Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 75-75)
Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَلاَ أُقْسِمُ } مزيدة للتأكيد مثلها في قوله تعالى : { لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ } [ الحديد : 29 ] أو هي لام القسم أشبعت فتحتها فتولدت منها ألف نظير ما في قوله : @ أعوذ بالله من العقراب @@ واختاره أبو حيان ثم قال : وهو وإن كان قليلاً فقد جاء نظيره في قوله تعالى : { فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ } [ إبراهيم : 37 ] بياء بعد الهمزة وذلك في قراءة هشام . ويؤيد قراءة الحسن وعيسى فلأقسم . وهو مبني على ما ذهب إليه تبعاً لبعض النحويين من أن فعل الحال يجوز القسم عليه فيقال : والله تعالى ليخرج زيد وعليه قول الشاعر : @ ليعلم ربـي أن بيتي واسع @@ وحينئذ لا يصح أن يقرن الفعل بالنون المؤكدة لأنها تخلصه للاستقبال وهو خلاف المراد ، والذي اختاره ابن عصفور والبصريون أن فعل الحال كما هنا لا يجوز أن يقسم عليه ومتى أريد من الفعل الاستقبال لزمت فيه النون المؤكدة فقيل : لأقسمن وحذفها ضعيف جداً ، ومن هنا خرجوا قراءة الحسن وعيسى على أن اللام لام الابتداء والمبتدأ محذوف لأنها لا تدخل على الفعل والتقدير فلأنا أقسم ، وقيل : نحوه في قراءة الجمهور على أن الألف قد تولدت من الإشباع ، وتعقب بأن المبتدأ إذا دخل عليه لام الابتداء يمتنع أو يقبح حذفه لأن دخولها لتأكيده وهو يقتضي الاعتناء به وحذفه يدل على خلافه . وقال سعيد بن جبير وبعض النحاة : لا نفي ورد لما يقوله الكفار في القرآن من أنه سحر وشعر وكهانة كأنه قيل : فلا صحة لما يقولون فيه ثم استؤنف فقيل : { أُقْسِمُ } الخ ، وتعقبه أبو حيان بأنه ( ( لا يجوز لما فيه من حذف اسم لا وخبرها في غير جواب سؤال نحو لا في جواب هل من رجل في الدار ) ) ، وقيل : الأولى فيما إذا قصد بلا نفي لمحذوف واستئناف لما بعدها في اللفظ الإتيان بالواو نحو لا وأطال الله تعالى بقاءك ، وقال بعضهم إن لا كثيراً ما يؤتى بها قبل القسم على نحو الاستفتاح كما في قوله : @ ( لا وأبيك ) ابنة العامريّ لا يدّعي القوم إني أفرّ @@ وقال أبو مسلم وجمع : إن الكلام على ظاهره المتبادر منه ، والمعنى لا أقسم إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم أي لا يحتاج إلى قسم مّا فضلاً عن أن هذا القسم العظيم ، فقول مفتي الديار الرومية انه يأباه تعيين المقسم به وتفخيمه ناشيء عن الغفلة على ما لا يخفى على فطن . { بِمَوٰقِعِ ٱلنُّجُومِ } أي بمساقط كواكب السماء ومغاربها كما جاء في رواية عن قتادة والحسن على أن الوقوع بمعنى السقوط والغروب . وتخصيصها بالقسم لما في غروبها من زوال أثرها ، والدلالة على وجود مؤثر دائم لا يتغير ، ولذا استدل الخليل عليه السلام بالأفول على وجود الصانع جل وعلا ، أو لأن ذلك وقت قيام المتهجدين والمبتهلين إليه تعالى وأوان نزول الرحمة والرضوان عليهم . وقد أخرج البخاري ومسلم عن أبـي هريرة مرفوعاً " ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له " وعن الحسن أيضاً المراد مواقعها عند الانكدار يوم القيامة قيل : وموقع عليه مصدر ميمي أو اسم زمان ولعل وقوعها ذلك اليوم ليس دفعة واحدة والتخصيص لما في ذلك من ظهور عظمته عز وجل وتحقق ما ينكره الكفار من البعث ، وعن أبـي جعفر وأبـي عبد الله على آبائهما وعليهما السلام المراد مواقعها عند الانقضاض إثر المسترقين السمع من الشياطين ، وقد مرّ لك تحقيق أمر هذا الانقضاض فلا تغفل . وقيل : مواقع النجوم هي الأنواء التي يزعم الجاهلية / أنهم يمطرون بها ، ولعله مأخوذ من بعض الآثار الواردة في سبب النزول وسنذكره إن شاء الله تعالى وليس نصاً في إرادة الأنواء بل يجوز عليه أن يراد المغارب مطلقاً . وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة أنها منازلها ومجاريها على أن الوقوع النزول كما يقال : على الخبير سقطت وهو شائع والتخصيص لأن له تعالى في ذلك من الدليل على عظيم قدرته وكمال حكمته ما لا يحيط به نطاق البيان . وقال جماعة منهم ابن عباس : النجوم نجوم القرآن ومواقعها أوقات نزولها . وأخرج النسائي وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في « الشعب » عنه أن قال : « أنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم فرق في السنين » وفي لفظ « ثم نزل من السماء الدنيا إلى الأرض نجوماً ثم قرأ { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } » وأيد هذا القول بأن الضمير في قوله تعالى بعد : { إِنَّهُ لَقُرْءانٌ } [ الواقعة : 77 ] يعود حينئذٍ على ما يفهم من مواقع النجوم حتى يكاد يعدّ كالمذكور صريحاً ولا يحتاج إلى أن يقال يفسره السياق كما في سائر الأقوال ، ووجه التخصيص أظهر من أن يخفى ، ولعل الكلام عليه من باب : @ وثناياك إنها إغريض @@ وقرأ ابن عباس وأهل المدينة وحمزة والكسائي { بموقع } مفرداً مراداً به الجمع .