Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 66, Ayat: 2-2)

Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَـٰنِكُمْ } أي قد شرع لكم تحليلها ، وهو حل ما عقدته الأيمان بالكفارة ، فالتحلة مصدر حلل كتكرمة من كرم ، وليس مصدر مقيساً ، والمقيس التحليل والتكريم لأن قياس فعل الصحيح العين غير المهموز هو التفعيل ، وأصله تحللة فأدغم ، وهو من الحل ضد العقد فكأنه باليمين على الشيء لالتزامه عقد عليه وبالكفارة يحل ذلك ، ويحل أيضاً بتصديق اليمين كما في قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يموت لرجل ثلاثة أولاد فتمسه النار إلا تحلة القسم " يعني { وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } [ مريم : 71 ] الخ ، وتحليله بأقل ما يقع عليه الاسم كمن حلف أن ينزل يكفي فيه إلمام خفيف ، فالكلام كناية عن التقليل أي قدر الاجتياز اليسير ، وكذا يحل بالاستثناء أي بقول الحالف : إن شاء الله تعالى بشرطه المعروف في الفقه . ويفهم من كلام « الكشاف » أن التحليل يكون بمعنى الاستثناء ومعناه كما في « الكشف » تعقيب اليمين عند الإطلاق بالاستثناء حتى لا تنعقد ، ومنه حلاً أبيت اللعن . وعلى القول بأنه كان منه عليه الصلاة والسلام يمين - كما جاء في بعض الروايات وهو ظاهر الآية - اختلف هل أعطى صلى الله عليه وسلم الكفارة أم لا ؟ فعن الحسن أنه عليه الصلاة والسلام لم يعط لأنه كان مغفوراً له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنما هو تعليم للمؤمنين ، وفيه أن غفران الذنب لا يصلح دليلاً لأن ترتب الأحكام الدنيوية على فعله عليه الصلاة والسلام ليس من المؤاخذة على الذنب ، كيف وغير مسلم أنه ذنب ؟ وعن مقاتل أنه صلى الله عليه وسلم أعتق رقبة في تحريم مارية ، وقد نقل مالك في « المدونة » عن زيد بن أسلم أنه عليه الصلاة والسلام أعطى الكفارة في تحريمه أم ولده حيث حلف أن لا يقربها ، ومثله عن الشعبـي . ( ( واختلف العلماء في حكم قول الرجل لزوجته : أنت علي حرام ، أو الحلال علي حرام ولم يستثن زوجته فقيل : قال جماعة منهم مسروق وربيعة وأبو سلمة والشعبـي وأصبغ : هو كتحريم الماء والطعام لا يلزمه شيء ، وقال أبو بكر وعمر وزيد وابن مسعود وابن عباس وعائشة وابن المسيب وعطاء وطاوس وسليمان بن يسار وابن جبير وقتادة والحسن والأوزاعي وأبو ثور وجماعة : هو يمين يكفرها ، وابن عباس أيضاً في رواية والشافعي في قول في أحد قوليه : فيه تكفير يمين وليس بيمين ) ) ، ( ( وأبو حنيفة يرى تحريم الحلال يميناً في كل شيء ، ويعتبر الانتفاع المقصود فيما يحرمه ، فإذا حرم طعاماً فقد حلف على عدم أكله أو أمة فعلى وطئها أو زوجة فعلى الإيلاء منها إذا لم / تكن له نية فإن نوى الظهار فظهار وإن نوى الطلاق فطلاق بائن ، وكذلك إن نوى اثنتين وإن نوى ثلاثاً فكما نوى ، وإن قال : نويت الكذب دين بينه وبين الله تعالى ، ولكن لا يدين في قضاء الحاكم بإبطال الإيلاء ) ) لأن اللفظ إنشاء في العرف . ( ( وقال جماعة : إن لم يرد شيئاً فهو