاد في ذلك لأن ما أهلكوا به من الريح كانت شديدة وهي لا تخلو عن الحصب بأمور مؤذية ، والحاصب هو العارض من ريح أو سحاب إذا رمي بشيء { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ } هم مدين وثمود ولم يقل أخذناه بالصيحة ليوافق ما قبله وما بعده في إسناد الفعل إليه تعالى الأوفق بقوله تعالى : { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ } دفعاً لتوهم أن يكون سبحانه هو الصائح { وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ } وهو قارون { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا } وهو فرعون ومن معه ، وذكر بعضهم قوم نوح عليه السلام أيضاً . واعترض بأنهم ليسوا من المذكورين ، وتعقب بأنهم أول المذكورين في هذه السورة من الأمم السالفة ، ولعل المعترض أراد بالمذكورين المذكورين متناسقين أي بلا فصل بأمة لم تفد قصتها إهلاكها ، وقوم نوح وإن ذكروا أولاً لكن فصل بينهم وبين نظائرهم من المهلكين بقصة قوم إبراهيم عليه السلام وهي لم تفد أنهم أهلكوا ، وذكر النيسابوري أنه سبحانه قرر بقوله تعالى : { فَكُلاًّ } الخ أمر المذنبين بإجمال آخر يفيد أنهم عذبوا بالعناصر الأربعة فجعل ما منه تركيبهم سبباً لعدمهم وما منه بقاؤهم سبباً لفنائهم ، فالحاصب وهو حجارة محماة تقع على كل واحد منهم فتنفذ من الجانب الآخر إشارة إلى التعذيب بعنصر النار ، والصيحة وهي تموج شديد في الهواء إشارة إلى التعذيب بعنصر الهواء ، والخسف إشارة إلى التعذيب بعنصر التراب ، والغرق إشارة إلى التعذيب بعنصر الماء اهـ ولا يخفى ما فيه . { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ } أي ما كان سبحانه مريداً لظلمهم وذلك بأن يعاقبهم من غير جرم لأنه خلاف ما تقتضيه الحكمة وفي « أنوار التنزيل » أي ما كان سبحانه ليعاملهم معاملة الظالم فيعاقبهم بغير جرم إذ ليس ذلك من سنته عز وجل ، ويفيد أنه لو وقع منه تعالى تعذيبهم من غير جرم لا يكون ظلماً لأنه تعالى مالك الملك يتصرف به كما يشاء فله أن يثيب العاصي ويعذب المطيع ، وهذا أمر مشهور بين الأشاعرة والكلام في تحقيقه يطلب من علم الكلام . وقد أسلفنا في تفسير قوله تعالى : { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـئَلُونَ } [ الأنبياء : 23 ] ما ينفعك في هذا المقام تذكره فتذكر . { وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } بالاستمرار على مباشرة ما يوجب ذلك من الكفر والمعاصي باختيارهم ، وقال مولانا الشيخ إبراهيم الكوراني ما حاصله : إن ظلم الكفرة أنفسهم / إنما هو لسوء استعدادهم الذي هم عليه في نفس الأمر من غير مدخل للجعل فيه وبلسان ذلك الاستعداد طلبوا من الجواد المطلق جل وعلا ما صار سبباً لظهور شقائهم اهـ ، والبحث في ذلك طويل الذيل فليطلب من محله ، وتقديم المعمول لرعاية رؤوس الآي .