Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 19-19)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جملة معترضة بين جملة { يعبدون } يونس18 وجملة { ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه } يونس 20 . ومناسبة الاعتراض قوله { قل أتنبئون الله بما لا يعلم } لأن عبادة الأصنام واختراع صفة الشفاعة لها هو من الاختلاف الذي أحدثه ضلال البشر في العقيدة السليمة التي فطر الله الناس عليها في أول النشأة ، فهي مما يشمله التوبيخ الذي في قوله { أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض } يونس 18 . وصيغة القصر للمبالغة في تأكيد الخبر لأنه خبر مهم عجيب هو من الحِكم العُمرانية والحقائق التاريخية بالمكان الأسمى ، إذ القصر تأكيد على تأكيد باعتبار اشتماله على صيغتي إثبات للمثبَت ونفي عما عداه ، فهو أقوى من تأكيد رد الإنكار ، ولذلك يؤذن برد إنكار شديد . وحسَّن القصر هنا وقوعه عقب الجدال مع الذين غيروا الدين الحق وروجوا نحلتهم بالمعاذير الباطلة كقولهم { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } يونس 18 ، وقوله { ما نبعدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } الزمر 3 ، بخلاف آية سورة البقرة 213 { كان الناس أمة واحدة } فإنها وقعت في سياق المجادلة مع أهل الكتاب لقوله { سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة } البقرة 211 وأهل الكتاب لا ينكرون أن الناس كانوا أمة واحدة . فآية هذه السورة تشير إلى الوحدة الاعتقادية ولذلك عبر عن التفرق الطارىء عليها باعتبار الاختلاف المشعر بالمذمة والمعقب بالتخويف في قوله { ولولا كلمة سبقت } إلى آخره ، وآية سورة البقرة تشير إلى الوحدة الشرعية التي تجمعها الحنيفية الفطرية ، ولذلك عبر عن التفرق الذي طرأ عليها بأن الله بعث النبيين مبشرين ومنذرين ، ثم جاء ذكر الاختلاف عرضاً عقب ذلك بقوله { وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه } البقرة 213 . وأريد به الاختلاف بين أتباع الشرائع لقوله { وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه } البقرة 213 . وتقدم القول في { كان الناس أمة واحدة } في سورة البقرة 213 . والناس اسم جمع للبشر . وتعريفه للاستغراق . والأمة الجماعة العظيمة التي لها حال واحد في شيء مَّا . والمراد هنا أمة واحدة في الدين . والسياق يدل على أن المراد أنها واحدة في الدين الحق وهو التوحيد لأن الحق هو الذي يمكن اتفاق البشر عليه لأنه ناشيء عن سلامة الاعتقاد من الضلال والتحْريف . والإنسان لما أنشىء على فطرة كاملة بعيدة عن التكلف . وإنما يتصور ذلك في معرفة الله تعالى دون الأعمال ، لأنها قد تختلف باختلاف الحاجات ، فإذا جاز أن يحدث في البشر الضلال والخطأ فلا يكون الضلال عاماً على عقولهم ، فتعين أن الناس في معرفة الله تعالى كانوا أمة واحدة متفقين على التوحيد لأن الله لما فطر الإنسان فطره على عقل سليم موافق للواقع ، ووَضَع في عقله الشعور بخالق وبأنه واحد وضعاً جِبلِّياً كما وضَع الإلهامات في أصناف الحيوان . وتأيد ذلك بالوحي لأبي البشر وهو آدم عليه السلام . ثم إن البشر أدخلوا على عقولهم الاختلاف البعيد عن الحق بسبب الاختلاق الباطل والتخيل والأوهام بالأقيسة الفاسدة . وهذا مما يدخل في معنى قوله تعالى { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } التين 4 6 ، فتعين أن المراد في هذه الآية بكون الناس أمةً واحدة الوحدة في الحق ، وأن المقصود مدح تلك الحالة لأن المقصود من هذه الآية بيان فساد الشرك وإثبات خطأ منتحليه بأن سلفهم الأول لم يكن مثلهم في فساد العقول ، وقد كان للمخاطبين تعظيم لما كان عليه أسلافهم ، ولأن صيغة القصر تؤذن بأن المراد إبطال زعم من يزعم غير ذلك . ووقوعُه عقب ذكر من يعبدون من دون الله أصناماً لا تضرهم ولا تنفعهم يدل على أنهم المقصود بالإبطال ، فإنهم كانوا يحسبون أن ما هم عليه من الضلال هو دين الحق ، ولذلك صوروا إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام في الكعبة . " فقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح « كَذبوا والله إِنْ استقسما بها قَطِ ، وقرأ { ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين } آل عمران 67 » " وبهذا الوجه يجعل التعريف في { الناس } للاستغراق . ويجوز أن يراد بالناس العربُ خاصة بقرينة الخطاب ويكون المراد تذكيرهم بعهد أبيهم إبراهيم عليه السلام إذ كان هو وأبناؤه وذريتهم على الحنيفية والتوحيدِ كما قال تعالى { وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني بَراء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمةً باقية في عقبه لعلهم يرجعون } الزخرف 26 28 ، أي في عقبه من العرب ، فيكون التعريف للعهد . وجملة { ولولا كلمة سبقت من ربك } إخبار بأن الحق واحد ، وأن ذلك الاختلاف مذموم ، وأنه لولا أن الله أراد إمهال البشر إلى يوم الجزاء لأراهم وجه الفصل في اختلافهم باستيصال المُبطل وإبقاءِ المحق . وهذه الكلمة أجملت هنا وأشير إليها في سورة الشورى 14 بقوله { ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مُسمى لقضي بينهم } والأجل هو أجل بقاء الأمم ، وذلك عند انقراض العالم ، فالقضاء بينهم إذن مؤخر إلى يوم الحساب . وأصرح من ذلك في بيان معنى الكلمة قولُه في سورة هود 118 { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمةُ ربك لأملأنَّ جهنم من الجنة والناس أجمعين } وسيأتي بيانها . وتقديم المجرور في قوله { فيما فيه يختلفون } للرعاية على الفاصلة .