Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 101-101)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
استئناف ناشىء عن قوله { ولو شاء ربك لآمن مَن في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس } يونس 99 الخ . قسّم الناس إلى قسمين مؤمنين وكافرين ، أي فادعهم إلى النظر في دلائل الوحدانية والإرشاد إلى تحصيل أسباب الإيمان ودفع غشاوات الكفر ، وذلك بالإرشاد إلى النظر والاستدلال بما هو حول الإنسان من أحوال الموجودات وتصاريفها الدالة على الوحدانية ، مثل أجرام الكواكب ، وتقادير مسيرها ، وأحوال النور والظلمة والرياح والسحاب والمطر ، وكذلك البحار والجبال . وافتتحت الجملة بـ { قل } للاهتمام بمضمونها . وقد عمم ما في السماوات والأرض لتتوجه كلّ نفس إلى ما هو أقرب إليها وأيسر استدلالاً عليه لديها . والنظر هنا مستعمل فيما يصلح للنظر القلبي والنظر البصري ، ولذلك عدل عن إعماله عمل أحد الفعلين لكيلا يتمحض له ، فَجيءَ بعده بالاستفهام المعلّق لكلا الفعلين بحيث أصبح حمل النظر على كليهما على حد السواء فصار صالحاً للمعنيين الحقيقي والمجازي ، وذلك من مقاصد القرآن . و { ماذا } بمعنى ما الذي ، وما استفهام ، وذا أصله اسم إشارة ، وهو إذا وقع بعد ما قَام مقام اسم موصول . و { في السماوات والأرض } قائم مقام صلة الموصول . وأصل وضع التركيب مَا هذا في السماوات والأرض ، أي ما المشار إليه حال كونه في السماوات والأرض ، فكثر استعماله حتى صار في معنى ما الذي . والمقصود انظروا ما يدلكم على جواب هذا الاستفهام ، فكل شيء له حالة فهو مراد بالنظر العقلي بتركيبه في صورة مفعولين ، نحو انظروا الشمس طالعة ، وانظروا السحاب ممطراً ، وهكذا ، وكل شيء هو في ذاته آية فهو مراد بالنظر البصري نحو انظروا إنبات الأرض بعد جدبها فهو آية على وقوع البعث . فـذا لما قام مقام اسم الموصول صار من صيغ العموم تشمل جميع الأجرام وأعراضها الدالة على وحدانية الله وحكمته ، وأخص ذلك التأمل في خُلق النبي صلى الله عليه وسلم ونشأة دعوته ، والنظر فيما جاء به . فكل ذلك دلائل على كماله وصدقه . وقد طوي في الكلام جواب الأمر لوقوع الأمر عقب أسباب الإيمان ، فالتقدير انظروا تَرَوا آيات مُوصّلة إلى الإيمان . وجملة { وما تغني الآيات } معترضة ذيلت بها جملة { انظروا ماذا في السماوات والأرض } فيجوز أن تكون متممة لمقول القول مما أُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله لهم ويجوز أن تكون استئناف كلام من الله تعالى . والمعنى أبلغهم ما أمرت بتبليغه إليهم وليست تغني الآيات عن قوم لا يؤمنون ، أي الذين جعل الله نفوسهم لا تؤمن ، ولما كان قوله { انظروا ماذا في السماوات والأرض } مفيداً أن ذلك آيات كما تقدم حَسُن وقع التعبير عنها بالآيات هنا ، فمعنى { وما تغني الآيات } وما يغني ما في السماوات والأرض عن قوم لا يؤمنون ، فكان التعبير بالآيات كالإظهار في مقام الإضمار . وزيدت النذر فعطفت على الآيات لزيادة التعميم في هذه الجملة حتى تكون أوسع دلالة من التي قبلها لتكون كالتذييل لها ، وذلك أن القرآن جاء للناس بالاستدلال وبالتخويف ثم سجل على هذا الفريق بأنه لا تنجع فيه الآيات والأدلة ولا النذر والمخوفات . ولفظ { قوم لا يؤمنون } يفيد أن انتفاء الإيمان عنهم وصف عرفوا به وأنه مستقر من نفوسهم ، لأن اجتلاب لفظ { قوم } هنا مع صحة حلول غيره محله يشير إلى أن الوصف المذكور بعده من مقومات قوميتهم لأنه صار من خصائصهم ، بخلاف ما لو قيل عمن لا يؤمنون . ألا ترى إلى قول العنبري @ قومٌ إذا الشرُّ أبدى ناجذيه لهم طاروا إليه زَرافات ووُحدانا @@ أي قوم هذه سجيتهم . وقد تقدم عند قوله تعالى { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار } البقرة 164 إلى قوله { لآياتٍ لقوم يعقلون } في سورة البقرة 164 . وتقدم في هذه السورة غير مرة آنفاً . وهو هنا أبدع لأنه عدل به عن الإضمار . وهذا من بدائع الإعجاز هنا .