Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 19-19)

Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } إلى آخره كلام وارد بعد تتميم الغرض من إثبات ما أنكروه من البعث بأبين دليل وأوضحه دال على أن هذا المنكر أنتم لاقوه فخذوا حذركم . والتعبير بالماضي هنا وفيما بعد لتحقق الوقوع ، و { سَكْرَةُ الْمَوْتِ } شدته مستعارة من الحالة التي تعرض بين المرء وعقله بجامع أن كلاً منهما يصيب العقل بما يصيب ، وجوز أن يشبه الموت بالشراب على طريق الاستعارة المكنية ويجعل إثبات السكرة له تخييلاً ، وليس بذاك . والباء إما للتعدية كما في قولك : جاء الرسول بالخبر ، والمعنى أحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر الذي نطقت به كتب الله تعالى ورسوله عليهم الصلاة والسلام ، وقيل : حقيقة الأمر وجلية الحال من سعادة الميت وشقاوته ، وقيل : بالحق الذي ينبغي أن يكون من الموت والجزاء فإن الإنسان خلق له ، وإما للملابسة كما في قوله تعالى : { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } [ المؤمنون : 20 ] أي ملتبسة بالحق أي بحقيقة الأمر ، وقيل : بالحكمة والغاية الجميلة . وقرىء { سكرة الحق بالموت } والمعنى أنها السكرة التي كتبت على الإنسان بموجب الحكمة وانها لشدتها توجب زهوق الروح أو تستعقبه ، وقيل : الباء بمعنى مع ، وقيل : سكرة الحق سكرة الله تعالى على أن الحق من أسمائه عز وجل ، والإضافة للتهويل لأن ما يجيء من العظيم عظيم . وقرأ ابن مسعود { سكرات الموت } جمعاً ، ويوافق ذلك ما أخرج البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول : لا إله إلا الله إن للموت سكرات " وجاء في حديث صححه الحاكم عن القاسم بن محمد عن عائشة أيضاً قالت : " لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالموت وعنده قدح فيه ماء وهو يدخل يده القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول : اللهم أعني على سكرات الموت " { ذٰلِكَ } أي الحق { مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } أي تميل وتعدل ، فالإشارة إلى الحق والخطاب للفاجر لا للإنسان مطلقاً والإشارة إلى الموت لأن الكلام في الكفرة ، وإنما جيء بقوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ } [ قۤ : 16 ] لإثبات العلم بجزئيات أحواله وتضمين شبه وعيد لهؤلاء إدماجاً والتخلص منه إلى بيان أحواله في الآخرة ولأن قوله سبحانه وتعالى : { لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ } [ قۤ : 22 ] الخ يناسب خطاب هؤلاء ، وكذلك ما يعقبه على ما لا يخفى . وأما حديث مقابليهم فقد أخذ فيه حيث قال عز وجل : { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ } [ قۤ : 31 ] الآيات . وقال بعض الأجلة : الإشارة إلى الموت والخطاب للإنسان الشامل للبر والفاجر والنفرة عن الموت شاملة لكل من أفراده طبعاً . وقال الطيبـي : إن كان قوله تعالى : { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ } متصلاً بقوله سبحانه : { بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } [ قۤ : 15 ] وقوله تعالى : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } [ قۤ : 12 ] فالمناسب أن يكون المشار إليه الحق والخطاب للفاجر ، وإن كان متصلاً بقوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ } [ قۤ : 16 ] فالمناسب أن يكون المشار إليه الموت والخطاب للجنس وفيه البر والفاجر ، والالتفات لا يفارق الوجهين ، والثاني هو الوجه لقوله تعالى بعد ذلك : { وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ } [ قۤ : 21 ] الخ ، وتفصيله بقوله تعالى : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } [ قۤ : 24 ] { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } [ قۤ : 31 ] وفيه ما يعلم مما قدمنا . وحكى في « الكشاف » ( ( عن بعضهم أنه سأل زيد بن أسلم عن ذلك فقال : الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فحكاه لصالح بن كيسان فقال : والله ما من عالية ولا لسان فصيح ولا معرفة بكلام العرب هو للكافر ، ثم حكاهما للحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس فقال : أخالفهما جميعاً / هو للبر والفاجر ) ) ، وكأن هذه المخالفة لنحو ما سمعت عن الطيبـي . وفي بعض الآثار ما يؤيد القول بالعموم أخرج ابن سعد " عن عروة قال : لما مات الوليد بكت أم سلمة فقالت : " @ يا عين فأبكي للوليد بن الوليد بن المغيرة كان الوليد بن الوليد أبو الوليد فتى العشيره @@ " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقولي هكذا يا أم سلمة ولكن قولي : { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } " وأخرج أحمد وابن جرير عن عبد الله مولى الزبير بن العوام قال : لما حضر أبو بكر الوفاة تمثلت عائشة بهذا البيت : @ أعاذل ما يغني الحذار عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر @@ فقال أبو بكر : ليس كذلك يا بنية ولكن قولي : { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } وفي رواية لابن المنذر وأبـي عبيد أنها قالت : @ وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل @@ فقال رضي الله تعالى عنه : بل جاءت سكرة الموت الخ إذ التمثل بالآية على تقدير العموم أوفق بالحال كما لا يخفى .