يمين ، وفي « التحرير » قال أبو حنيفة وأصحابه : إن نوى الطلاق فواحدة بائنة أو اثنتين فواحدة أو ثلاثاً فثلاث أو لم ينو شيئاً فمول أو الظهار فظهار ، وقال ابن القاسم : لا تنفعه نية الظهار ويكون طلاقاً ، وقال يحيـى بن عمر : يكون كذلك فإن ارتجعها فلا يجوز له وطؤها حتى يكفر كفارة الظهار ، ويقع ما أراد من أعداده فإن نوى واحدة فرجعية وهو قول للشافعي ، وقال الأوزاعي وسفيان وأبو ثور : أي شيء نوى به من الطلاق وقع وإن لم ينو شيئاً فقال سفيان : لا شيء عليه ، وقال الأوزاعي وأبو ثور : تقع واحدة ، وقال ابن جبير : عليه عتق رقبة وإن لم يكن ظهاراً ، وقال أبو قلابة وعثمان وأحمد وإسحاق : التحريم ظهار ففيه كفارته ، وعن الشافعي إن نوى أنها محرمة كظهر أمه فظهار ، أو تحريم عينها بغير طلاق ، أو لم ينو فكفارة يمين ، وقال مالك : يقع ثلاث في المدخول بها وما أراد من واحدة أو ثنتين أو ثلاث في غير المدخول بها ، وقال ابن أبـي ليلى وعبد الملك بن الماجشون : تقع ثلاث في الوجهين ، وروى ابن خويزمنداد عن مالك - وقاله زيد وحماد بن أبـي سليمان - : تقع واحدة بائنة فيهما ، وقال الزهري وعبد العزيز بن الماجشون : واحدة رجعية ، وقال أبو مصعب ومحمد بن عبد الحكم : يقع في التي لم يدخل بها واحدة وفي المدخول بها ثلاث ) ) وفي « الكشاف » ( ( لا يراه الشافعي يميناً ولكن سبباً في الكفارة في النساء وحدهن ، وأما الطلاق فرجعي عنده ، وعن علي كرم الله تعالى وجهه ثلاث ، وعن زيد واحدة بائنة ، وعن عثمان ظهار ) ) ، وأخرج البخاري ومسلم وابن ماجه والنسائي عن ابن عباس أنه قال : من حرم امرأته فليس بشيء . وقرأ { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [ الأحزاب : 21 ] وللنسائي أنه أتاه رجل فقال : جعلت امرأتي علي حراماً قال : كذبت ليست عليك بحرام ثم تلا هذه الآية { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ } عليك أغلظ الكفارة عتق رقبة إلى غير ذلك من الأقوال ، وهي في هذه المسألة كثيرة جداً ، وفي نقل الأقوال عن أصحابها اختلاف كثير أيضاً . واحتج بما في هذه الآية مِنْ فرض تحليلها بالكفارة إن لم يستثن مَنْ رأي التحريم مطلقاً ، أو تحريم المرأة يميناً لأنه لو لم يكن يميناً لم يوجب الله تعالى فيه كفارة اليمين هنا . وأجيب بأنه لا يلزم من وجوب الكفارة كونه يميناً لجواز اشتراك الأمرين المتغايرين في حكم واحد ، فيجوز أن تثبت الكفارة فيه لمعنى آخر ، ولو سلم أن هذه الكفارة لا تكون إلا مع اليمين فيجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم أقسم مع التحريم فقال في مارية : " والله لا أطؤها " أو في العسل " والله لا أشربه " وقد رواه بعضهم فالكفارة لذلك اليمين لا للتحريم وحده ، والله تعالى أعلم . { وَٱللَّهُ مَوْلَـٰكُمْ } سيدكم ومتولي أموركم { وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ } فيعلم ما يصلحكم فيشرعه سبحانه لكم { ٱلْحَكِيمُ } المتقن أفعاله وأحكامه فلا يأمركم ولا ينهاكم إلا حسبما تقتضيه الحكمة .