Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 185-185)
Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ } أي نازل بها لا محالة فكأنها ذائقته وهو وعد ووعيد للمصدق والمكذب وفيه تأكيد للتسلية له صلى الله عليه وسلم لأن تذكر الموت واستحضاره مما يزيل / الهموم والأشجان الدنيوية . وفي الخبر " أكثروا ذكر هاذم اللذات فإنه ما ذكر في كثير إلا وقلله ولا في قليل إلا وكثره " وكذا العلم بأن وراء هذه الدار داراً أخرى يتميز فيها المحسن عن المسيء ويرى كل منهما جزاء عمله ، وهذه القضية الكلية لا يمكن إجراؤها على عمومها لظاهر قوله تعالى : { فَصَعِقَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } [ الزمر : 68 ] وإذا أريد بالنفس الذات كثرت المستثنيات جداً ، وهل تدخل الملائكة في هذا العموم ؟ قولان ، والجمهور على دخولهم . فعن ابن عباس أنه قال : لما نزل قوله تعالى : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } [ الرحمن : 26 ] قالت الملائكة : مات أهل الأرض فلما نزل { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ } قالت الملائكة : متنا ، ووقوع الموت للأنفس في هذه النشأة الحيوانية الجسمانية مما لا ريب فيه إلا أن الحكماء بنوا ذلك على أن هذه الحياة لا تحصل إلا بالرطوبة والحرارة الغريزيتين . ثم إن الحرارة تؤثر في تحليل الرطوبة ، فإذا قَلت الرطوبة ضعفت الحرارة ولا تزال هذه الحال مستمرة إلى أن تفنى الرطوبة الأصلية فتنطفىء الحرارة الغريزية ويحصل الموت ، ومن هنا قالوا : إن الأرواح المجردة لا تموت ولا يتصور موتها إذ لا حرارة هناك ولا رطوبة ، وقد ناقشهم المسلمون في ذلك والمدار عندهم على حرارة الكاف ورطوبة النون ، ولعلهم يفرقون بين موت وموت ، وقد استدل بالآية على أن المقتول ميت وعلى أن النفس باقية بعد البدن لأن الذائق لا بد أن يكون باقياً حال حصول المذوق فتدبر ، وقرأ اليزيدي { ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ } بالتنوين ونصب الموت على الأصل ؛ وقرأ الأعمش { ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ } بطرح التنوين مع النصب كما في قوله : @ فألفيته غير مستعتب ولا ذاكراً لله إلا قليلاً @@ وعلى القراءات الثلاث { كُلُّ نَفْسٍ } مبتدأ وجاز ذلك وإن كان نكرة لما فيه من العموم ، و { ذَائِقَةُ } الخبر ، وأنث على معنى { كُلٌّ } لأن { كُلُّ نَفْسٍ } نفوس ولو ذكر في غير القرآن على لفظ { كُلٌّ } جاز . { وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ } أي تعطون أجزية أعمالكم وافية تامة { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي وقت قيامكم من القبور ، فالقيامة مصدر والوحدة لقيامهم دفعة واحدة ، وفي لفظ التوفية إشارة إلى أن بعض أجورهم من خير أو شر تصل إليهم قبل ذلك اليوم ، ويؤيده ما أخرجه الترمذي عن أبـي سعيد الخدري والطبراني في « الأوسط » عن أبـي هريرة مرفوعاً " القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران " ، وقيل : النكتة في ذلك أنه قد يقع الجزاء ببعض الأعمال في الدنيا ، ولعل من ينكر عذاب القبر تتعين عنده هذه النكتة . { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ } أي بعد يومئذٍ عن نار جهنم ، وأصل الزحزحة تكرير الزح ، وهو الجذب بعجلة ، وقد أريد هنا المعنى اللازم { وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } أي سعد ونجا قاله ابن عباس ، وأصل الفوز الظفر بالبغية ، وبعض الناس قدر له هنا متعلقاً أي فاز بالنجاة ونيل المراد ، ويحتمل أنه حذف للعموم أي بكل ما يريد ، وفي الخبر " لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية " وأخرج أحمد ومسلم عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه " وذكر دخول الجنة بعد البعد عن النار لأنه لا يلزم من البعد عنها دخول الجنة كما هو ظاهر . { وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا } أي لذاتها وشهواتها وزينتها { إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ } المتاع ما يتمتع به وينتفع / به مما يباع ويشترى وقد شبهها سبحانه بذلك المتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه إشارة إلى غاية رداءتها عند من أمعن النظر فيها : @ إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق @@ وعن قتادة هي متاع متروك أوشكت والله أن تضمحل عن أهلها فخذوا من هذا المتاع طاعة الله تعالى إن استطعتم ولا قوة إلا بالله ، وعن علي كرم الله تعالى وجهه هي لين مسها قاتل سمها ، وقيل : الدنيا ظاهرها مظنة السرور وباطنها مطية الشرور ، وذكر بعضهم أن هذا التشبيه بالنسبة لمن آثرها على الآخرة ، وأما من طلب بها الآخرة فهي له متاع بلاغ ، وفي الخبر " نعم المال الصالح للرجل الصالح " ، والغرور مصدر أو جمع غار .