Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 6-6)

Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي الموقد ناراً . أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم وأبو الشيخ في « العظمة » عن سعيد بن المسيب قال : قال علي كرم الله تعالى وجهه لرجل من اليهود : أين موضع النار في كتابكم ؟ قال : البحر فقال كرم الله تعالى وجهه : ما أراه إلا صادقاً ، وقرأ { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجّرَتْ } [ التكوير : 6 ] وبذلك قال مجاهد وشمر بن عطية والضحاك ومحمد بن كعب والأخفش ، وقال قتادة : المسجور المملوء يقال : سجره أي ملأه ، والمراد به عند جمع البحر المحيط ، وقيل : بحر في السماء تحت العرش ، وأخرج ذلك ابن أبـي حاتم وغيره عن علي كرم الله تعالى وجهه وابن جرير عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وفي « البحر » إنهما قالا : فيه ماء غليظ ، ويقال له : بحر الحياة يمطر العباد منه بعد النفخة الأولى أربعين صباحاً فينبتون في قبورهم ، وأخرج أبو الشيخ عن الربيع أنه الملأ الأعلى الذي تحت العرش وكأنه أراد به الفضاء الواسع المملوء ملائكة . وعن ابن عباس { ٱلْمَسْجُورِ } الذي ذهب ماؤه ، وروى ذو الرمة الشاعر - وليس له كما قيل حديث غير هذا - عن الحبر قال : خرجت أمة لتستقي فقالت : إن الحوض مسجور أي فارغ فيكون من الأضداد ، وحمل كلامه رضي الله تعالى عنه على إرادة البحر المعروف ، وأن ذهاب مائه يوم القيامة ، وفي رواية عنه أنه فسره بالمحبوس ، ومنه ساجور الكلب وهي القلادة التي تمسكه وكأنه عنى المحبوس من أن يفيض فيغرق جميع الأرض ، أو يغيض فتبقى الأرض خالية منه . وقيل : { ٱلْمَسْجُورِ } المختلط ، وهو نحو قولهم للخليل المخالط : سجير ، وجعله الراغب من سجرت التنور لأنه سجير في مودّة صاحبه ، والمراد بهذا الاختلاط تلاقي البحار بمياهها واختلاط بعضها ببعض ، وعن الربيع اختلاط عذبها بملحها ، وقيل : احتلاطها بحيوانات الماء ، وقيل : المفجور أخذاً من قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ فُجّرَتْ } [ الانفطار : 3 ] ويحتمله ما أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس من تفسيره بالمرسل ، وإذا اعتبر هذا مع ما تقدم عنه آنفاً من تفسيره بالمحبوس يكون من الأضداد أيضاً ، وقال منبه بن سعيد : هو جهنم سميت بحراً لسعتها وتموجها . والجمهور على أن المراد به بحر الدنيا وبه أقول وبأن المسجور بمعنى الموقد ، ووجه التناسب بين القرائن بعد تعين ما سيق له الكلام لائح ، وهو هٰهنا إثبات تأكيد عذاب الآخرة وتحقيق كينونته ووقوعه ، فأقسم سبحانه له بأمور كلها دالة على كمال قدرته عز وجل مع كونها متعلقة بالمبدأ والمعاد ، فالطور لأنه محل مكالمة موسى عليه السلام ، ومهبط آيات المبدأ والمعاد يناسب حديث إثبات المعاد وكتاب الأعمال كذلك مع الايماء إلى أن إيقاع العذاب عَدْلٌ منه تعالى فقد تحقق ودون في { ٱلْكِتَـٰبِ } ما يجر إليه قبل ، { وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ } لأنه مطاف الرسل السماوية ، ومظهر لعظمته تعالى ، ومحل لتقديسهم وتسبيحهم إياه جل وعلا ، { وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ } لأنه مستقرهم ومنه تنزل الآيات ، وفيه الجنة . { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } لأنه محل النار ، وإذا حمل الكتاب على التوراة كان التناسب مع ما قبله حسب النظر الجليل أظهر ولم يحمله عليها كثير لزعم أن الرق المنشور لا يناسبها لأنها كانت في الألواح ، ولا يخفى عليك أن شيوع الرق فيما يكتب فيه الكتاب مطلقاً يضعف هذا الزعم في الجملة ، ثم إن المعروف أن التوراة لا يكتبها اليهود اليوم إلا في رق وكأنهم أخذوا ذلك من أسلافهم . وقال الإمام : يحتمل أن تكون الحكمة في القسم بالطور والبيت المعمور والبحر المسجور أنها أماكن خلوة لثلاثة أنبياء مع ربهم سبحانه ، أما الطور فلموسى عليه السلام وقد خاطب عنده ربه عز وجل بما خاطب ، وأما البيت المعمور فلرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال عنده : " سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لا أحصي / ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك " ؛ وأما البحر : فليونس عليه السلام قال فيه : { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَـٰنَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [ الأنبياء : 87 ] فلشرفها بذلك أقسم الله تعالى بها ، وأما ذكر الكتاب فلأن الأنبياء كان لهم في هذه الأماكن كلام والكلام في الكتاب ، وأما ذكر السقف المرفوع فلبيان رفعة البيت المعمور ليعلم عظمة شأن النبـي صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر وجهاً آخر ، ولعمري إنه لم يأت بشيء فيهما . والواو الأولى للقسم وما بعدها على ما قال أبو حيان للعطف ، والجملة المقسم عليها قوله تعالى : { إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ } .