Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 16-16)
Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالَ } استئناف كنظائره { فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي } الفاء لترتيب مضمون الجملة التي بعد على الإنظار ، والباء إما للقسم أو للسببية ، و ( ما ) على التقديرين مصدرية ، والجار والمجرور متعلق بأقسم ؛ وقيل : إنه على تقدير السببية متعلق بما بعد اللام ، وفيه أن لها الصدر على الصحيح فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، وجوز بعضهم كون ( ما ) استفهامية لم يحذف ألفها وأن الجار متعلق بأغويتني ولا يخفى ضعفه . والإغواء خلق الغي وأصل الغي الفساد ومنه غوى الفصيل وغوى إذا بشم وفسدت معدته ، وجاء بمعنى الجهل من اعتقاد فاسد كما في قوله سبحانه : { مَا ضَلَّ صَـٰحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ } [ النجم : 2 ] وبمعنى الخيبة كما في قوله : @ فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائماً @@ ومنه قوله تعالى : { وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } [ طه : 121 ] واستعمل بمعنى العذاب مجازاً بعلاقة السببية ومنه قوله تعالى : { فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } [ مريم : 59 ] . ولا مانع عند أهل السنة أن يراد بالإغواء هنا خلق الغي بمعنى الضلال أي بما أضللتني وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، ونسبة الإغواء بهذا المعنى إلى الله عز وجل مما يقتضيه عموم قوله سبحانه : { خَـٰلِقُ كُلّ شَىْء } [ الأنعام : 102 ] والمعتزلة يأبون نسبة مثل ذلك إليه سبحانه وقالوا في هذا تارة : إنه قول الشيطان فليس بحجة ، وأولوه أخرى بأن الإغواء النسبة إلى الغي كأكفره إذا نسبه إلى الكفر أو إنه بمعنى إحداث سبب الغي وإيقاعه وهو الأمر بالسجود . وقال بعضهم : إن الغي هنا بمعنى الخيبة أي بما خيبته من رحمتك أو الهلاك أي بما أهلكته بلعنك إياه وطردك له ، والذي دعاهم إلى هذا كله عدم قولهم بأن الله تعالى خالق كل شيء وأنه سبحان لا خالق غيره ولم يكفهم ذلك حتى طعنوا بأهل السنة القائلين بذلك . وما الظن بطائفة ترضى لنفسها من خفايا الشرك بما لم يسبق به إبليس عليه اللعنة نعوذ بالله سبحانه وتعالى من التعرض لسخطه . نعم الإغواء بمعنى الترغيب بما فيه الغواية والأمر به كما هو مراد اللعين من قوله : { لأُغْوِيَنَّهُمْ } [ صۤ : 82 ] مما لا يجوز من الله تعالى شأنه كما لا يخفى ، ثم إن كانت الباء للقسم يكون المقسم به صفة من صفات الأفعال وهو مما يقسم به في العرف وإن لم تجر الفقهاء به أحكام اليمين . ولعل القسم وقع من اللعين بهما جميعاً فحكى تارة قسمه بأحدهما وأخرى بالآخر ، وإن كانت سببية فالقسم بالعزة أي فبسبب إغوائك إياي لأجلهم أقسم بعزتك . { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ } أي لآدم عليه السلام وذريته ترصداً بهم كما يقعد القطاع للسابلة { صِرٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } الموصل إلى الجنة وهو الحق الذي فيه رضاك . أخرج أحمد والنسائي وابن حبان والطبراني والبيهقي في « شعب الإيمان » عن سبرة بن الفاكه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الشيطان قعد لابن آدم في طرقه فقعد له بطريق الإسلام فقال أتسلم وتذر دينك ودين آبائك ؟ فعصاه فأسلم ثم قعد له بطريق الهجرة فقال : أتهاجر وتذر أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كالفرس في طوله ؟ فعصاه فهاجر ثم قعد له بطريق الجهاد فقال : هو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم / المال فعصاه فجاهد ثم قال صلى الله عليه وسلم : « فمن فعل ذلك منهم فمات أو وقصته دابته فمات كان حقاً على الله تعالى أن يدخله الجنة " ولعل الاقتصار منه صلى الله عليه وسلم على هذه المذكورات للاعتناء بشأنها والتنبيه على عظم قدرها لما أن المقام قد اقتضى ذلك لا للحصر . ونظير ذلك ما روي عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما وغيرهما من تفسير الصراط المستقيم بطريق مكة والكلام من باب الكناية أو التمثيل ، ونصب ( الصراط ) إما على أنه مفعول به بتضمين { أقعدن } معنى ألزمن أو على نزع الخافض أي على صراطك كقولك ضرب زيد الظهر والبطن أو على الظرفين وجاء نصب ظرف المكان المختص عليها قليلاً ، ومن ذلك في المشهور قوله :