Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 148-148)

Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوء مِنَ ٱلْقَوْلِ } عدم محبته سبحانه لشيء كناية عن غضبه ، والباء متعلقة بالجهر ، وموضع الجار والمجرور نصب أو رفع ، و { مِنْ } متعلقة بمحذوف وقع حالاً من السوء ، والجهر بالشيء الإعلان به والإظهار كما يفهم من « القاموس » ، وفي « الصحاح » جهر بالقول رفع صوته به ، ولعل المراد هنا الإظهار وإن لم يكن برفع صوت أي لا يحب الله سبحانه أن يعلن أحد بالسوء كائناً من القول { إَلاَّ مَن ظُلِمَ } أي إلا جهر من ظلم فإنه غير مسخوط عنده تعالى ، وذلك بأن يدعو على ظالمه أو يتظلم منه ويذكره بما فيه من السوء ؛ وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقتادة : هو أن يدعو على من ظلمه ، وعن مجاهد أن المراد لا يحب الله سبحانه أن يذم أحد أحداً أو يشكوه إلا من ظلم فيجوز له أن يشكو ظالمه ويظهر أمره ويذكره بسوء ما قد صنعه ، وعن الحسن . والسدي وهو المروي عن أبـي جعفر رضي الله تعالى عنه المراد : لا يحب الله تعالى الشتم في الانتصار إلا من ظلم فلا بأس له أن ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الانتصار به في الدين ، وجوز الحسن للرجل إذا قيل له : يا زاني أن يقابل القائل له بمثل ذلك ، وأخرج ابن جرير عن مجاهد أن رجلاً ضاف قوماً فلم يطعموه فاشتكاهم فعوتب عليه فنزلت ، وأنت تعلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأبيّ وابن جبير والضحاك وعطاء أنهم قرءوا { إَلاَّ مَن ظَلَمَ } على البناء للفاعل ، فالاستثناء منقطع ، والمعنى لكن الظالم يحبه أو لكنه يفعل ما لا يحبه الله تعالى فيجهر بالسوء ، والموصول في محل نصب ، وجوز الزمخشري أن يكون مرفوعاً بالإبدال من فاعل { يُحِبُّ } كأنه قيل : لا يحب الجهر بالسوء إلا الظالم على لغة من يقول : ما جاءني زيد إلا عمرو بمعنى ما جاءني إلا عمرو ، ومنه { لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [ النمل : 65 ] وهي لغة تميمية ، وعليها قول الشاعر : @ عشية ما تغنى الرماح مكانها ولا النبل ( إلا ) المشرفي المصمم @@ وقد نقل هذه اللغة سيبويه وأنكرها البعض ، وكفى بنقل شيخ الصناعة سنداً للمثبت ، ونقل عن أبـي حيان أنه ليس البيت كالمثال لأنه قد يتخيل فيه عموم على معنى السلاح ، وأما زيد فلا يتوهم فيه عموم ولا يمكن تصحيحه إلا على أن أصله ما جاءني زيد ولا غيره ، فحذف المعطوف لدلالة الاستثناء وكذا الآية التي ذكرت ، ورد كما قال الشهاب بأنه لو كان التقدير ما ذكره في المثال لكان الاستثناء متصلاً والمفروض خلافه ، وأن المراد كما يفهمه كلام الطيبـي جعل المبدل منه بمنزلة غير المذكور حتى كأن الاستثناء مفرغ والنفي عام إلا أنه صرح بنفي بعض أفراد العام لزيادة اهتمام بالنفي عنه ، أو لكونه مظنة توهم الإثبات ، فيقولون : ما جاءني زيد إلا عمرو ، والمعنى ما جاءني إلا عمرو فكذا ههنا المعنى لا يحب الجهر بالسوء إلا الظالم فأدخل لفظ { ٱللَّهُ } تأكيداً لنفي / محبته تعالى يعني لله سبحانه اختصاص في عدم محبته ليس لأحد