Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 105-105)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا } موقع هذه الجملة مُعضل لأن الواو عاطفة على محالة ، ووقعت بعدها أنْ . فالأظهر أن تكون أنْ مصدرية ، فوقوع فعل الطلب بعدها غير مألوف لأن حق صلة أنْ أن تكون جملة خبرية . قال في « الكشاف » قد سوغ سيبويه أن توصف أن بالأمر والنهي ، لأن الغرض وصل أن بما تكون معه في معنى المصدر ، وفعلا الأمر والنهي دالان على المصدر لأنه غيرهما من الأفعال اهـ . يشير إلى ما في « كتاب سيبويه » « بابٌ تكون أنْ فيه بمنزلة أيْ » . فالمعنى وأمرت بإقامة وجهي للدين حنيفاً ، ويكون العطف عطف مفرد على مفرد . وقيل الواو عطفتْ فعلاً مقدّراً يدل عليه فعل أمرت . والتقدير وأوحي إلي ، وتكون أنْ مفسرة للفعل المقدر ، لأنه فيه معنى القول دون حروفه . وعندي أن أسلوب نظم الآية على هذا الوجه لم يقع إلا لمقتضًى بلاغي ، فلا بد من أن يكون لصيغة { أقم وجهك } خصوصية في هذا المقام ، فلنُعرض عمّا وقع في « الكشاف » وعن جعل الآية مثالاً لما سوغه سيبويه ولنجعل الواو متوسعاً في استعمالها بأن استعملت نائبة مَناب الفعل الذي عَطفت عليه ، أي فعلَ { وأمرت } يونس 104 دون قصد تشريكها لمعطوفها مع المعطوف عليه بل استعملت لمجرد تكريره . والتقديرُ أمرت أنْ أقم وجهك فتكون أن تفسيراً لما في الواو من تقدير لفظ فعل أمرْت لقصد حكاية اللفظ الذي أمره الله به بلفظه ، وليتأتّى عطف { ولا تكونن من المشركين } عليه . وهذا من عطف الجمل لا من عطف المفردات ، وقد سبق مثل هذا عند قوله تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } في سورة العقود 49 ، وهو هنا أوْعب . والإقامة جعل الشيء قائماً . وهي هنا مستعارة لإفراد الوجه بالتوجه إلى شيء معين لا يترك وجهه ينثني إلى شيء آخر . واللام للعلة ، أي لأجل الدين ، فيصير المعنى محّض وجهك للدين لا تجعل لغير الدين شريكاً في توجهك . وهذه التمثيلية كناية عن توجيه نفسه بأسرها لأجل ما أمره الله به من التبليغ وإرشاد الأمة وإصلاحها . وقريب منه قوله { أسلمت وجهي لله } في سورة آل عمران 20 . و { حنيفاً } حال من { الدين } وهو دين التوحيد ، لأنه حنف أي مال عن الآلهة وتمحض لله . وقد تقدم عند قوله تعالى { قل بل ملة إبراهيم حنيفاً } في سورة البقرة 135 . { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } نهي مؤكد لمعنى الأمر الذي قبله تصريحاً بمعنى { حنيفاً } . وتأكيد الفعل المنهي عنه بنون التوكيد للمبالغة في النهي عنه اعتناء بالتبرّؤ من الشرك . وقد تقدم غير مرة أن قوله { من المشركين } ونحوَه أبلغ في الاتصاف من نحو لا تكن مشركاً ، لما فيه من التبرؤ من الطائفة ذات نحلة الإشراك .