Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 60-60)
Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَلَمْ تَرَ } خطاب للنبـي صلى الله عليه وسلم ، وتعجيب له عليه الصلاة والسلام أي ألم تنظر أو ألم ينته علمك . { إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ } من الزعم وهو كما في « القاموس » « مثلث القول : الحق والباطل والكذب ضد ، وأكثر ما يقال فيما يشك فيه » ومن هنا قيل : إنه قول بلا دليل ، وقد كثر استعماله بمعنى القول الحق ، وفي الحديث عن النبـي صلى الله عليه وسلم « زعم جبريل » وفي حديث ضمام بن ثعلبة رضي الله تعالى عنه « زعم رسولك » وقد أكثر سيبويه في الكتاب من قوله : زعم الخليل كذا في أشياء يرتضيها وفي « شرح مسلم للنووي » أن زعم في كل هذا بمعنى القول ، والمراد به هنا مجرد الادعاء أي يدعون . { أَنَّهُمْ ءامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } أي القرآن . { وَمَا أُنْزِلَ } إلى موسى عليه السلام { مِن قَبْلِكَ } وهو التوراة ، ووصفوا بهذا الادعاء لتأكيد التعجيب وتشديد التوبيخ والاستقباح ، وقرىء { أنزل } و { أنزل } بالبناء للفاعل . { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ } بيان لمحل التعجيب على قياس نظائره ؛ أخرج الثعلبـي وابن أبـي حاتم من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما « أن رجلاً من المنافقين يقال له بشر : خاصم يهودياً فدعاه اليهود إلى النبـي صلى الله عليه وسلم ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف ، ثم إنهما احتكما إلى النبـي صلى الله عليه وسلم فقضى لليهودي فلم يرض المنافق وقال : تعال نتحاكم إلى عمر بن الخطاب ، فقال اليهودي لعمر رضي الله تعالى عنه : قضى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرض بقضائه ، فقال للمنافق أكذلك ؟ قال : نعم ، فقال عمر : مكانكما حتى أخرج إليكما فدخل عمر فاشتمل على سيفه ثم خرج فضرب عنق المنافق حتى برد ثم قال : هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فنزلت » ، وفي بعض الروايات « وقال جبريل عليه السلام إن عمر فرق بين الحق والباطل وسماه النبـي صلى الله عليه وسلم الفاروق رضي الله تعالى عنه » ، والطاغوت على هذا كعب / بن الأشرف ، وإطلاقه عليه حقيقة بناءاً على أنه بمعنى كثير الطغيان ، أو أنه علم لقب له كالفاروق لعمر رضي الله تعالى عنه ، ولعله في مقابلة الطاغوت ، وفي معناه كل من يحكم بالباطل ويؤثر لأجله ، ويحتمل أن يكون الطاغوت بمعنى الشيطان ، وإطلاقه على الأخس بن الأشرف إما استعارة أو حقيقة ، والتجوز في إسناد التحاكم إليه بالنسبة الإيقاعية بين الفعل ومفعوله بالواسطة ، وقيل : إن التحاكم إليه تحاكم إلى الشيطان من حيث إنه الحامل عليه فنقله عن الشيطان إليه على سبيل المجاز المرسل ، وأخرج الطبراني بسند صحيح عن ابن عباس أيضاً قال : كان أبو برزة الأسلمي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه فتنافر إليه ناس من المسلمين فأنزل الله تعالى فيهم الآية . وأخرج ابن جرير عن السدي كان أناس من يهود قريظة والنضير قد أسلموا ونافق بعضهم ، وكانت بينهم خصومة في قتيل فأبـى المنافقون منهم إلا التحاكم إلى أبـي برزة فانطلقوا إليه فسألوه فقال : أعظموا اللقمة ، فقالوا : لك عشرة أوساق فقال : لا بل مائة وسق ، فأبوا أن يعطوه فوق العشرة ، فأنزل الله تعالى فيهم ما تسمعون وعلى هذا ففي الآية من الإشارة إلى تفظيع التحاكم نفسه ما لا يخفى ، وهو أيضاً أنسب بوصف المنافقين بادعاء الإيمان بالتوراة ، ويمكن حمل خبر الطبراني عليه بحمل المسلمين فيه على المنافقين ممن أسلم من قريظة والنضير . { وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ } في موضع الحال من ضمير { يُرِيدُونَ } وفيه تأكيد للتعجيب كالوصف السابق ، والضمير المجرور راجع إلى الطاغوت وهو ظاهر على تقدير أن يراد منه الشيطان وإلا فهو عائد إليه باعتبار الوصف لا الذات ، أي أمروا أن يكفروا بمن هو كثير الطغيان أو شبيه بالشيطان ، وقيل الضمير للتحاكم المفهوم من { يَتَحَاكَمُواْ } وفيه بعد ، وقرأ عباس بن المفضل بها ، وقرىء بهن ، والضمير أيضاً للطاغوت لأنه يكون للواحد والجمع ، وإذا أريد الثاني أنث باعتبار معنى الجماعة وقد تقدم { وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَـٰلاً بَعِيداً } عطف على الجملة الحالية داخلة في حكم التعجيب ، وفيها على بعض الاحتمالات وضع المظهر موضع المضمر على معنى : يريدون أن يتحاكموا إلى الشيطان وهو بصدد إرادة إضلالهم ولا يريدون أن يتحاكموا إليك وأنت بصدد إرادة هدايتهم ، و { ضَلاَلاً } إما مصدر مؤكد للفعل المذكور بحذف الزوائد على حد ما قيل في { أَنبَتَكُمْ مّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } [ نوح : 17 ] وإما مؤكد لفعله المدلول عليه بالمذكور أي ( فيضلون ضلالاً ) ، ووصفه بالبعد الذي هو نعت موصوفه للمبالغة .