غيره ذلك . فإن قيل : ما بعد { إِلاَّ } حينئذ لا يكون فاعلاً وهو ظاهر فتعين البدل وهو غلط ، أجيب بأنه إنما يكون غلطاً لو لم يكن هذا الخاص في موقع العام ، ولم يكن المعنى ما جاءني أحد إلا عمرو فإن قيل : فكيون لفظ { ٱللَّهُ } مجازاً عن أحد ولا سبيل إليه ، أجيب بأن لا يحب الله مؤل بلا يحب أحد ، وواقع موقعه من غير تجوز في لفظ { ٱللَّهُ } كذا قيل ، وتعقبه الشهاب بأن المستثنى منه إذا كان عاماً ، فإما بتقدير لفظ كما ذكره أبو حيان وإما بالتجوز في لفظ العلم ، وكلاهما مرّ ما فيه ، ولا طريق آخر للعموم ، فما ذكره المجيب لا بد من بيان طريقه اللهم إلا أن يقال : إن الاستثناء من العلم يشترط فيه أن يكون صاحبه أحق بالحكم بحيث إذا نفى عنه يعلم نفيه عن غيره بالطريق الأولى من غير تقدير ولا تجوز فيقال هنا مثلاً : إذا لم يحب الله سبحانه الجهر بالسوء وهو الغني عن جميع الأشياء فغيره لا يحبه بطريق من الطرق ، وأنت تعلم أن هذا لا يشفي الغليل لأن الاشتراط المذكور مما لم يقم عليه دليل ، على أن دعوى كون نفي حب الجهر بالسوء عنه تعالى يعلم منه نفيه عن غيره بالطريق الأولى في غاية الخفاء ، فالأولى ماذكره بعد بأن يقال يقدر في الكلام ما ذكر لكنه عد الاستثناء منقطعاً بحسب المتبادر ، والنظر إلى الظاهر . وجوّز على قراءة المعلوم أن يكون متعلقاً بالسوء أي إلا سوء من ظلم فيجب الجهر به ويقبله ، وقيل : إنه متعلق بقوله تعالى : { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ } [ النساء : 147 ] فقد روي عن الضحاك بن مزاحم أنه كان يقول هذا على التقديم والتأخير ، أي ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ، إلا من ظلم وكان يقرأها كذلك ، ولا يكاد يقبل هذا في تخريج كلام الله تعالى العزيز . { وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً } بجميع المسموعات فيندرج فيها كلام المظلوم والظالم { عَلِيماً } بجميع المعلومات التي من جملتها حال المظلوم والظالم ، والجملة تذييل مقرر لما يفيده الاستثناء ولا يأبى ذلك التعميم كما توهم . ووجه ربط هذه الآية بما قبلها على ما قاله العلامة الطيبـي أنه سبحانه لما فرغ من بيان إيراد رحمته وتقرير إظهار رأفته جاء بقوله جل وعلا : { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوء } تتميماً لذلك وتعليماً للعباد التخلق بأخلاقه جل جلاله ، وفيه أن هذا مما لا محصل له ولا تتم به المناسبة ، وزعم أن الآية الأولى فيها أيضاً إشارة إلى تعليم التخلق بالأخلاق العلية كما قرره عصام الملة ورجا أن يكون من الملهمات ، وحينئذ يشتركان في أن كلا منهما متضمناً التعليم المذكور ليس بشيء كما لا يخفى ، ومثل ذلك ما ذكره علي بن عيسى في وجه الاتصال وهو أنه تعالى شأنه لما ذكر أهل النفاق ، وهو إظهار خلاف ما يبطن بيّن جل وعلا أن ما في النفس منه ما يجوز إبطانه ومنه ما يجوز إظهاره ، وقال شهاب الدين : الظاهر أنه لما ذكر الشكر على وجه علم منه رضاه سبحانه ومحبة إظهاره تممه عز وجل بذكر ضده ، فكأنه قيل : إنه يحب الشكر وإعلانه ويكره السوء وإعلانه ، وفيه احتباك بديع .